مفكر إسلامي
حصريا لـ هات بوست :
يعتقد المسلمون من أتباع محمد (ص) أنهم الوحيدون الذي يسيرون على الطريق الصحيح، وأن لهم الجنة، ويعتقد أتباع المسيح مثل ذلك، واليهود أيضاً،وينطبق هذا على أتباع كل الملل والأديان، فكل يقتنع أنه يمتلك الحقيقة دون غيره، وتتفاوت القناعة بين معتقد وآخر، وفرد وآخر، بين أن أختلف معك وأتركك في شأنك وأنا واثق أنك على خطأ، أو أن أختلف معك وأدعو لقتلك إن سمحت الظروف، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين إسلام التنزيل الحكيم من هذا؟
فالإسلام الذي رسخ في أذهاننا، ولقنّاه لأبنائنا كما تلقيناه من آبائنا ومدارسنا وكتبنا هو ذو الأركان الخمسة، يسبقه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر خيره وشره، وعليه أصبح كل من لا يقيم الصلاة أو لا يصوم في رمضان “كافراً” خارج الإسلام، لا تجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين، حتى لو شهد أن “محمداً رسول الله”، وبانتظاره جهنم وبئس المصير، ومن باب أولى أن تكون بانتظار من لا يؤمن بمحمد أصلاً.
ولا يحتاج الإنسان إلا قليلاً من الجرأة ليسأل أين الرحمة للعالمين في ما سبق؟ إذ من غير المنطقي أن الله الذي وسعت رحمته كل شيء خلق الناس ليعذبهم وليجدوا ما عملوا من الصالحات هباءً منثورا، لكن إذا بحثت في التنزيل الحكيم لن يلبث هذا التساؤل أن يتبدد ويجد جواباً يخالف تماماً ما تعلمناه ووجدنا عليه آباءنا، حيث إسلام التنزيل هو الإيمان بالله الواحد واليوم الآخر، مع العمل الصالح، وابتدأ مع نوح واكتمل مع محمد، وتراكمت فيه القيم تدريجياً، حتى وصلت الإنسانية لما يؤهلها للعيش دون رسالات، وبالتالي التشريع لذاتها دون تدخل إلهي، إلا من خلال الخطوط العريضة التي تشكل المرجعية الأخلاقية لكل أهل الأرض، ومعيار التقييم عند الله لخلقه جميعهم هو التقوى، فكلما زاد التزام الأفراد بالأخلاق والعمل الصالح كلما رضي الله عنهم.
والإيمان بالله الواحد يعني الإيمان بأن لا ثابت ولا باق غيره، وكل ما عداه متغير متبدل فانٍ، وبالتالي لا أحادية إلا لله والتعددية والاختلاف هي فطرة الناس التي فطرهم الله عليها، وكي يكونوا أهلاً للاستخلاف على الأرض عليهم التعايش مع اختلافهم هذا، والسير قدماً لتسخير كل ما في الكون لحياة أفضل.
وبهذا المعنى فإن الإسلام يشمل كل الرسالات السماوية، وفي التنزيل الحكيم “الذين هادوا” هم المسلمون أتباع موسى، و”النصارى” هم المسلمون أتباع عيسى، ونحن “الذين آمنوا” المسلمون من أتباع محمد، أي المؤمنين به ونؤدي شعائرنا وفق ما وصلنا عنه، فإذا أتى أبو بكر اليوم إلى دمشق أو الرباط أو القاهرة عرف أن فيهم من يقيم الصلاة كما يقيمها هو، لسماعه الآذان مثلاً، لكن رؤيته لنساء مرتديات الحجاب يشعره أنه في مكان وزمان يقارب ما عاش فيه، فإذا ذهب لطوكيو وجد أناساً يحسنون لوالديهم ويرعون اليتامى، وقوانينهم تجرم القتل والخيانة الزوجية ونكاح المحارم والزنا والغش وشهادة الزور، ويعيشون في حريةوسلام ضمن مجتمع تعددي مثالي، ويعملون بإخلاص، ويخترعون ما يحسن شروط الحياة لهم ولغيرهم، شعربنعم الله عليهم وكأنهم مسلمون.
فإذا علمت أن الإسلام الذي لن يقبل الله من الإنسان ديناً غيره هو الإيمان بالله الواحد {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33) لن تجد نفسك متميزاً عن غيرك من الناس إلا بقدر عملك الصالح، سواء بادلوك هذه القناعة أم لا، ورضوا عنك أم لم يرضوا، والله تعالى يعلم ما في قلبك، فإسلامك بالهوية نتيجة الولادة لا يعنيه، ولن يعطيك درجة عنده، وما يعنيه هو إيمانك به بكل ما يحمله هذا الإيمان من معنى، بعيداً عن الشرك والآبائية، وواعياً لكلمة الله العليا في الحرية، وعلمت بالتالي جدارة الرسالة المحمدية بأن تكون رسالة الرحمة والعالمية والخاتمية.
وكونك تؤمن بما جاء في التنزيل الحكيم فستعلم أن الرسول محمد هو أسوتنا في أخلاقه وفي تعامله مع محيطه، وقبوله للآخر حتى لوبادئه العداء، وأن الفقه الموروث قد أساء له ولنبوته، بما حمله إياه من صفات ومواصفات، من عصمة تكوينية وشفاعة وعلم للغيب ومعجزات، وبما تقوله على لسانه من أقوال وأفعال لا أساس لها من الصحة، حرفت الإسلام وقزمته إلى دين محلي تاريخي، علينا أن نعيد النظر في أدبياته والتخلي عنها للحاق بدين الله كما أراده الله لنا ولغيرنا.