كاتب سعودي
طالعتنا الصحف، بالخبر الغريب العجيب، والذي حتى الآن ما زلت مصدوما وغير مستوعب لما ورد فيه. الخبر ينقل تفاصيل عملية إلقاء القبض على أفراد خلية تنتمي لخلايا داعش الناشطة في بلدة تمير، بمحافظة المجمعة. خبر إلقاء رجال أمننا البواسل القبض على خلية من خلايا الإرهاب أو مداهمة وكر من أوكاره، بحد ذاته، خبر اعتدنا عليه، وهذا ما يجعلنا ندعوا دوما لهم بالنصر والثبات ونفتخر بهم، وبإنجازاتهم وتضحياتهم العظيمة؛ من أجل تأمين أمننا وسلامتنا.
ولكن الغريب في هذا الخبر – بحسب ما نقلته إحدى الصحف -: “وكانت قوات الأمن دهمت أمس الاثنين، محافظة تمير – نحو 120 كيلومتراً شمال غرب الرياض – بعد ورود بلاغات أمنية من أهالي تمير عن وجود عدد من المحرضين على (الجهاد)، الذين غرّروا بعدد من شباب المحافظة، مما دفع أهالي ووجهاء تمير إلى مقابلة قيادات عليا للتعبير عن شكوكهم في وجود عناصر (مخربة) في المحافظة، تعمل على التغرير بأبنائها، والزج بهم تباعاً في تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) الإرهابيين”.
أي حسب الخبر أعلاه، أن وجهاء “تمير”، قابلوا القيادات العليا، قبل حدوث المداهمة لأوكار الإرهاب في مدينتهم. كما ورد في الخبر كذلك أن المداهمة أتت بعد ورود بلاغات أمنية من أهالي تمير، عن وجود عدد من المحرضين على (الجهاد) يتحركون بينهم.
السؤال هو: هل من المقبول والمعقول أن يذهب أعيان مدينة مثل تمير والتي هي من ضمن منطقة الرياض، وتبعد عن مدينة الرياض فقط، 120 كلم، وهي توجد وسط صحراء مفتوحة، وليست فوق قمم جبال، ولا مغارات، ويمر بها خط سريع من أكبر الخطوط السريعة في المملكة، وهو خط الرياض – القصيم؛ لمقابلة قيادات عليا، من أجل أن تتحرك قواتنا الأمنية وتداهم أوكار الإرهاب التي أخذت تشكل خطرا أمنياً عليهم وتهدد حياتهم، وحياة ومستقبل أبنائهم!! أفهم بأن يتوجه أعيان مدينة أو قبيلة، لمقابلة القيادات العليا، بعد إلقاء القبض على خلايا إرهابية كانت تهددهم، لا قبلها. ولكن من خلال سياق الخبر، فإن أعيان “تمير” قد ذهبوا أولاً، لطلب النجدة لإنقاذ مدينتهم وتطهيرها من شرذمة الدواعش، التي كانت تهدد أمن مدينتهم، ثم أتتهم النجدة لاحقاً.
أفهم لو أتى وفد من أعيان، مدينة أو قرية يمنية، قريبة من الحدود السعودية، للمملكة، لطلب المساعدة والنجدة من الخلايا الإرهابية التي تعبث بها وتهدد أمن وسلامة أهلها؛ ولكن أن يأتي أعيان مدينة سعودية لا تبعد، سوى 120 كيلومترا عن العاصمة الرياض، لطلب النجدة من عيث إرهابيي داعش والنصرة، فساداً في مدينتهم، فهذا شيء لا أفهمه أبداً ولا أكاد أصدق به، ناهيك عن أن أعقله.
