كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
العلاقة بين الفن والدين ليست جيدة، ليس عندنا فقط بل في الغرب أيضاً، ولكنهم في الغرب غير متدينين بالجملة، فبالتالي لا تظهر المشكلة عندهم بذلك الشكل الحاد الذي ينفجر عندنا بين آونة وأخرى.
فالفنان يريد أن يكون حراً، لا تحده حدود ولا ضوابط، متدثراً بعبارة فضفاضة هي «الإبداع»، ومكرراً لجملة صادقة «القيود تحد من الإبداع»، لذلك لا أتوقع أن تهدأ هذه العلاقة المتوترة، خصوصاً عندنا، فنحن متدينون بالجملة، بل حتى المقصر منا لا يحتمل أي إساءة للدين، ولكن بعضنا يتوسع في محاولة إلزام الفن بحلال وحرام الدين، فالممثل عبد من عباد الله، عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه، وهنا مساحة شائكة لن أدخل فيها تحاشياً أن تكون من الحمى الذي إن حمت حوله وقعت فيه.
هذا القياس غير موجود في الغرب، فالأديان ومقدساتها مساحة مشاعة، ولا تتردد السينما هناك في تجاوز كل الخطوط الحمر، تحتج الكنيسة، وجمعيات «المراقبة» الأهلية، أحياناً يتظاهرون ولكن في النهاية يمضي السينمائي بمشروعه، وكذلك المشاهد، أفلام ومسرحيات أثارت جدلاً وأصبحت قصصها مجرد جزء من تاريخ السينما، من فيلم «الإغواء الأخير للمسيح»، إلى مسرحية «عيسى المسيح سوبر ستار»، وسلسلة لا تنتهي من الأعمال الفنية.
حتى التلفزيون، الذي يفترض أن يكون أكثر التزاماً، ذلك أنه يدخل البيوت من دون استئذان، تجاوز الخطوط الحمر، مثل مسلسل «فاملي قاي» الكرتوني، الذي اشتهر بكوميدياه «الزرقاء» التي تصطدم بالذوق العام، بمعالجته لقضايا حساسة من الدين إلى الجنس، ولكنه حقق نجاحاً شجع آخرين على تكرار تجربته، كثيرون يرونه «منافياً للذوق» فيحتجون، ولكن أقصى ما تفعله لهم شركته المنتجة أن تبثه في ساعة متأخرة، المعلنون لم يثنهم انتقاد الغاضبين عن الإعلان فيه، يهمهم فقط أرقام مشاهدته العالية.
عالجت بعض حلقاته كل محرمات الدين، من جنة ونار، ورجال الدين، بل حتى نبي الله عيسى، الذي يزور عائلة «فاملي قاي»، ويجالسهم طاولة الطعام، ويتحدث معهم حول تجربته في الصلب، فيرد عليه بطل المسلسل أنه مر بتجربة لا تقل درامية عن تجربته.
وصفته منظمات تراقب برامج التلفزيون بأنه من أشد المسلسلات إساءة للدين، ولكنها لم تستطع منعه، بالطبع لن تجرؤ «روتانا» أو «إم بي سي» على دبلجة المسلسل إلى العربية، فالمجتمع المسلم ومن قبله مُلاك المحطتين، لن يقبلوا بجعل نبي الله عيسى موضوعاً للسخرية.
أذكر كل ذلك في محاولة أعتقد أنها لن تكلل بالنجاح لإقناع «العقل المسلم» الغاضب من بث فيلم رخيص أساء للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، أن الغرب لا يفكر مثلنا، لم يعد مقدس هناك، حتى ما يشاع أنهم لا يجرؤون على المساس باليهود وأنبيائهم غير صحيح، فمثلما يسخرون من نبي الله عيسى، يسخرون من أبي الأنبياء إبراهيم ومن موسى.
لا يعني هذا أن هذه الأعمال كثيرة، وتظهر كل ليلة، ولكنها موجودة، جولة سريعة على «اليوتيوب» وسوف يرى المسلم ما سيجعل دمه يفور من الغضب نحو الإساءات لأنبياء غير محمد عليه الصلاة والسلام، فنحن نحترم كل أنبياء الله عز وجل.
الفيلم المسيء لم تنتجه شركة كبرى، كالتي تنتج «فاملي قاي»، أو «الإغواء الأخير» للسيد المسيح، ولم يُبث على التلفزيون، ولا في صالات سينما، وإنما إنتاج رخيص بكاميرات متواضعة، وممثلين غير معروفين، ولم يبث إلا على «اليوتيوب»، منتجه ومؤلفه خططا له أن يستفزنا ويغضبنا، ويخرجنا نحرق السفارات، ونعترك مع رجال أمننا، فيسقط بعضنا قتلى، ونهدد ونتوعد العالم بالهلاك، بعضنا فعل ذلك فحققنا، مع الأسف، لهم ما يريدون.
البعض سيقتنع بكلامي هنا، ولكن البعض الآخر سيرفضه وسيصر على أن ما حصل مؤامرة مدبرة من الغرب للإساءة للإسلام ونبيه الكريم، ما يدعوني للقول إن المشكلة عندنا وليست عندنا، فنحن نستطيع السيطرة على ردود أفعالنا، ولكن لا نستطيع السيطرة على فعل سفائهم، لأننا لا نستمع لقول حكيم مثل خليفنا الراشد الذي قال «أميتوا الباطل بتجاهله».
المصدر: مجلة روتانا