كاتب إماراتي
كثيراً ما تلتقي بشخص تحس بهالة تحيط به أو تراها في وجهه، يسميها بعضهم نور الإيمان، ويسميها البعض الطاقة الإيجابية، ويسميها آخرون السماحة والبشاشة، وبالتعبير «البلدي» تحس بأن الرجل قد «دخل قلبك»، كما يقال، وجه وضّاء، وابتسامة طيبة، تشعر بتلك الحالة من الارتياح غير المبرر، ويدهمك ذلك الشعور الذي أفقدتك إياه الفتن المتلاحقة، وهو شعور بأن الدنيا لاتزال بخير.
بفضولك الصحافي«الطفولي» القططي – سمّه ما شئت – تسأل عن الرجل، بعد أن ينصرف، فتأتيك إجابة الجموع: ما عليك منه ما بينفعك، هذا موظف! أي قسوة! أو يأتيك جواب من أبله آخر: هذا «هامور» بس ما يساعد حد! ثم يتحذلق آخر ويعطيك نظرة الفاهم للأمور قبل أن يقول من طرف خشمه: هو سليل عائلة كانت على خير كبير، لكنهم خسروه في الأسهم، الآن «ما يسوون شي»، أو ربما خرج أحد علماء الإدارة الجدد، وما أكثرهم، ليعطيك نصيحة ذهبية: هذا واحد ما ينفع، ما عنده شيء اسمه واسطة، ما يخدم حد!
إذاً المعادلة الاجتماعية الجديدة لدينا تقول إن الرجل إذا لم يكن مفيداً لك «كواسطة»، أو درجة لك في سلمك الوظيفي والحياتي، أو صندوق أمانات وتمويل تلجأ إليه لدى نوائب الدهر، أو هامة اجتماعية يشار إليك كـ«مقرب» منه فهو لا يستحق أن تمنحه وقتك أو عواطفك، بل ويحق لك التمنن عليه بأنك ترد سلامه، وترد ابتسامته بأخرى!
لهذا نرى الوجوه الطيبة التي لا تفيد تخرج من حياتنا وتتساقط على الطريق، واحداً تلو الآخر، وتدخل بدلاً منها الوجوه «المفيدة» والـ«ثقيلة»، ولهذا تراه يمسك سيجارته بيد ويمسك هاتفه باليد الأخرى، وهو يقلب الأسماء ويمسحها واحداً تلو الآخر، وهو يكرر: ما ينفع، ما منه فايدة، إكسبايرد!
حينما كنتما متشابكي الأيدي، لا يعدو حلمكما السلام على «الطلياني»، بعد مباراة مثيرة، أو طرق باب تاجر الفريج والهرب من دون القبض عليكما، أو محاولة عدم الضحك صلاة كاملة وأنتما متجاوران، هل تذكر شعورك تجاهه، وبكاءك المستمر حين صدور القرار الأسري بمنعك من اللعب معه يومين كاملين؟ هذا الشعور وهذه العلاقة هما ما نفتقده، وهي الدرجة التالية في هبوطنا إلى الأسفل، إن استمر.
هناك مصطلح اختفى من قاموسنا أو كاد اسمه «الحب في الله»، مصطلح رائداه: معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وما أدراك ما عمر!
المصدر: الإمارات اليوم