كاتب وصحفي سعودي
يبدو واضحاً أن ثمة ثلاثة أسباب رئيسة لانقلاب الحوثيين على الدستور والحوار في اليمن. يتصدرها ضعف أداء الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي، وتنسحب على ذلك التدخلات الإيرانية التي تريد لطهران أن تمسك بخاصرة أكبر وأقوى دول المنطقة الخليجية والعربية وهي السعودية. وتأتي في المقام الثاني هشاشة المبادرة الخليجية، وعدم قيام سفراء دول الخليج في صنعاء بمتابعة تنفيذها بدقة، على رغم أنها أزاحت كبرى العقبات – حتى ذلك الوقت – وهي تشبث الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالسلطة. والسبب الثالث ضعف إرادة المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة والجامعة العربية.. حتى التهم الحوثيون اليمن لقمة سائغة، لتصبح كل الخيارات الكارثية مفتوحة: انفصال، تفتت، حرب أهلية، معاقل أكثر قوة للإرهاب.
هل يمكن القول «مبروك» للحوثيين اعتلاء السلطة في اليمن بالقوة والغصب؟ تمكُّن الحوثيين جاء بسبب صمودهم وجلدهم وقوة شكيمتهم ودخولهم إلى أرض المعركة، وهم مصممون على تحقيق هدفهم والقضاء على خصومهم، مطبقين مقولة: «المحارب لا يعود أدراجه طالما قرر تحقيق هدفه مهما كانت شدة الظروف والخصوم والأعداء»!
تأسست الحركة الحوثية عام 1992، وحضرت بقوة في المشهد اليمني من صعدة عام 2004، أي قبل 10 سنوات فقط! وهي حركة سياسية دينية مسلحة، ترتكب الجرائم وترفع شعار «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود الذين يوجد بعضهم اليوم في اليمن». تسبب الصراع معهم حتى اليوم في مقتل وإعاقة نحو 30 ألف جندي يمني، ونحو 30 ألف مدني، وتهجير ونزوح نحو مليون مواطن. خصومها يتهمونها بأنها تتلقى دعماً خارجياً من إيران (تدريب، سلاح، مال)، فيما خصوم الداخل لم يتمكّنوا من ردعها وإيقافها عند حدّها، كما أن أعداء الخارج لم ينجحوا في شل حركتها وإضعاف قوتها أو إبطال أهدافها.
الحوثيون خاضوا ست حروب ضد الحكومة اليمنية منذ عام 2004، وهاجموا حدود المملكة عام 2009، وقتلوا عدداً من جنودها. وفي 8 تموز (يوليو) 2014 استولوا على «عمران»، واستباحوا اللواء العسكري «310»، وقتلوا قائده العميد حميد القشيبي، وكان رد الحكومة اليمنية الصمت أو «التفاوض الخجول»! ضعف وعدم إثبات هيبة الدولة، بسبب سياسة الرئيس هادي الذي ظل يطوي الصفحات السوداء، معتقداً أنه سيبني يمناً جديداً بلا حروب ولا جهل ولا تخلف، وهو «القابع» في القصر!
اليوم صنعاء تسيطر عليها عصابة الحوثي، والعالم صامت، عدا دوره بإصدار بيانات إدانة ورفض واستنكار! لكن من هو المتسببّ؟ بالطبع، ضعف الرئيس اليمني هادي يأتي أول، لأن سقوط صنعاء كان نتيجة طبيعية جداً لضعف سلطته، ولتسلسل الأحداث الداخلية، إضافة إلى تدخل إيران في الشأن اليمني، وإمداد الجماعة بالمال والسلاح، في وقت انشغل فيه العالم بالحرب على «داعش»، مع استمرار «الثعلب» علي عبدالله صالح في اللعب على كل الحبال، والرقص على رؤوس الأفاعي كما يردّد دائماً! ثانياً: هشاشة المبادرة الخليجية، وتدحرجها، ونقضها من كل الأطراف، وعدم حماسة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي غاب عن اليمن، وإن زارها عاد سريعاً، ليدلي بتصريحات يعلم البعض عدم دقتها، إضافة إلى «النوم في العسل» لسفراء دول الخليج.
ثالثاً: نفاق المبعوث الأممي جمال بنعمر، وقلة خبرته أمام «سكون» جامعة «نبيل العربي» التي لم تشارك في احتواء الموقف قبل تمكن الحوثي، وتوقيع اتفاق أملت فيه حركة «أنصار الله» الحوثية شروطها على الآخرين تحت تهديد السلاح، وذلك على غرار ما يفعل «حزب الله» في لبنان! وهو اتفاق «هش» لم يصمد أياماً، ما لبث أن نقضه الحوثيون أنفسهم بسرعة كعادتهم، ما جعل اليمن يتجه نحو «كارثة» تضاف إلى الكوارث الكثيرة التي لم تبرح أراضيه منذ عقود.
الأكيد أن الأيام المقبلة حبلى بالكثير من المفاجآت الحوثية إلاَّ في حال صمود الحراك الشعبي، وقدرته على مواجهة التغول الحوثي، وعدم الاعتماد على الجهود الدولية «الضعيفة جداً»، وبيانات الشجب والاستنكار.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jameel-Al-Doiabi/7311004