كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
طالما تمنيت أن أكون كاتب دراما لمسلسل سعودي أو خليجي طويل، وحيث إن رغبتي هذه لن تتحقق أبداً «في ما يبدو»، فسأكتفي بممارستها في هذه المساحة المخصصة لمقال أسبوعي، فأكتب مقدمة دراما مثيرة، محورها التجسس الذي بات متاحاً لكل إنسان أن يمارسه، بعدما كان حكراً على أجهزة الاستخبارات.
المشهد الأول لأبو راشد، رجل أعمال طموح، يدخل مكتب أبو صالح، هامور فخم مثل أبطال المسلسل الشهير، الذي ستتابعونه على شاشات «روتانا» بعد أسابيع قليلة «هوامير الصحراء» يتعمد أبو راشد أن ينسى على مكتب أبو صالح سبحة ثمينة، فعندما يذكره بها يحلف أبو راشد أنها هدية، ويحلف بالطلاق أنه لن يأخذها من يد أبو صالح، يقبل الأخير الهدية ويشكره عليها.
هنا تبدأ الأحداث، في السبحة جهاز التقاط دقيق يتحول إلى أذن لأبو راشد في مكتب أبو صالح وفي بيته، إنه الآن يعرف كل الأسرار التي يحتاجها، كي تساعده في منافسة خصمه، ولكنه أيضاً يعرف أسراراً أخرى أكثر مما ينبغي، بعضها خاص وعائلي، تعود بنا الكاميرا إلى الوراء، وكيف تحول أبو راشد من تاجر قنوع، ورب أسرة طيب إلى إنسان آخر، مليء بالعقد والشك، بات “يتأمر” ويتصرف بقسوة حيال الآخرين، بدأ ذلك خلال زيارة سياحية إلى لندن، يومها لفت انتباهه متجر اسمه دكان «الجاسوس» دخله من باب الفضول، عرضت عليه شابة حسناء بعضاً من بضائع المحل، أجهزة التقاط في ساعة مكتب، كاميرا في قلم، كاميرا وجهاز التقاط يبث بالصوت والصورة مخبأ باحتراف في برواز للصور. يشتري البرواز، فسعره معقول، حتى الآن يحركه دافع الفضول، عندما يعود لمنزله يضع في البرواز صورة لزوجته، ويعلقها بكل محبة في غرفة نومه.
الآن تتحول حياته إلى جحيم، يدمن التجسس، يشتري مزيداً من الأجهزة، بعض العبارات العابرة التي يسمعها تتحول إلى ألغاز يريد فهمها وتفسيرها، يستفيد مادياً من المعلومات التي بات يحصل عليها من تجسسه على زملائه، يثرى، ولكن حياته العائلية تنهار، خلافات حادة مع زوجته، فهو يسمع أشياء ما كان يفترض أن يسمعها، بعضها عادي جداً ولكنها تصله وعليها ظلال قاتمة، ولكنه أيضاً يعرف أسراراً خطرة لا يستطيع البوح بها، لا تفيده في التجارة، ولكنها جعلته يشك في كل شيء، أصبح الناس من حوله عراة من دون أسرار، بات يشك أن هناك من يتجسس عليه، فيتذكر أنه كان في نفس الشارع بلندن، وبجوار متجر «الجاسوس» متجر آخر اسمه متجر «مكافحة الجاسوس» يبدأ في شراء الأجهزة التي تكشف له فيما إذا كان هناك من يتجسس عليه مثلما يتجسس على الناس، لم يعد يثق في أحد، وبات لديه مال كثير، فيقرر أن هذه المتاجر كلام فاضي، وهي للهواة، يبدأ في البحث عن أجهزة التجسس للمحترفين، يسافر إلى دول أوروبا الشرقية السابقة، يشتري خبرات عميل سابق في «ستاسي» «جهاز استخبارات ألمانيا الشرقية» الذي كان يثير الرعب في كل أوروبا، ليجد نفسه وقد كسب المال وفقد الأحباب والأصدقاء والثقة بالنفس، بل وحتى احترامه لنفسه.
بالطبع لا بد من عبرة نخرج بها من المسلسل، إنها ببساطة «لا تجسسوا» بدأ من قراءة رسائل الآخرين في هواتفهم، وانتهاء بمتجر الجاسوس اللندني.
المصدر: مجلة روتانا