أكد المشاركون في أولى جلسات المجلس الرمضاني لنادي دبي للصحافة الذي عقد تحت عنوان “هل تغير زيارة ترامب مستقبل المنطقة؟” على أن المنطقة العربية وتحديداً منطقة الخليج العربي أمام بداية مرحلة جديدة مؤشراتها كثيرة لا ترتبط فقط بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو تغير السياسة الأميركية اتجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وأنه حان الوقت للانتقال إلى مرحلة إقليمية جديدة. كما أكد المشاركون على ضرورة توحيد الصف الخليجي في مواجهة تدخلات وأطماع إيران التوسعية عبر نشر الفوضى عن طريق وكلائها في المنطقة.
واستضاف المجلس الذي عقد أمس في مقر نادي دبي للصحافة في برج المؤتمرات، الكاتب والإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد، والدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، وأدارتها منى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول في صحيفة البيان الإماراتية. بحضور منى غانم المري، رئيسة نادي دبي للصحافة وعلياء الذيب، مديرة نادي دبي للصحافة وجمع من رؤساء تحرير الصحف والكُتَّاب وممثلي وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، والأكاديميين.
العلاقات الأميركية الخليجية
وفي بداية الجلسة أشار الكاتب والإعلامي عبد الرحمن الراشد، إلى قصة حدثت في الأول من يناير عام2017 تلخص بوضوح سبب تغير السياسة الأميركية اتجاه دول الخليج العربي لافتاً إلى أن هذه القصة تيسر فهم المواقف الأميريكية اتجاه العديد من القضايا الأخرى في المنطقة العربية. وقال: “في الأول من يناير عام 2017 هرب عدد من المطلوبين في قضايا إرهابية في البحرين من سجن “جو الإصلاحي” وتزامن هذا الحدث مع وجود الإدارتين الأمريكيتين القديمة المتمثلة بأوباما، والجديدة المتمثلة بترامب، الأولى لم تقدم أي معلومات استخباراتية إلى السلطات البحرينية حول وقوع عمل مسلح لتهريب عدد من المحكومين في قضايا إرهابية من السجن رغم علمها المسبق بذلك، وأيضاً لم تبدي أي رد فعل سياسي بعد وقوع الحادث، بينما الإدارة الثانية وفور تسملها زمام السلطة قدمت معلومات استخباراتية حول الفارين والجهة التي تقف وراء العمل المسلح وأيضاً شاركت القوات البحرينية بشكل غير معلن في عملية اعتقالهم وسط البحر في قارب متجه إلى إيران.
وأضاف، التقارب الأميركي الخليجي ليس بجديد وهو قائم على المصالح المشتركة بين الطرفين منذ القدم، ونحن لا ننظر إلى هذه الزيارة سوى على أنها تصحيح للأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، الرئيس ترامب اليوم وعلى عكس الإدارة السابقة ساوى بين حزب الله والقاعدة، وباشر التعاون العسكري مع التحالف في اليمن في مواجهة الحوثيين الانقلابين، وأعاد التعاون العسكري الأميركي السعودي، وقام بتفعيل دور القوات العسكرية الأميركية في سوريا، وبدلت سياستها اتجاه المعارضين البحرينيين، والفوضى التي تنشرها إيران في دول الجوار والمنطقة، مؤكداً بأن التغيرات الحاصلة اليوم مهمة جداً وستؤثر بشكل واضح على مستقبل المنطقة في الفترة المقبلة.
وأردف أن إدارة الرئيس ترامب فيها عدد من الجنرالات الذين خدموا في العراق وسوريا ودول المنطقة وهم على اطلاع وثيق بكيفية حفظ التوازن في المنطقة، على عكس سياسة أوباما التي قامت على استراتيجية عدم التورط في المنطقة العربية، حيث كان مؤمناً بأنها لم تعد مهمة بالنسبة للأميركيين على حساب الصين وآسيا وإيران، ولأول في مرة في التاريخ وجدت جيوب إيرانية في المنطقة العربية وهذا لم يحدث إلا في عهد أوباما. ولأول مرة في التاريخ يحدث هذا التقارب الإيراني الأميركي والذي نتج عنه “الاتفاق النووي” الذي تحول فيما بعد لجزء من المشكلة بدلاً أن يكون جزء من الحل، وهذا أيضاً لم يحدث إلا في عهد أوباما.
