كاتب وصحفي سعودي
عبر تاريخ السعودية الطويل رسمت الاستراتيجية السياسية منهجا مميزا عبر مسار مختلف للعمل في سبيل إيضاح الصورة الحقيقية للمملكة ودورها الإقليمي والدولي، والحقيقة انه عبر هذا التاريخ الطويل لم تتوقف تلك المسارات الإعلامية والدعائية في رسم صور متفاوتة عن المملكة العربية السعودية في اذهان المتلقين في كثير من المجتمعات القريبة والبعيدة، هذه الصورة التاريخية والاعلامية حول السعودية تطرح في كل مرة ذات السؤال حول لماذا يتم الهجوم على السعودية ولمصلحة من ومن يقف خلفه، ولكن قبل الدخول في هذا المسار لابد من رسم صورة عن المملكة العربية السعودية بمساهمة مؤسسة الاعلام الأولى في تبنيها.
هذه الدولة وفي دورتها الثالثة تمكنت في العام (1932) وعلى يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي اعلن استعادة ملك اجداده وتوحيد المملكة تحت مسماها الجديد، وكانت فكرة الوحدة الشاملة لهذه الدولة مطلبا تاريخيا تم تحقيقه من خلال عملية سياسية واستراتيجية وعسكرية انطلقت منذ العام (1902) بدخول الرياض ومن ثم الانطلاق الى توحيد اكبر مساحة جغرافية من الجزيرة العربية، هذه العملية السياسية طرحت السؤال المهم ما الذي سوف يميز هذه الدولة الناشئة عن سابقاتها..؟
في الدولة الحديثة تشكلت السعودية بطريقة مختلفة وخاصة أن المقدسات الإسلامية الأهم بالنسبة للمسلمين مكة والمدينة أصبحت جزءا من هذا الكيان، وبهذه الوحدة أصبحت مسؤولية السعودية اكبر بين دول العالم العربي والإسلامي وأصبحت المهمة الإسلامية لهذه الدولة تأتي من مكانتها الإقليمية وقبل ذلك احتضانها للمقدسات الإسلامية ومسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة عن الاطار الإسلامي وقيادته، وهنا نستطيع ان نرى بوضوح الأهمية الأكبر التي تشكلت حولها دوليا كونها الدولة الإسلامية الأهم بوجود مقدسات المسلمين فيها.
بعد اقل من اربع سنوات من اعلان توحيد المملكة على يد مؤسسها يتم اكتشاف البترول في السعودية وتعلن بذلك السعودية كمهد للاقتصاد العالمي كونها أصبحت دولة نفطية تمتلك اكثر من ربع احتياطيات النفط في العالم بجانب كونها المصدّر الأهم والاكبر لهذه الطاقة، وهنا اضيفت الى هذه الدولة ميزة تاريخية وسياسية اكبر: كونها قبلة للمسلمين أولا، ثم كونها اكبر منتج ومالك للطاقة في العالم.
لقد حُسم تاريخ التكوين للسعودية بشكل سريع وماهر فبعد اقل من أربعة عقود من دخول الملك عبدالعزيز الرياض، أصبحت دولته واحدة من اهم دول العالم وأصبحت السعودية النجم الجديد في سماء دولية مليئة بالمتنافسين، ظهور السعودية بهذه القوة غيّر مفاهيم كثيرة كانت محيطة بها وفرض اسم السعودية كلاعب رئيس في المنطقة والعالم، وأصبحت المهمة السعودية إسلاميا وعربيا ودوليا تفرض نفسها انطلاقا من معطيات تميزت بها المملكة.
السعودية وبكل سماتها أصبحت تحت الأنظار ويتابع العالم كل أنشطتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنامت الرغبة لدى الكثيرين للتعرف على السعودية من داخلها، وهذه الأهمية لهذه الدولة جعلتها أيضا هدفاً طبيعياً لأعدائها المحتملين، وعبر التاريخ هناك سجل كبير بمحاولات متعددة هدفها النيل من هذه الدولة، وهذا طبيعي في ظل نجوميتها فخلال اكثر من ثمانية عقود مضت على تأسيس السعودية لم تغب السعودية عن المشهد العالمي بل أصبحت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية مطلبا للكثير من الدول والمنظمات الدولية.