أي ألا يوجد في مدينة تمير، مقر محافظة، ويوجد فيه محافظ؟ كيف انتشرت مقرات للدواعش في مزارع واستراحات المدينة؛ من دون علم المحافظ؟ مع كون المواطنين العاديين قد علموا بذلك، وتضايقوا منه. حيث نجحت الخلايا الإرهابية بتجنيد بعض شبابها، وأرسلتهم لمواطن القتل والعنف والإرهاب في العراق وسورية. وألا يوجد في مدينة تمير دوائر أمنية، أو مقرات أمنية قريبة منها؛ تقوم باكتشاف هذه الخلايا واختراقها ومداهمتها، قبل أن يشعر بها الأهالي كما عودتنا أجهزة أمننا الباسلة؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، في مسألة وجود داعش وتعشيشها في مدينة تمير، حتى تضايق منها الصغير قبل الكبير؛ يتطلب إجابات دقيقة لها! إن ما حدث في “تمير” وتناقلته صحفنا المحلية، يوضح بما لا يدع مجالا للشك، أن ما حدث ناتج عن خلل أدى لدخول الدواعش من أجل العبث بالمدينة.
نريد ذلك، ليس فقط من أجل معاقبة المقصرين في أداء وظائفهم الموكلة لهم؛ ولكن للتأكد أيضاً من أنه ليس هنالك تهاون أو تساهل مع الدواعش، وهذا حتماً، سينعكس إيجاباً، ليس فقط على أمن وسلامة مدينة تمير الغالية؛ ولكن أيضاً لتحصين كل مدننا وقرانا وهجرنا، البعيدة عن العاصمة، قبل القريبة منها، من اختراقات مجرمي داعش والنصرة؛ الذين يتسابقون في ما بينهم، على نشر العنف والإرهاب في أي بقعة يصلون إليها من بقع مملكتنا الغالية.
وبحسب وثيقة الشكوى المقدمة من أعيان مدينة تمير، للقيادات العليا، النص التالي: “إن أبناءكم في مدينة تمير يجددون لكم البيعة والولاء، وإنهم ليدينون لله بعقيدة أهل السنة والجماعة، ومنها مسائل السمع والطاعة والجهاد، فيرون السمع والطاعة لكم في المنشط والمكره والأثرة عليهم، ويرون أن الجهاد أمر شرعي منوط بكم، وأنه لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر…إلخ”. طبعاً لن ولا يمكن بأن أحمل أعيان مدينة تمير الأفاضل أي لوم، على ما صاغوه في وثيقة شكواهم؛ حيث ما ورد في وثيقتهم من عبارات أتت مطابقة ومتناسقة تماما، مع خطابنا الديني الرسمي.
ولكن توجد لدي ملاحظة، أعتقد أنها تستحق التفكير فيها ملياً، والبحث الجاد لها ومراجعتها، وإعادة تقييمها. وهي عبارة: “.. ويرون أن الجهاد أمر شرعي منوط بكم، وأنه لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر..” أي أنه لا تزال للجهاد قيمة عقدية مقدسة لدينا، لا تقبل التشكيك بها.
السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه علينا وبإلحاح، هو هل الجهاد، من حيث التطبيق لا المبدأ، ما زال يعكس صورة الجهاد القديمة التي شرعت ونظمت عملية الجهاد، وخصصت له فقها كاملا؟ الجواب طبعاً لا. وكيف ذلك؟
في القديم لم تكن تمتلك الدولة أو الدول الإسلامية جيوشا رسمية، تحركها متى شاءت؟ وأين شاءت؟ ولذلك عندما يداهمها خطر خارجي، فهي تعلن الجهاد، والذي هو بمثابة حالة استنفار عام وسريع لتكوين جيش من المواطنين ممن لديهم القدرة على القتال؛ لحمايتها والدفاع عن حياضها. حيث لم يكن القتال معقدا حينها، فمعظم – إن لم يكن كل – الرجال يحملون أسلحتهم في حلهم وترحالهم، ناهيك عن معرفة كيفية استخدامها.
أما الآن فيوجد لكل دولة جيشها وقوى أمنها الخاصة بها، والمدربة والجاهزة للقتال متى شاءت؟ وأين شاءت؟ أي أن الدول ليست بحاجة لمواطنيها العزل، للاشتراك في عملية الحروب والدفاع عنها؛ مما يجعل الجهاد غير ضروري أو مطلوب من الناحية العملية الآن.
المصدر: الوطن أون لاين