كاتب وإعلامي سعودي
كنت مسافراً إلى إحدى الدول الخليجية قبل شهر، وصادف أن المسافر الذي كان يجلس إلى جانبي بالطائرة هو أحد المسؤولين والمهندسين الأجانب، وهو في مركز قيادي كبير في إحدى الشركات المنفذة لمشروع مترو الرياض، وقد دار الحديث بيننا في غالبيته عن هذا المشروع الجبار والتحديات التي تواجهه، وتصميم الجانب السعودي على إنجازه في الفترة المحددة له، وأنا أدعو من كل قلبي أن ينفذ وفق ما هو مخطط له، وكلنا نتابع الزيارات والاجتماعات التي يقوم بها أمير منطقة الرياض الأمير تركي بن عبدالله لهذا المشروع العملاق، والذي سيغيِّر وجه عاصمتنا اقتصادياً واجتماعياً، بشكل لا يمكن تصوره عند اكتمال هذا المشروع الذي قد نكون تأخرنا في إقراره.
المهم أن ما لاحظته في حديثي ونقاشي مع هذا المهندس عن أعداد السعوديين والسعوديات الذين وُظِّفوا في هذا المشروع هو التلعثم والتردد منه، وهو ما يعطي انطباعاً أنهم قلة لا تذكر، وهذا يثير التساؤل والاستغراب، فنحن -والكل يعرف- نعاني من مستوى بطالة مرتفع يصل إلى 15 في المئة بحسب بعض الإحصاءات الرسمية.. فكيف لا يستوعب السعوديون في مثل هذه المشاريع الضخمة التي تصل كلفة مشروع النقل مترو الرياض وحده 22.5 بليون دولار.
من إجابات المهندس الأجنبي اتضح أن معظم من وُظفوا في هذا المشروع من المواطنين هم على وظائف حراس أمن ومشرفين ومعقبين. وهذا لا بأس به، ولكن أين السعوديون من المهندسين والفنيين في هذا المشروع؟ قد تكون هناك أعداد قليلة منهم يعملون في مترو الرياض، ولكن نحن في بلد يعود آلاف الخريجين سنوياً من مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إضافة إلى الخريجين من الجامعات والمعاهد الفنية من داخل المملكة. على الجهات الرسمية مثل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ووزارة العمل أن تكونا أكثر شفافية في أعداد المواطنين العاملين في هذا المشروع، وأن تحدد وزارة العمل نسبة معينة من الوظائف للسعوديين والسعوديات، وألا تكون هذه الوظائف هامشية وذات مردود مالي متدنٍّ. أما الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تؤكد أنها جزء في هذه المنظومة أن يكون لها دور رقابي على سعودة بعض الوظائف، وأن تنسق مع الجهات ذات العلاقة؛ لتحقيق ذلك، وأن تبتعد عن مفهوم الخصوصية السعودية في مشروع مترو الرياض. ولا نعرف ما ترمي إليه «نزاهة» في هذا الخصوص.. هل هو التأكد من وجود عربات للعائلات وأخرى للعزاب في قطاراتنا المستقبلية؟
نأمل أن نبتعد عن هذه الشكليات وأن تركز على الأهم، وهو إعطاء أبناء هذا الوطن الفرصة للعمل والمشاركة واكتساب الخبرة الفعلية، ولاسيما أن مشروع النقل العام في بداياته، فكلنا يعرف أن بقاء الوضع الاقتصادي على استقراره هو من المحال، ونحن نشهد ما يتعرض له اقتصادنا من تأثيرات سلبية؛ جراء انخفاض أسعار النفط والأزمات الاقتصادية العالمية وتأثيرها فينا، ومع مشاريع السكك الحديد التي يجري تنفيذها في المملكة ومشاريع النقل العام في بعض مدننا الرئيسة يعطي أهمية بالغة لهذا القطاع، كما في كل دول العالم. لذا علينا تشجيع وإلزام الشركات الأجنبية المنفذة لمشاريع النقل بأن تكون هناك نسبة سعودة حقيقية. قد لا أكون مبالغاً أنها قد تصل إلى آلاف الوظائف، أما الاعتماد على الأجانب فهذه معادلة غير طبيعية. نأمل الالتفات لها بجدية، إذ لا يكفي أن يكون عدد السعوديين في حدود مئة موظف ممن وُظِّفوا في «مترو الرياض»، أما بعض الجهات ذات العلاقة كالمؤسسة العامة للتدريب المهني فقد صرح المتحدث الرسمي لها منذ فترة بأنهم قد بدأوا في استحداث برامج لها علاقة بالصيانة والتشغيل في صناعة النقل وأنه سيتم سعودة 50 في المئة من مشروع مترو الرياض خلال خمس سنوات من بداية تشغيل المشروع، أي أننا سننتظر عشر سنوات؛ لتحقيق هذه النسبة إذا صدقت قراءاتهم، التي أشك فيها من مخرجات هذه المؤسسة المتهالكة.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/