كاتب متخصص في الإدارة
إن مقولة الفيلسوف أرسطو «السعادة في العمل» هي فكرة وجيهة لأنها منطقية وقد أكدتها دراسة عالمية شهيرة. ذلك أنه يقصد أن الناس في نهاية مطاف أي عمل يؤدونه إنما يبتغون به الشعور بالسعادة. وهذا ما أكدته الدراسة الذائعة الصيت التي كثيرا ما يتطرق إليها في مناهج إدارة الأعمال وعلم النفس، حيث توصل فيها الباحث Mihaly Csikszentmihalyi إلى أنه «رغم أن السعادة أمر ينشده الناس في حد ذاته غير أن كل هدف آخر مثل الصحة والجمال والمال والسلطة هو في الأصل يتم تقييمه على أساس مقدار السعادة الذي يحققه لنا»[1].
ولذا فقد عكف الباحث على محاولة التوصل إلى لحظة الحالة النفسية التي يشعر بها المرء بالسعادة. فأجرى لقاءات مع نحو ألف شخص ليتوصل لاحقا إلى طبيعة تلك اللحظة الجميلة التي تشعرهم بالسعادة فأطلق عليها اسم «Flow»، أي لحظة تدفق أو انسيابية المشاعر السعيدة. وعندما سألهم عن أسباب سعادتهم وجد أن كل إجاباتهم كانت تقوم على خمسة قواسم مشتركة، وهي أن السعادة أو «flow» تحدث حينما ينغمس الفرد في عمل «محدد»، من «اختياره»، ويكون عملا يتطلب «تحديا» أو جهدا كبيرا أو عملا سهلا لا يتطلب جهدا يذكر، شريطة أن يكون العمل عموما واضح الهدف ويحقق صدى أو بالأحرى ردود أفعال فورية.
وأرى أن هذه النتائج موضوعية ومنطقية، فهناك بالفعل بعض الأعمال التي تتدفق بها لحظات الشعور بالسعادة كأن يرسم الفنان لوحة جميلة، أو يعزف الموسيقي مقطوعة بديعة، أو يكتب الشاعر أو الكاتب مقالا رائعا يولد ردود أفعال فورية. هنا تتولد لديه مشاعر السعادة، ولا نقصد بالضرورة الإطراء، بل نقصد أداءه وهو في ذروة تركيزه واستمتاعه. والأمر ينطبق على الطبيب الماهر أو الفنان المبدع على خشبة المسرح أو الصحافي الذي يتصدر خبره الحصري الصفحة الأولى، أو أي شخص يؤدي عملا وإن كان في ظاهره شاقا لكنه في الواقع سهل على صاحبه لأنه لم يعد يشعر بمرور الساعات والدقائق لانهماكه في عمل يحقق له شعورا بالرضا، لا سيما وهو يرى تفاعل من حوله.
وهذا الأمر ليس محصورا في بيئات الأعمال، بل ينطبق على حياة الإنسان عموما. وعليه فإنه السعادة مثل هبات النسيم العليل تهب علينا لتمدنا بشعور غامر بالسعادة. ولا بأس إن كانت السعادة مؤقتة حتى نشتاق إليها. والأهم من هذا وذاك أنه في مقدور كل منا أن يتمتع بلحظة السعادة هذه إن هو اختار عملا واضحا يحبه حتى يشعر بلحظات انسياب المشاعر الجياشة.
المصدر: الشرق الأوسط