لعّل الدرس الأكثر بلاغة الذي قدمه لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على مدار العقدين الماضيين، يتمثل في أنه أدخل إلى الفضاء العربي، لغة وثقافة وفكراً، قولاً وفعلاً، مصطلح «اللامستحيل»، ووضع لازمة «لا»، قبل كلمة تحكمت طويلاً في الروح العربية، ألا وهي كلمة «مستحيل».
أثّر سموه من خلال تلك ال«لا» النافية، في العقول وطرائق التفكير ورؤية العالم والتفاعل معه، وأصبحت «اللامستحيل»، رسالة وهوية لرجل دولة وقائد وفارس وشاعر، يحلم بمكان آخر للعرب في خريطة الحضارة الإنسانية.
قبل درس محمد بن راشد، كان العرب يتفننون في المستحيل، وتحدثوا عنه في أمثالهم، ولم يكتفوا بمستحيلات ثلاثة، بل أضافوا إليها مقولة «من رابع المستحيلات»، حتى هيمن «المستحيل» لسنوات على مفاصل العقل العربي.
سنوات، كانت فيها الإمارات ترسم مساراً آخر، فصنعت قيادتها منذ عهد الآباء المؤسسين، نهجها الخاص في التعامل مع القضايا، لتواصل اليوم بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، نهج التنمية بلا تردد والبناء بلا كلل.. نهجٌ يحمل شعلته كل فرد من أبناء وبنات الإمارات، وكل مقيم على أرضها أو يقرأ في كتاب نجاحاتها ويؤمن بأننا أمّة قادرة على النهوض.
أمل محمد بن راشد أن تحذف كلمة مستحيل من قاموس العرب، بالعمل المخلص والجاد والدؤوب، وألغى سموه قائمة المستحيلات من القاموس العربي، في تجربة عربية نادرة اتسمت بالجرأة والرؤية الشاملة للانتصار على الصعاب، وتحققت الإنجازات وحلّقت الإمارات لتلامس النجوم، وجعلت من دبي «دانة الدنيا».
امتلك محمد بن راشد فعل المستحيل، ونجح في ترويضه بسهولة، بل وجعله يركض لاهثاً خلفه وخلف الإمارات، في ذلك الماراثون الحضاري الذي يشهده العالم.
المستحيل رفع رايته البيضاء هنا في أقصى المشرق العربي، في دولة الإمارات التي باتت حالة نهضوية، لم تتم دراستها حق دراسة بعد على المستوى العربي، حيث دفعنا محمد بن راشد لكي نفكر معه جميعاً في ما يمكن أن نطلق عليه «مرحلة ما بعد المستحيل».
نعم، في الإمارات نحن نعيش مرحلة ما بعد المستحيل.. مرحلة تأسست على الإيمان بحتمية التقدم من خلال منظومة تقنية وقانونية وتعليمية فائقة الحداثة، صاحبتها نوافذ مشرعة على أفضل الخبرات العالمية والعربية، وأبواب مفتوحة على مصراعيها لكل الأفكار المبتكرة، وتوفير الفرص لجميع الشباب من مختلف الجنسيات، تجربة تحتاج إلى كتب للبحث في دوافعها ومفاصلها ونقاط قوتها.
ما تحقق من مكاسب هو غمار تجربة ترتكز على الإيمان بأننا نقدر على الفعل، والإضافة إلى العالم.. تجربة كانت تنتمي منذ عقود قليلة إلى دائرة «المستحيل»، نجحت الإمارات في تجاوزها من خلال أكبر ورشة عصف ذهني شهدها العرب حديثاً، أقيمت هنا في هذه الأرض المباركة، من أجل الوطن والأمة.
الآن، كل فرد يسأل نفسه: ماذا ينقصنا؟.. ولكننا بذلك لن نكون قد استوعبنا درس محمد بن راشد كما يجب، فمرحلة «ما بعد المستحيل» تتطلب خيالاً لا حدود له، وجرأةً في التفكير، والأهم أن نتمثل شجاعة قائد نجح بلمح البصر في ترويض المستحيل.
محمد بن راشد، كلّ عام وأنتَ ودبي والإمارات بخير.
المصدر: الخليج