كاتبة لبنانية
كنت، كما كثر غيري ربما، أخجل أن يراني أحد وأنا أمد يدي أمامي وأعدل مظهري لالتقاط صور لي بكاميرتي أو بهاتفي الذكي. كنت أفعلها سرا وغالبا ما خبأت الصور أو ألغيتها على الأغلب وكأنني أنجو بنفسي من فعلة ما.
الأرجح أنه كان يعتريني شعور بالخوف من الانكشاف أمام كثيرين بأنني أحب الصور وبأنني التقطت مشاهد لي، عامدة متعمدة وبأن صورتي لم تنتزع بغفلة مني ولم يسترقها مني أصدقاء دون موافقتي. لاحقني الخجل من احتمال اتهامي بالانغماس في ذاتي والتباهي بها ولو سرا، فأنا نادرا ما كنت أنشر تلك الصور. كان ذلك شعوري تماما حتى أسابيع قليلة خلت..
وهنا لا يعود التأريخ مهما، إذ لا أحد يستطيع أن يقدر تماما كيف ومتى حدث، لكن فجأة اجتاحت العالم حمى الصور الذاتية الملتقطة بالهواتف الذكية Selfie ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بدا وكأن الملايين قد سقط عنهم هذا الارتباك حيال نرجسيتهم وحبهم لذواتهم وصورتهم فاستغرقوا في التقاط كم خيالي من الصور الذاتية إلى حدود الهوس والمرض الحقيقي.
يكفي لنعرف كم هو حجم الظاهرة أن نقرأ عن بريطانيا مثلا التي تدرس جديا احتمال فرض «كوتة» أو عددا محددا من الصور الذاتية للشخص عبر مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لاحتواء مفاعيل تلك الحمى اجتماعيا واقتصاديا أيضا. هناك اليوم ارتباك فعلي حيال تلك الظاهرة وجموح المنخرطين فيها. ولا يزال الإعلام يتابع قصة المراهق «داني» الذي شغف بالتقاط صور Selfie لنفسه من دون أن يحصل على ما يرضيه، فأهمل دراسته وصحته وكاد يصل إلى الانتحار. لكن ليس «داني» وحده من أدمن هذه الظاهرة، فالارتباط العضوي بين الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في تصاعد ومعه علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين.
إلا أن حب النفس ليس المعيار الوحيد الذي ينبغي اعتماده في تفسيرنا لصور الـselfie. وهنا قد يجدر بنا نحن من نعيش في المنطقة العربية أن نحاول الاستفادة من تلك الأداة في كيفية تقديمنا لأنفسنا ولقناعتنا وكيفية الدفاع عنها. فقدرنا أن نكون جزءا من مجتمعات وأنظمة غير ديمقراطية، لذا لا مفر من محاولة الاستفادة من أي مساحة تعبير متاحة، خصوصا حين تصبح الشوارع مهددة إما برصاص الأنظمة أو برصاص المسلحين والموتورين.
حدث ذلك..
فصور الذات أو selfie باتت جزءا من حملات إلكترونية منها لمكافحة العنصرية أو للدفاع عن حقوق المرأة وأخرى لتشجيع ربط أحزمة الأمان لدى القيادة أو للتوعية من الأمراض. تمت الاستعاضة عن الصراخ في الشراع بصراخ آخر عبر صور ذاتية لأفراد قرروا إشهار موقف ما عبر عبارات وشعارات تقترن بتلك الصور، فبات لدينا صفحات هائلة من المتظاهرين لكن بقالب فردي.
لا شك أن تطور التقنيات والاجتهاد في الأفكار سيثمر مزيدا من البدائل. فلم يعد مجديا التباكي على قصور الإعلام التقليدي ومحدودية اهتماماته. فمن يشعر أن لديه ما يقوله ويعمل لأجله، فها هي الفضاءات متاحة أمامه. لا مشكلة في أن نلتقط صور selfie لكن هل لنا أن نفكر أكثر في إضفاء معان تتجاوز الانبهار بمظهرنا إلى ما هو أعمق من ذلك؟.
المصدر: الشرق الأوسط