كاتب قطري
ناقش مسؤولون خليجيون معنيون بحقوق الإنسان -في الرياض الأسبوع الماضي- آلياتِ التعامل مع المنظمات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بعد أن عهد بمشروع «حقوق الإنسان» إلى لجنة الخبراء المختصين، تمهيداً لرفعه إلى المجلس الوزاري.
وكان المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الثلاثين بدولة الكويت عام 2009 قد قرر تكليف المجلس الوزاري بدراسة ما ورد في رؤية مملكة البحرين لتطوير مجلس التعاون. ومنها إنشاء مكتب ضمن هيكل الأمانة العامة يختص بالعمل على إبراز ما حققته وتحققه دول المجلس من إنجازات في مجال حقوق الإنسان!
وبناء على قرار المجلس الوزاري الذي عقد اجتماعه بالمنامة عام 2010 أصدر الأمين العام للمجلس الدكتور عبداللطيف الزياني قراره بارتباط «مكتب حقوق الإنسان لمجلس التعاون» إدارياً بالأمين العام المساعد للشؤون القانونية، ويختص بكافة المسائل ذات الصلة بحقوق الإنسان وفقاً لقرار المجلس الوزاري.
ويهدف المكتب إلى «إبراز منجزات دول مجلس التعاون في مجال حقوق الإنسان أمام المحافل الإقليمية والدولية، الحكومية منها والأهلية، وفي كافة وسائل الإعلام، والسعي لإيجاد آلية عمل موحدة للتنسيق مع الجهات المعنية بحقوق الإنسان في دول المجلس». وللمكتب اختصاصات تم تحديدها في 18 نقطة. ويعمل المكتب بآلية ذات شقين:
الأول- الشق الإعلامي: ويُعنى بإبراز الإنجازات في مجال حقوق الإنسان بدول المجلس.
الثاني- الشق التنسيقي: ويشمل التنسيق مع الجهات المختصة بحقوق الإنسان في دول المجلس، بما يحقق الأهداف التي من أجلها أنشئ هذا المكتب.
إن الحديث عن حقوق الإنسان ذو شجون و «حساس» ومُعقد. وأعتقد أن مجلس التعاون قد تأخر كثيراً في طرح هذا الموضوع، نظراً لحساسيته، وانشغال المجلس بهموم وأحداث سياسية حالت دون التفاته لهذا الموضوع إلا مؤخراً.
ونظراً لاختلاف القوانين العامة في دول مجلس التعاون، فإن التوافق على آلية موحدة تجعل العمل صعباً، إن لم يكن مستحيلاً!؟ ذلك أن العالم المتطور قد درج على أن يكون موضوع حقوق الإنسان بيد المؤسسات الأهلية (المنظمات غير الحكومية) Non-governmental Organizations بهدف إضفاء المزيد من الشفافية والدقة في التعامل مع القضايا الخاصة بحقوق الإنسان! وكان الصدام محتدماً -على مر العصور- بين الدولة وتلك المؤسسات التي لها رأي يخالف آراء الدولة أو السلطة من النواحي التشريعية والتنفيذية. كما أنه من غير المنطقي أن تضع الدولة أو النظام قوانينَ ثم تسمح بوجود مؤسسات تعارض تلك القوانين بأسانيد دولية، وتدعو إلى إلغائها أو تعديلها. وهذا ما حدا ببعض دول المنطقة لإنشاء منظمات حكومية لحقوق الإنسان، وهو ما تم إطلاق تسمية «الجونجوز» Governmental Non-governmental Organizations عليه، وهي تنفذ آليات واتجاهات رسمية قد لا تقترب من المفهوم الدولي لحقوق الإنسان، بل إن مثل هذه المنظمات قد يعنى بـ«قشور» حقوق الإنسان، مثل: حالات العسف ضد العمال، أو سوء معاملة الخدم أو تأخير صرف الرواتب وغيرها! وقد واجهت هذه المنظمات صعوبة اقتراح تبديل بعض القوانين المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان. وكنا قد كتبنا حول هذا الموضوع سابقاً، بأنَّ على «مكتب حقوق الإنسان لمجلس التعاون» أن يتعاون مع المؤسسات غير الرسمية والشخصيات الحقوقية المستقلة كي يتمكن من تحقيق أهدافه! وأن يكون مستقلاً عن ضغوط الدول التي تحتفظ بحقها السيادي في تطبيق قوانينها المحلية، حتى وإن تعارض بعضها مع الهدف الذي أنشئ من أجله المكتب، كما صدر عن جهات حقوق الإنسان في بعض دول المجلس.
ويجب ألا يغيب عن البال أن ثورة الاتصالات وحرية تداول المعلومات قد وسعت من إمكانية حصول المنظمات الدولية المستقلة المعنية بحقوق الإنسان على المعلومات الكافية لاتخاذ أي موقف أو كشف أي غموض خلال عملية بحث حالات التجاوز على حقوق الإنسان في أي مكان! وخصوصاً عند مناقشة التقارير الدولية الشاملة (Universal Periodical Reports) في جنيف كل عام! بل إن مندوبي بعض الدول الأوروبية التي تتمتع بشفافية كاملة في هذا الموضوع يأتون متحصنين بمعلومات وافية عن حالة حقوق الإنسان في أي بلد من العالم ويدحضون أية ادعاءات غير واقعية.
ولكي ينجح المكتب المذكور في تحقيق أهدافه ينبغي أن يقيم جسوراً بينه وبين المنظمات الدولية ذات الشفافية، ويقدم للمجلس الوزاري حقائق عما تحتفظ به تلك المنظمات من معلومات دون الاعتماد على الرسائل الرسمية التي ترد من الدول! ومن دون ذلك سيكون المكتب المذكور إدارة من إدارات الأمانة العامة يتراسل بحذر، ولا يغوص في المسائل الأساسية التي من المفترض أن يتعرض لها. كما ينبغي أن يضم المكتب موظفين متخصصين في مسائل حقوق الإنسان، ملمّين باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويحضر موظفوه مناقشات التقارير السنوية في جنيف.
كما أن هدف المجلس وهو إبراز منجزات دول مجلس التعاون في مجال حقوق الإنسان أمام المحافل الإقليمية والدولية، لن يتم التوصل إليه، لأن الحقائق -على الأرض- قد لا تسمح بوجود «منجزات»، وهذا ما عبرت عنه حتى المنظمات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان في بعض دول المجلس.
إننا نعتقد أن هذا موضوع مهم، ونقدر لمجلس التعاون ملامسته، ولكن يجب أن يتداول أمر هذا المكتب على الأقل خمسة أو ستة من المختصين في الشأن الحقوقي كما قلنا، وأن تتحقق في عمله الشفافية مع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن يبدأ المكتب عمله بما يتوفر لدى المنظمات الدولية ذات العلاقة من معلومات عن حالات حقوق الإنسان في مجلس التعاون! وأعتقد أن ذلك هو البداية الصحيحة -كي تكلل مساعي المكتب بالنجاح- ويكون مسؤولو التعاون على علم بذلك. كما نود الاقتراح بأن يكون المكتب على اتصال مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومعهد جنيف لحقوق الإنسان المعني بالتدريب، وهذا الأخير يساهم في صقل المواهب للعاملين في مكتب الأمانة العامة والعاملين في هيئات حقوق الإنسان في دول المجلس.
المصدر: صحيفة الاتحاد