كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
ما الأسباب والعوامل التي أوصلت دولة شقيقة مثل “قطر” إلى أن تغرد خارج سربها الاجتماعي والسياسي حتى وصل الحد إلى أن تسحب ثلاث شقيقات من حولها سفراءها من الدوحة؟
هناك جواب ثقافي مهم في تحليل المسألة. ومثلما يتحدث علماء الاجتماع عن مصطلحات مثل توازن التركيبة السكانية وتكافؤ نسب الأعراق لديمومة وحيوية النسيج الاجتماعي، فأنا أعتقد جازما أن موازين “التركيبة الثقافية” وحركة القوى الفاعلة في تشكيل الوعي لمجتمع مثل شقيقنا المجتمع القطري هي من أدى في نهاية الأمر لهذه المحصلة.
يعود لب الجذر حين قررت قطر قبل ما يقرب من عقدين من الزمن أن تلعب دوراً قيادياً على المسرحين الإقليمي والعالمي، ولكنها اكتشفت أنها تبني مجسم “فيل” ضخم ولكن بلا أرجل وسواعد محلية تستطيع حمل المعجزة.
لن تستطيع الدوحة أن تكون “دبي” لأن الأخيرة انطلقت قبل إشارة “الماراثون”، ومن طبيعة المنافسة استحالة تكرار التجربة. لن تكون قطر نسخة من “الكويت” لأن الأخيرة ذات جذر ثقافي واجتماعي راسخ في التقاليد وبناء نهضة المعرفة، ولن تكون حتى مثل “البحرين” لأن الأخيرة من حضارات تاريخ الخليج وإرثه، بل حتى رمزه من أيام “الديلمون”.
وحينما لم تجد قطر صناعة محلية لتربيط مسامير المارد القطري فتحت أبوابها للكتل الثقافية النشاز في عالمنا العربي، حتى أصبح القطري الأصيل نفسه غريبا داخل ثقافته الأصل. وخذ لتقريب المثال أن قطريين اثنين من جملة الفريق الكروي هما وحدهما من يستطيع ترديد نشيد البلاد في المناسبات الرياضية.
هذا المثال يبسط جوانب المسألة، ومن المؤسف بمكان أن نقول إن قطر قد ذهبت بعيدا في خلخلة بنيانها الثقافي إلى الحد الذي لم تعد به قطر، فقط غريبة على مكانها الطبيعي الجغرافي، بل أيضا أصبح القطري نفسه في حرج بالغ لأن سؤالا عن غيابه يبعث أجوبة عن قدراته الثقافية.
لماذا أصبحت قطر بالرمزية مُثلا مختزلة في وجوه “القرضاوي، وعزمي بشارة” وما بينهما من آلاف “الإنتلجنسيا” المستوردة، وكأنها دولة تفتقر لأدوات شعب يستطيع التعبير عن نفسه ثقافيا وسياسيا؟ ولماذا أصبح القطري نفسه ثانويا في بلده لا تراه حتى في نشرات الأخبار إلا قارئا للنشرة الجوية!؟
المصدر: الوطن أون لاين