البعض تنتهي حياته عند التقاعد. و البعض الآخر تبدأ حياته (أو تتجدد) عند التقاعد. في الجامعات العالمية العريقة تجد عددا كبيرا من الأساتذة يكون غالباً من أصحاب الخبرة المتقاعدين. بعضهم كان برتبة عسكرية كبيرة في الجيش. و بعضهم كان سفيراً أو دبلوماسياً مهماً.
هناك مديرو شركات سابقين يأتون للتدريس في الجامعة بتجارب عملية ثرية من الميدان فيربطون بين النظرية والواقع مما ينعكس إيجابياً على الطالب و على تجربة الجامعة إجمالاً. هناك ألف طريقة للاستفادة من خبرات المتقاعدين بدلاً من تركهم فجأة عرضة للاكتئاب و الإحساس بأنهم رقم زائد في مسيرة المجتمع. من واجب المؤسسات، حكومية أو غير حكومية، أن تعد برامج حقيقية تؤهل الموظف لمرحلة ما بعد التقاعد. الأعمال التطوعية يمكن أن تستقطب المئات من المتقاعدين بما يفيدهم و يفيد مجتمعهم.
أعرف أثرياء بدأت تجارتهم بعد التقاعد من الوظيفة. و أعرف موظفين يعدون الأيام للوصول للتقاعد كي يتفرغوا للكتابة. الوظيفة مرحلة مهمة من عمر الإنسان. فلماذا لا نجعل التقاعد مرحلة أخرى أكثر أهمية في حياتنا؟ في التقاعد فسحة لتجارب جديدة و فرصة لتحقيق أحلام ما كانت الوظيفة تسمح لنا أن نحققها. يعجبني الإنسان الذي لا يحاصر إبداعه و إنتاجه وإسهامه في الحياة بسنوات الوظيفة تتوقف بعدها حياته.
هل رأيتم رجل أعمال يتقاعد عند سن معينة؟ و هل سمعتم بكاتب توقف عن الكتابة لبلوغه سن التقاعد؟ عرفت متقاعدين أيام دراستي في أمريكا وجدوا في تقاعدهم أجمل أيام العمر و هم يطوفون العالم كله، يكتشفون في كل رحلة مدينة جديدة و عالما جديدا. جدد حياتك بالتقاعد. استثمر وقتك في خوض تجربة جديدة أقربها التطوع في أعمال خير كثيرة تفيد بها نفسك و مجتمعك.
فإن كنت تظن أن تقاعدك هو “نهايتك” فأحسن الله عزاءك في نفسك و عظّم الله أجر من حولك. و إن كنت ستعلن بتقاعدك بدايتك الجديدة، في التجارة أو التطوع أو اكتشاف العالم الفسيح من حولك، فلك منا أن نبارك لك بدايتك الجديدة التي ستطيل – إن شاء الله – في عمرك و تريح أعصاب من حولك من الأبناء و الأحفاد و سابع الجيران!
اللهم لا تجعل الوظيفة أكبر همومنا و نهاية أحلامنا!