وحول حقيقة أن أميركا تستغل دول الخليج مادياً، قال الراشد إن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى أميركا لدعم مصالحها وحفظ التوازن في المنطقة، وهذا ليس استثناء للعرب فقط، فحتى أوربا تعيش تحت الحماية الأميركية منذ 50 سنة وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية، مؤكداً بأن العالم أجمع يتغير اليوم اتجاه أميركا، والجميع يدرك بأن لديها مصالح عليا وهي لا تقدم خدماتها لآحد بالمجان، لافتاً إلى أن المملكة العربية السعودية تهتم بالجانب العلمي وقوة أميركا التكنولوجية، وكوننا سعداء بانتقال الإدارة الأميركية إلى دعم معسكر الدول العربية والمسلمة المعتدلة، لا يعني اعتمادنا الأعمى على هذا الحليف ويجب ألا ننسى أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي لثلاثين عاماً تواجه إيران وحدها.
وبدورها أشارت الدكتورة ابتسام الكتبي، إلى أن قمم الرياض الثلاثة أنتجت معادلة جديدة في المنطقة وهذا التقارب يشكل انعطاف استراتيجي للسياسة الأميركية في منطقة تمر بتحولات عالمية كبرى ليس فقط على المستوى السياسي وإنما أيضاً على مستوى الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي وتحولات ملف الإرهاب وغيرها من الملفات المصيرية. وزيارة ترامب قلبت موازين العلاقات السعودية الأميركية ليس فقط بالنظر إلى ممارسات إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما الذي توجه إلى التقارب مع جماعة “الإخوان المسلمين” وروجت لها كنموذج للاعتدال الإسلامي، وانما منذ هجمات 11 سبتمر.
وحول طبيعة العلاقة المشتركة بين دول الخليج وأمريكا قالت الكتبي، إن أميركا تدرك جيداً بأن دول الخليج هي رأس الحربة في مواجهة الإرهاب في المنطقة، مؤكدة بأنه لا توجد ثوابت في السياسة الأميركية وإنه من المبكر الاعتماد على التقارب الأميركي بأنه سيغير المنطقة جذرياً أو يوجد حل حقيقي لملفاته المعقدة، مشيرة بأن دول الخليج العربي تعلمت عدم وضع بيضها في سلة واحدة كما كانت تفعل في السابق، لذلك هي لا تعتمد على التقارب الأمريكي المحكوم بلعبة المصالح ومتغيرات المستقبل، ونوعت شراكاتها وتوجهت إلى الصين والهند وروسيا وأنشأت معها تحالفات قوية.
إيران
وحول المتوقع من إيران بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، أشارت الدكتورة ابتسام الكتبي إلى أن الموقف الأميركي من إيران جاء بعد الإعلان عن فوز روحاني في الانتخابات، وهذا يعني بأن أميركا لم تعد تنطلي عليها تمثيلية التيار الإيراني المعتدل أو التيار الإصلاحي، لأن الواقع أثبت بأنه لا يوجد تيار معتدل في إيران. وقالت إن إيران اليوم تعيش حراكاً داخلياً وصراعاً سياسياً لتغير سياساتها في المنطقة، وقد بدأنا نسمع العديد من الأصوات الإيرانية المطالبة بإنشاء “مجموعات تفاهم” مع دول الخليج العربي لمناقشة القضايا الغير معلنة بين الطرفين.
بدوره قال الراشد بأن الوضع المضطرب والمستمر في المنطقة العربية تسببت به إيران وفكرها المؤمن بتصدير الثورة إلى دول الجوار، وبهذه الغاية أنشأت حزب الله الإرهابي في لبنان، ودعمت حماس، وكذلك استخدمت سوريا في الصراع السياسي وحديثاً اليمن أيضاً، وهي اليوم أمام خيارين، إما تتغير بالضغوط الدولية عبر التهميش والضغوطات الاقتصادية الخانقة، وإما تنجح من تلقاء نفسها في إعادة التفكير وتغيير سياساتها مثلما فعلت الكثير من الدول في العالم. مؤكداً بان أكبر ضرر يمكن الحاقه بالنظام الإيراني هي العقوبات الاقتصادية وليس العمل العسكري، وإذا ما طبقت مثل هذه العقوبات بشكل دقيق فمن شأنها أن تدفع إيران لسحب ميلشياتها من دول المنطقة والتصالح مع دول الجوار الخليجي، وستبين الفترة المقبلة إن كانت الحكومة الإيرانية الجديدة ستقدم خطوات إيجابية ملموسة اتجاه دول الجوار وملفات المنطقة وليس مجرد شعارات مضللة، كما كان الحال عليه في الماضي.
وأضاف أن إيران في ورطة حقيقية بسبب التحركات السريعة ضدها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وهي شريك في قتل نحو نصف مليون سوري، وشريك في اغتيالات لبنان، ومسؤول عن ما يحدث من تهميش للسلطة المركزية في العراق بدعم مليشيات منافسة لها، كما أنها تقف وراء دعم وتدريب وتسليح الجماعة الحوثية التي نفذت الانقلاب على الحكومة اليمنية، كل ذلك ضمن مشروع طهران في محاصرة السعودية ودول الخليج والهيمنة على المنطقة. مؤكداً أن السنوات الستة الماضية أثبتت أن عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالح العالم أجمع ويعزز الفوضى في المنطقة. ولفت الراشد، أن الخيار العسكري خلال السنوات المقبلة وارد جداً، وهناك حركة تسليح كبرى في المنطقة ومن الواضح أنها في تزايد، ولكن لا يوجد رؤية حاسمة لمستقبل المنطقة.
