اتفقت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبريطانيا، على إطلاق شراكة استراتيجية قوية ودائمة وشاملة لحماية المصالح المشتركة، بما في ذلك ردع أي عدوان خارجي والرد عليه، وتعزيز العلاقات في جميع المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والتجارية والثقافية والاجتماعية، ووضع حلول جماعية للقضايا الأكثر إلحاحاً، وهي سوريا والعراق واليمن وليبيا، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، والعمل على هزيمة المتطرفين الذين يمارسون العنف، بما في ذلك تنظيم «داعش».
وترأس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وفد الدولة في القمة المشتركة التي ترأسها عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وضمت قادة دول مجلس التعاون ورئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي على هامش القمة الخليجية الـ37 في المنامة.
وأعرب بيان مشترك عن معارضة دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة، أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتأكيدهما العمل معاً للتصدي لهذه الأنشطة، وشدد على ضرورة أن تتعاون طهران في المنطقة وفقاً لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة ووحدة الأراضي، بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة أن تتخذ خطوات فعلية وعملية لبناء الثقة، وحل النزاعات مع جيرانها بالطرق السلمية.
وأكد البيان اتفاق الجانبين على أنه ليس هناك حلول عسكرية للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، وأنه لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وشدد على الالتزام بالعمل للتوصل إلى حل سياسي مستدام في سوريا، ينهي الحرب ويؤسس لحكومة تشمل جميع أطياف الشعب، مع التشديد على أن بشار الأسد قد فقد شرعيته وليس له دور في مستقبل سوريا، والاتفاق على تشجيع المعارضة المعتدلة على العمل الجاد لإبراز رؤيتها للشعب السوري والمجتمع الدولي، وضمان التزامها حلاً سياسياً عبر المفاوضات.
وأيد الجانبان بذل المزيد من الجهود لتقويض تنظيم «داعش» والقضاء عليه، مع التحذير من تأثير الجماعات المتطرفة الأخرى، كـ«النصرة» و«حزب الله» والمنظمات الطائفية الأخرى، والجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة». كما أكدا الالتزام بمساعدة الحكومة العراقية والتحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم «داعش»، وتشجيع الحكومة العراقية على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، من خلال النظر بصورة عاجلة في المطالب المشروعة لمكونات المجتمع كافة، وذلك بتنفيذ الإصلاحات التي سبق الاتفاق عليها، والتأكد من أن الجماعات المسلحة كافة تعمل تحت سيطرة صارمة من قبل الدولة العراقية.
وأكد الجانبان الحاجة إلى حل الصراع في اليمن بالسبل السلمية من خلال الحوار السياسي والمشاورات برعاية الأمم المتحدة، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216. وتعهدا الدعم المستمر للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد ولخارطة الطريق التي قدمها، والتي تحدد بشكل واضح الطريق نحو اتفاق شامل. وحث البيان الأطراف اليمنية على الانخراط مع الأمم المتحدة بحسن نية، والالتزام بمقترح الأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية، وأكد رفض الإجراءات أحادية الجانب من قبل الأطراف في صنعاء بتشكيل مجلس سياسي وحكومة، والتي من شأنها تقويض الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة، والسعي لمنع إمداد المليشيات الحوثية وحلفائها بالأسلحة.
وقرر الجانبان التحرك معاً لإقناع الأطراف الليبية كافة بقبول اتفاق يشمل مكونات المجتمع كافة لتقاسم السلطة وفق مقترحات الأمم المتحدة وقراراي مجلس الأمن 2259 و2278 واتفاق الصخيرات، والتركيز على مكافحة الوجود المتنامي للإرهاب. وشددا على ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس اتفاق سلام عادل ودائم وشامل يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتماسكة جغرافياً، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بأمن وسلام، على أساس مبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة.
ورحب البيان بانتخاب رئيس جديد للبنان، ودعا جميع الأطراف لتعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية، مؤكداً ضرورة محاربة جميع الجماعات الإرهابية التي تمارس أعمالها على الأراضي اللبنانية، وتشكل تهديداً على أمن واستقرار لبنان. كما أكد دعم التعاون بين صندوق النقد الدولي ومصر. وعبر عن العزم في تسريع وتيرة الجهود ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وتعهد الجانبان بالبناء على التزامهما المشترك لمعالجة التهديدات الخطيرة التي يشكلها تنظيمي «القاعدة» و«داعش» والمنظمات المنبثقة عنهما. وقررا تشكيل مجموعة عمل معنية بمكافحة الإرهاب وأمن الحدود. كما أكدا عزمهما تعزيز الجهود المشتركة الرامية إلى تحديد وتبادل المعلومات بشأن المقاتلين الأجانب المشتبه بهم.
