يوما بعد آخر تؤكد التطورات المتلاحقة في مجال العمل الإنساني الحاجة لوجود عمل مؤسسي ضخم تتكامل فيه الجهود وتحشد فيه الموارد من أجل الارتقاء بالعمل الإنساني والخيري والتنموي بما يتناسب وحجم التحديات التي نواجهها.
«لقد قطعنا عهدا من البداية بأن نقف إلى جانب المحتاجين والمرضى والمنكوبين أينما وجدوا، ونذرنا أنفسنا لخدمة البشرية دون أن نبتغي فيما نقدم للناس سوى مرضاة الله تعالى، مؤمنين بأن قيمنا الحقيقية إنما تعزز من خلال قدرتنا على تغيير حياة الناس للأفضل، دون تمييز بين عرق أو لون أو جنس أو دين أو طائفة، وبعيدا عن أي حسابات سياسية أو فئوية»، بهذه الكلمات، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استهل تقرير الأعمال لمبادرات محمد بن راشد العالمية إصداره الأول.
والتي تجمل المحطات الرئيسة الرؤية الاستراتيجية لتلك المبادرات الإنسانية وفلسفتها النابعة من تحويل العمل الإنساني من أعمال فردية متناثرة قائمة على جهود فردية لا تملك خريطة واضحة لتحديد الأولويات، إلى عمل مؤسسي، سواء القضايا الإنسانية الأشد احتياجا، وكذلك المناطق أكثر إلحاحا، حيث تنعدم الفاعلية الحقيقية لتلك الجهود الفردية عن مواجهة هذا السيل الكبير من المعضلات الإنسانية.
والتي لا يقوى على حملها أفراد مهما كثر عددهم وزاد عطاؤهم، فضلا عن ارتباط كثير من أعمال الخير الإنساني بأفراد على قدر أهميته على قدر المخاطرة بعدم استمراره لتقلبات الحياة وأقدار الناس، من هنا فإن النفع الحقيقي والتأثير الفاعل، كما أوضح سموه، هو أهمية العمل المؤسسي المتكامل للجهود الإنسانية، التي تسير وفق تخطيط مسبق.
وخطط واضحة، وتقييم وتقويم وقياس للنتائج، فضلا عن قدرات اتصالية فاعلة تستطيع عبر حركة سريعة ومنظمة مستفيدة من الظهير الأهلي والدعم الرسمي من أن تقف أمام كثير من التحديات التي لا تنتهي، وأن تحول دون وقوع الكثير من المآسي الإنسانية، التي باتت مشهدا مألوفا في الكثير من بقاع العالم، والبرهة من الزمن فيها قد تنقذ حياة إنسان.
وذلك هو العهد الذي أكده سموه من الوقوف إلى جانب المحتاجين والمنكوبين أينما وجدوا، بعيدا عن اللون والعرق والدين، «فكلكم لآدم»، وبعيدا عن الحسابات السياسية والمصالح الفئوية، ولا شك أن تلك الرؤية الشاملة هي التي تعطي للعمل الإنساني قيمته وبهاءه، باعتبار معاملة الإنسان روحا مكرمة خلقها الله سبحانه وتعالى، وتلك هي الحقيقة الجلية «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، صدق الله العظيم.
ولا شك أن الرؤية الشاملة لمبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، والتي تجسد رؤية سموه من الغاية الأهم في كل العطاءات الإنسانية، هي «تحسين حياة الناس»، وتلك هي المسألة، فلا قيمة لأعظم الخطط وأكبر المخصصات المالية وأعظم المشروعات الاقتصادية والتنموية إذا لم ينعكس ذلك على حياة الإنسان ذاته وتجويدها، إذا لم يشعر الفرد بأن حياته أكثر سهولة.
وأن هناك يدا تحنو عليه وتربت على كتفه، هنا يستشعر الإنسان قيمته وكيانه، وقد تجد لديه من الطاقات والدافعية والابتكار ما لم تتوقعه حال دونها ضغط الحاجة وغياب الأفق.
لذا ففي تقديري أن مبادرات محمد بن راشد العالمية في إطار عملها في مجال العمل الإنساني، هي تقوم في الوقت ذاته بتطوير الحياة الإنسانية والارتقاء بالتنمية على مستوى العالم، لأن الإنسان ذاته الذي هو الهدف من التنمية وهو صانعها في الوقت ذاته.
من هنا كانت الرؤية العبقرية لتلك المبادرات في الشمولية المتعلقة بتوفير الاحتياجات الأساسية، كالماء والغذاء والعلاج، إلى جانب الارتقاء بالجانب المعرفي والثقافي في المجتمعات، والعمل من أجل تعزيز التسامح ونشر التفاؤل والإيجابية، وتعزيز قيم التكافل والتعاضد الإنساني، واحتضان الشباب ودعم الابتكار، وتحفيز المبدعين والمبتكرين، واستشراف المستقبل.
إن القضية لا تعني في حقيقتها إبقاء الفرد على قيد الحياة ولكن أن تجعله يحيا حياة حقيقية، يكون له فيها دور فاعل قادر على المساهمة في صناعة حاضره والتخطيط لمستقبله، وأن لا ينظر إلى نفسه باعتباره عالة، لكنه أن يكون هو ذاته المنتج المبدع القادر، ذلك هو جوهر المبادرة وحقيقة استثماراتها، التي بلغت 1.5 مليار درهم في مشاريع تنموية تستهدف 42 مليون شخص في 62 بلدا.
والتي تركزت على خمسة محاور رئيسية هي المساعدات الإنسانية والإغاثية، والرعاية الصحية ومكافحة المرض، ونشر التعليم والمعرفة، وابتكار المستقبل، والريادة وتمكين المجتمعات.
إن من يتجول بين صفحات تقرير الأعمال عن العام الماضي يشعر بالسعادة قطعا، وبالفخر وبالغيرة المحمودة أحيانا، لكي ينضم إلى ركب الخير، ويساهم في هذا الفيض من العطاء الإنساني، لغرس الأمل، ورسم الابتسامة، وصناعة السعادة التي هي صناعة إماراتية خالصة.
المصدر: البيان