الموقف القطري
وحول الموقف القطري، قالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات: إن قطر تسببت لنفسها بمشاكل ليس من السهل الانفكاك منها بعد اليوم، وإحدى هذه المشاكل هو دعمها لجماعة “الإخوان المسلمين” التي نجحت في الانغماس داخل النظام السياسي والإعلامي القطري بشكل لم يعد بإمكانها السيطرة عليه. مؤكدة بأن قطر تلعب بأوراق متناقضة ستنقلب عليها آجلاً أم عاجلاً فهي تدعم سياسياً القاعدة، والاخوان، وتدعم لمصالح شخصية الجماعات الفلسطينية المسلحة، ودعمت طويلاً حزب الله الإرهابي، وتحتضن المعارضين أصحاب الاجندات المتطرفة.
من جانبه أشار، الكاتب الراشد، أن خلاف المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة وقطر من جهة ثانية لا يختصر بواقعة التصريحات الأخيرة التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية أو بالرسم الكاريكاتيري الذي نشرته قناة الجزيرة، وإنما جذور الخلاف قديمة وتمتد منذ التسعينات، ومنذ أن بدأت تلعب دوراً خارج كل الحسابات والتوازنات وأصبحت تدعم بشكل مباشر وغير مباشر معارضات لدول الخليج. مؤكداً بأن الموقف القطري شاذ عن الموقف الخليجي وهذا لا ينفع أحد في المنطقة، وقد اثبتت قناة الجزيرة أن خطابها “متطرف” وليس إعلامي، مشيراً إلى أن أمريكا بدأت منذ أيام بتصدير الغاز للصين وهذه احدى أكبر المشاكل التي تواجه قطر اليوم.
ملف الإرهاب
وحول ملف الإرهاب في المنطقة ومآلاته، قال الراشد: ان ملف مكافحة الإرهاب يبدو انه سيكون أسرع في ظل الإدارة الامريكية الجديدة التي تأخذ خطوات جدية وسريعة في هذا الاتجاه بما في ذلك الحكومات، مثل إيران، وهي تتخذ خطوات مهمة في العراق وسوريا، وكذلك في اليمن. على عكس سياسة سلفه الرئيس السابق الذي فضل اتباع نهج الحياد السلبي.
بدورها قالت الدكتورة الكتبي أن الغرب ومع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة بدأ يتراجع عن طروحات تمكين الإسلام السياسي، ومن الواضح أن إدارة الرئيس ترامب لن تسكت على التجاوزات الإيرانية الخطيرة سواء بالتمدد عسكرياً في العراق وسوريا، أو التصرف برعونة في الممرات المائية وتهديد الملاحة الأميركية وغيرها، أو تهريب الأسلحة عبر البحر للمتمردين في اليمن، أو البحرين.
وأضافت أن إدارة الرئيس الأميركي ترامب لديها استراتيجية للقضاء على “داعش” وهي تحمل مؤشرات جادة في القضاء على التطرف في المنطقة، وهي تدرك تماماً بأن دول الخليج العربي هي رأس الحربة في مواجهة الإرهاب في المنطقة.
نموذج الدولة الوطنية
وفي معرض حديثه عن مصالح الدول، قال الإعلامي عبد الرحمن الراشد، أن دول الخليج فيها ميزة مهمة بأنها حضن الأمان وعامل الاستقرار في المنطقة على عكس بعض الدول الأخرى، فدول الخليج لا يوجد لديها أطماع في سوريا أو العراق أو غيرها من الدول. وهذا يعود إلى نموذج الدولة الوطنية التي نجحت في بنائه وتقييم علاقاتها مع الاخرين على
أسس وطنية.
فلسطين
وحول الملف الفلسطيني وزيارة الرئيس ترامب إلى القدس، قال عبد الرحمن الراشد، إن مشروع الدولة الفلسطينية مهم ولكن لا أعتقد ان الإدارة الأميركية الجديدة ستغير شيء ملموس في هذا الجانب.
وبدورها أشارت رئيسة مركز الإمارات للسياسات إلى أن أحد مشاكلنا كعرب تكمن في عدم وجود لوبي عربي مؤثر يدعم القضية الفلسطينية أو القضايا العربية الأخرى مثلما تفعل اللوبيات النشطة التابعة لحكومات مختلفة في مراكز التأثير العالمي.
المصدر: البيان