كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
في مقالة سابقة لي استنكرت «رفض أعضاء الشورى تمرير توصية تمنع زواج البنات أو بالأصح الطفلات دون الـ15»، لأنهن كما قلنا ان تزويجهن في مثل هذه السن جريمة ضدهن من الممكن أن تدمر حياتهن من جميع الأوجه.
مجلس الشورى قبل أيام، وبعد أن بحت أصوات مواطنات ومواطنين وطبعاً من ضمنهم عضوات وأعضاء بالشورى، أقرّ تمرير هذه التوصية وكأنما أتونا «برأس غليص»، و«رأس غليص» لمن لا يعرف هو مسلسل أردني بدوي يتحدث عن شخصية شريرة لرجل اسمه غليص وكيف أن المطالبة برأسه طموح كبير لأعدائه مع إيمانهم بصعوبة تحقيق الأمر، وها هو «المجلس» تصور أنه بالموافقة أتى بـ«رأس غليص».
صحيح أن المجلس في الفقرة نفسها اشترط لزواج من دون الـ18 موافقة المحكمة المختصة، إلا أن المحكمة المختصة لن تستطيع أن تقيم الفتى أو الفتاة بين يوم وليلة، إضافة إلى أنه هدر لوقت لا نحتاج إلى إضاعته، بينما كان تحديد السن بـ18 دون قيد أو شرط حاسم لكل هذا.
يا سيداتي وسادتي من أعضاء الشورى وسؤالي لمعارضي التمريرة التي ليست هي المطمح: هل يا تري ستزوجين أو تزوج ابنتك إذا كان عمرها لا يتجاوز الـ15؟ لاحظوا أننا نتحدث عن التاريخ الهجري يعني أن أنها فعلياً أقل من 15 عاماً.
سبق لنا أن تحدثنا من قبل عن أن موافقة الفتاة شرط من شروط الإسلام لإتمام الزواج، لكن أود سؤالكم مرة أخرى: ما هي المبررات المقنعة بأن بنت أو ابن الـ15 تستطيع أو يستطيع استيعاب قضية منزل زوجي وإنجاب وإدارة حياة مستقلة؟ أرجو أن نضع حداً عمرياً للزواج كما أن هناك سن قانوني لقيادة السيارات والسفر للخارج، إذ إن الزواج كمؤسسة حياة لا يقل أهمية عن موضوع قيادة أو سفر، لماذا يتبدد ذلك عندما يتعلق الأمر بالزواج؟
عضو الشورى الدكتورة منى آل مشيط سبق لها أن تساءلت في ندوة أقيمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في حديث بعد السماح للمرأة بقيادة السيارة عن التناقض الذي يتيح للمرأة أن تتزوج وتنجب في سن الـ16 بينما لا يتقبل المجتمع لها أن تقود السيارة وهي في الـ18؟
على المستوى الشخصي لم نسمح لابننا، زوجتي وأنا، بأن يستقل سيارة أجرة إذا أراد إلا بعد أن بلغ الـ18 لأننا نخشى عليه فهو لا يزال طفلاً، فكيف يراد لمن هو في عمره أو أقل بأن يتزوج أو تتزوج؟
ليس من المنطق أن ننتظر في كل مرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يتدخلا مرة تلو المرة كلما عرقل «الشورى» أموراً حيويةً كهذه، لأن الإحاطة بكل شيء في دولة كبيرة كالسعودية تتطلب أجهزة كبيرة لذلك.
لا أتهم الأعضاء بتعمد ذلك، لكنني أخشى أن السبب هو كونهم لا يرغبون البتة في الاصطدام بتيار المحافظين المتشد، وهذه كارثة بحد ذاتها.
لكي تتواكب ورؤية 2030 يجب أن تتحرك ملفات الشورى المعلقة، فموضوع كزواج القصّر لم يحسم حتى الآن، مع أنه طرح منذ سنوات، فإلى متى ستنتظر المرأة يا ترى؟
المصدر: الحياة