هذه الأهمية التاريخية للسعودية والتي جعلت منها دولة فاعلة في الحركة الدولية على جميع الأصعدة ساهمت أيضا في أن تمارس السعودية دورها الإقليمي والدولي بكل احترافية، من خلال رسم سياسيات ومبادئ ثابتة ظلت تشكل عنوانا راسخا لكيفية التعامل مع هذه الدولة مهما تغير ملوكها او سياسيوها، على اعتبار أن منهجها واستراتيجياتها واضحة وثابتة تتغير ادواتها لكن لا تتغير أسسها.
هذه الصورة الواضحة للسعودية ودورها البارز ساهم في تكثيف الراغبين بالاساءة اليها سواء على مستوى الدول أو المؤسسات، ولعل المتتبع للتاريخ السعودي يدرك كم العمل السياسي وحتى الاقتصادي الذي سجل ضد هذه الدولة، لكن الجميل في كل هذه المحاولات أن المملكة لم تغير شيئا من منهجها كاستجابة لأي من محاولات التهجم عليها، وهذا ما ساهم في قدرتها على تجاوز الحملات الإعلامية العدائية التي قادتها دول بعينها أو مؤسسات او أحزاب او مناهضون.
ولعل اقسى تلك المواجهات التي وقفت السعودية امامها بحزم هي موجة الإرهاب، التي ضربت السعودية منذ ما يقارب ثلاثة عقود، وتكمن قسوة ظاهرة الإرهاب في كونها استخدمت أبناء الوطن من اجل تنفيذ عمليات إرهابية قتل فيها اشخاص أبرياء، ومع كل ذلك فقد استطاعت السعودية أن تثبت أنها راسخة امام كل التحديات الممكنة في هذا الجانب.
والمواجهات الأخرى أيضا كبيرة ولعل محاولات النظام الإيراني منذ بداية الثورة تعتبر أمراً مهماً كون هذه المحاولات من ايران لم تتوقف عند الهجوم الإعلامي فقط بل تجاوزته الى محاولات للتدخل في شؤون داخلية وتمويل عمليات إرهابية وتوظيف مباشر لعمليات إعلامية كتلك التي يقوم بها حزب حسن نصر الله ضد السعودية في محاولة يائسة منه للإساءة الى هذه الدولة.
الأهم في كل هذا التاريخ قضيتان اساسيتان الأولى أن السعودية تمكنت بخبراتها السياسية أن تتجاوز مثل هذه العمليات وتخرج منها دون ادنى خسائر ممكنة، ولعل محاولات النظام الإيراني على يد مرشدها الأعلى لتوجيه التهديدات للسعودية فيما يخص القضية اليمنية وذلك خلال شهري مايو وابريل الماضيين، لم تحقق تلك الحملة شيئا من أهدافها.
القضية الأساسية الثانية وهي أن السعودية دائما تثبت انها الأكثر قدرة على إدارة المعارك الإعلامية وهذا ظهر بشكل واضح من خلال تحول خطابات حسن نصر الله ضد السعودية الى مادة للتندر الإعلامي محليا ودوليا.
العنصر الاعلامي الأكثر اثارة في محاولات النيل من السعودية هو دخول الاعلام الجديد في الإساءة الى قياداتها السياسية دون استثناء حيث تبنت بعض الحسابات عبر تويتر تحديدا، مسارا يهدف الى ارباك الواقع المجتمعي، ونتيجة لجهل الاخرين بطبيعة تكوين المجتمع السعودي أصبحت مواد الاعلام الجديد وحساباته لا تؤدي الهدف المنشود منها بل أصبحت قصص وحسابات تويتر مجرد كلمات تقرأ بدون أي أثر.
المصدر: الرياض