وأكد البيان التزام الجانبين بدعم تطبيق خطة عمل الأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف، والتعاون في دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية في وضع خطط وطنية وإقليمية لمنع التطرف العنيف، من خلال تعزيز الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وأذرعه العملية «مركز هداية في أبوظبي» و«الصندوق العالمي للانخراط المجتمعي والمرونة»، والمراكز الأخرى ذات الصلة مثل «مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية». وأكد التزام الجانبين بتعزيز الجهود التي بدأت بها الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة في تأسيس فريق عمل معني بخطط العمل الوطنية لمنع ومكافحة التطرف.
وأكد البيان اتفاق قادة دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة على تعزيز الجهود المشتركة لتطوير التعاون في مجال الدفاع، والأمن البحري والأمن السيبراني. كما اتفقا على السعي نحو توفير فرص التدريب والتمارين المشتركة التي من شأنها تطوير القدرات الدفاعية لمجلس التعاون. واتفق الجانبان على العمل نحو زيادة التعاون العسكري لمعالجة التهديدات الحالية، وتحصين الدفاعات في المنطقة، من خلال التمارين المشتركة، بما في ذلك الأمن البحري وأمن الحدود، والذي يشمل وجود المملكة المتحدة في جميع أنحاء الخليج، بما في ذلك التنسيق على مستوى مجلس التعاون من خلال هيئة دفاع بريطانية إقليمية يكون مقرها في دبي.
واتفق الجانبان على عقد المؤتمر الخليجي البريطاني حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال الربع الأول من عام 2017 في لندن، والذي يركز على خطط التحول الوطني والتنوع الاقتصادي في مجلس التعاون. كما اتفقا على الاجتماع بشكل سنوي وبتمثيل عالي المستوى على نسق هذا الاجتماع، للمضي قدماً والبناء على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
وكان عاهل البحرين أكد خلال القمة أهمية العلاقات التي تجمع المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون لأكثر من 200 عام. وأعرب عن ثقته التامة في أن مسيرة العمل المشتركة بين الجانبين، ستشهد نقلة نوعية بالنظر إلى طبيعة العلاقات الوثيقة. فيما أكدت ماي دعم بلادها والتزامها بأمن واستقرار دول مجلس التعاون، وعزمها على جعل لندن عاصمة للاستثمار الإسلامي، ونوهت برغبة المملكة المتحدة في استثمار نحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني في مختلف قطاعات التنمية بدول مجلس التعاون.
وأشارت ماي إلى مشاركة المملكة المتحدة على مستوى القطاعين العام والخاص في إكسبو دبي 2020. وأوضحت أن هذا الحدث يلقي كل الدعم من بلادها، مؤكدة المشاركة الفاعلة لبلادها نظراً لأهمية المعرض التي تستضيفه الإمارات التي تربطها بالمملكة المتحدة علاقات تاريخية في مجال التبادل التجاري والاستثمار المشترك والسياحة، ما يشجع الشركات البريطانية على المشاركة في «إكسبو» والعمل على إنجاحه. وأشارت إلى أن هذا المعرض الدولي المهم يتوقع أن يزوره أكثر من 25 مليون زائر من مختلف دول العالم، إضافة إلى الزوار من داخل الدولة الذين يمثلون أكثر من 180 جنسية يعيشون على أرض الإمارات في أمن وسلام.
وأكدت أن بريطانيا ستساند الدول الخليجية في التصدي لعدوانية إيران، وقالت «علينا أن نواصل مواجهة الأطراف التي تزيد أفعالها من عدم الاستقرار في المنطقة». وأضافت «إن أهم التحديات في الوقت الحالي هو تنامي التطرف والراديكالية ليس في المنطقة فقط بل في غيرها، وإن المتطرفين الذين يتآمرون لتدبير هجمات في المنطقة لا يستهدفون الخليج فقط، بل يستهدفون أوروبا أيضاً». وشددت على ضرورة مواجهة الدول التي تغذي الإرهاب في المنطقة لاستئصال جذوره، مشيرة إلى التهديد الذي تمثله إيران على المنطقة، وداعية إلى وضع حد لتدخلاتها في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا، وكذلك في الشأن الداخلي لدول الخليج. كما أكدت حرص بلادها على إيجاد الحلول للقضية الفلسطينية وصولاً إلى إقامة دولة مستقلة.
وأشاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بعمق ومتانة العلاقات الخليجية البريطانية، والبعد الاستراتيجي لتلك العلاقات. كما أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف بن راشد الزياني، أن العلاقات التاريخية الوطيدة الراسخة بين دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة، مثال نموذجي للصداقة الوثيقة والعمل الجاد لتحقيق المصالح المشتركة، وحماية أمن المنطقة واستقرارها، ففي إطار التعاون الاقتصادي المشترك، ارتفع حجم التبادل التجاري من حوالي 9 مليارات دولار في عام 2001 إلى حوالي 30 مليار دولار في عام 2015. وأكد أن التعاون السياسي والأمني بين الجانبين قائم وفاعل، بما في ذلك التعاون القائم لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وكذلك التنسيق المستمر بين الجانبين، من أجل دعم الشرعية وإعادة السلام والاستقرار إلى اليمن.
المصدر: الإتحاد