كاتب لبناني
أزاحت أخبار تونس أخبار ليبيا. أزاحت أخبار مصر أخبار ليبيا. أزاحت أخبار سوريا أخبار مصر. الأخبار التي كانت تتصدر كل شيء فيما سبق، لم تعد تجد لنفسها مكانا حتى على الشريط المتحرك. أين لبنان الذي تجري على أرضه معركة الشرق والغرب؟ من يحسم أمره؛ كوبا أخرى أم هونغ كونغ أو مجرد حقل واسع لزراعة الحشيشة طبقة أولى؟ وماذا عن العراق؟ أين أخبار العراق وأم المعارك؟ صحيح. أم المعارك. آه، وبالمناسبة، أين فلسطين؟
في نصف القرن الماضي، شعرت مرتين بأن الكوكب سينزلق عن حافته بعد برهة. الأولى، في كوبا، حيث كان يمكن أن يؤدي أي احتكاك أميركي سوفياتي إلى رماد الأرض، وليس إلى نارها. الثانية في برلين الغربية، حين وضع جون كيندي ونيكيتا خروشوف قبضتيهما، كلّ على عنق الآخر. المواجهة الأولى كانت بسبب وصول السوفيات بالصواريخ النووية إلى قبالة فلوريدا. الثانية كانت بسبب حصار برلين الغربية وإذلال أميركا في قلب أوروبا، بعد 15 عاما من انتصارها في عموم القارة. جميع المواجهات الأخرى ظلت، كما يقول التعبير السياسي الجليدي، على الهامش؛ الحروب العربية – الإسرائيلية، حروب أفريقيا، حروب الهند الصينية في فيتنام واللاوس وكمبوديا، وحروب أميركا اللاتينية، والحرب بين الهند والصين، وما قد نسيت وليس مهما في أي حال. جميع الحروب الإقليمية انتهت أو هدأت أو لم تعد لها امتدادات، مثل نيكاراغوا وأفغانستان وأنغولا والكونغو. وبرلين توحدت كما كانت أيام الرايش. وزالت الحدود في أوروبا. وهانوي تستضيف مؤتمرات الترويج السياحي. وشيء آخر أرجو من جنابك أن تلاحظه؛ لم يعد الشرق الأوسط منطقة مواجهة محتملة لأسباب القرن الماضي. انس فلسطين، كما قال لطيف نصيف جاسم (وزير إعلام صدام) وهو يطلب من العالم أن ينسى الكويت، فقد شقت القطعة التي استعادها ياسر عرفات إلى نصفين، لكي تنساها. لاحظ المطابقة: نُصفيِّن!
نحن حقل حروب نموذجي لا مثيل له؛ أربعة آلاف أميركي لمليون عراقي. مائة ألف سوري وثلاثة إسرائيليين خلال مظاهرة الجولان. ومتعة المتع في التحليل السياسي: كان الجيش السوري الشقيق يعبر الحدود لكي ينقذ لبنان فصارت قوات حزب الله تعبر الحدود في الاتجاه المعاكس. كان النظام السوري يغرقنا من تحت إلى تحت، فصرنا نغرقه من فوق إلى فوق. كان يعتبرنا بلد طوائف لا مكان له بين الدول، فصارت سوريا الوحدة والعروبة ما بين انتصارات جبهة النصرة في ضواحي دمشق، وانتصار حزب الله في قلب حمص. وحمص اسم تاريخي مساحته أربعة أضعاف مساحة لبنان. وتعداده أيضا. إذن.. إلى أين تريد أن تصل؟ إلى ما بدأت به، أن كل مشكلات العالم قابلة للحل، إلا نحن. تذكر كيف مرت هذه الخمسون عاما على ألمانيا وعلى بولندا وعلى الهند وعلى مستنقعات سنغافورة، وانظر أين نحن. يتطلع العالم أجمع إلى تجربة دبي فيذهل، ويتطلع إليها مفكرو «الإخوان» فيقررون أن ينفذوها بأفكار خيرت الشاطر.
في الأزمة الاقتصادية عام 2008، كان الشامتون الوحيدون بدبي، العرب فقاعة وفقعت. أول الخارجين من آثار 2008 كانت دبي. مكانها على خريطة المقارنات إلى جانب لندن ونيويورك وبرلين. واحزر ماذا.. هي الأولى نسبيا. دائما كان العالم منقسما بين رؤيتين: محمد مرسي ومحمد بن راشد.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط