لا يبحث إلا عن المركز «1» في سباق الحياة، هو فارس استثنائي يبحث عن المجد دائماً، ويصنع التميز في كل الأوقات، ويمشي واثق الخطوة نحو كل جديد ومثمر ومفيد لدولته.
الأمر نفسه ينطبق على دنيا السباقات وعالم الفروسية، ولم لا وهو «فارس العرب» الذي لا يعرف كلمة «مستحيل» في قاموسه.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قال ذات مرة «نحن الفائزون، فألقاب السباقات ستذهب، لكن ألقاب النجاح وأوسمة الإنجاز ستبقى في الإمارات».
قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أبدع فكرة سباق كأس دبي العالمي، الذي أصبح الوجهة المفضلة للخيول العالمية.
مفهوم الفوز الذي أشار إليه سموه يكتسب بعداً آخر غير الذي تحققه الخيول في ميادين السباق، فالفوز الحقيقي في فكر سموه يمضي أبعد من ذلك بكثير؛ لأنه ينظر إلى الصورة الأكبر والمشهد المهيب الذي جاء بخيول العالم، ومنها الأمريكية، في رحلة ملحمية قطعت خلالها نصف الكرة الأرضية لأجل الكأس.
إن سموه عندما يقرر ذلك، إنما ينظر إلى مشاركة خيول بلاد الشمس التي غادرت اليابان وهونج كونج تاركة وراءها كل شيء، وجاءت بحثاً عن شيء واحد ألا هو كأس دبي العالمي، وينظر سموه أيضاً إلى خيول أستراليا التي غادرت ذلك البلد وعبرت البحار الجنوبية إلى حيث يقام الكأس، وكذلك الحال مع بقية الدول التي أرسلت صفوة خيولها لتنال شرف المشاركة والوجود في هذا المحفل العالمي، الذي يعد الرابح فيه هو الحاضر، والخاسر فيه هو الغائب، بصرف النظر عن أي شيء آخر.
تلك هي الصورة التي ينظر إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صورة الخيول البطلة وهي تأتي إلى دبي وكأسها العالمي لتتنافس فيما بينها ووفقاً لشروط عادلة، تحيط بها النزاهة والشفافية وتحت إدارة مشرفين عالميين، وتحدد للعالم الأبطال الحقيقيين في سباقات الخيل على مختلف الأرضيات وشتى المسافات.
إن قيام هذا التنافس في أمسية الكأس هو الذي يصفه سموه بالفوز، وليس عبور خيول جودلفين أو خيول الإمارات لخط النهاية أولاً، لأن هذا الأمر متروك للخيول، وسموه أول من يدرك أن لكل سنة خيولها، وأن ألقاب السباقات ستذهب لمن يستحق، غير أن اللقب الأكبر للنجاح والتميز والإنجاز سيبقى في دبي، وذلك هو البعد الرياضي في شخصية فارس العرب.
وقبل أيام، قال سموه: «سباق كأس دبي العالمي للخيول ظل يستقطب الخيول المهجنة الأصيلة من جميع أنحاء العالم، للمنافسة هنا في الإمارات، وهذا يعني أننا أرجعنا الخيول إلى موطنها الأصلي».
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، قد سجل بعضاً من خواطره عن حب سموه للخيل في مقال سابق، وفي السطور التالية نتناول بعضاً من هذه الخواطر.
والدي كان يعشق «سغلاوي»
«أنا مؤمن، بقوة، بعشقي للخيول، لدرجة أنني يمكن أن أقول إن الذين لا يدركون سبب اهتمامنا بالخيول لا يدرون ماذا نفعل، نريد أن نستعيد ريادتنا اقتصادياً وتقنياً وتميزاً، فهل هذا كثير؟».
بهذه الكلمات لخص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قصة عشقه للخيل، والتي بدأت في أيام الطفولة الأولى، من خلال العدو في الصحراء ممتطياً صهوة الفرس الأبيض «سغلاوي» الذي كان يعشقه والد سموه، المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ويقول سموه «أتذكر كيف ترتسم الرمال والسماء في خيالي مع إيقاع حركة خطوات الفرس الواسعة عبر كثبان الرمال، لكن أكثر ما يلح في ذاكرتي يد والدي التي كانت تلف خصري، والشعور بالفرح الغامر والسكينة في روحي».
الخيول أعطت العالم الكثير ونحن شعب الخيول
إننا شعب الخيول، تلك الخيول التي أعطت العالم الكثير عبر القرون منذ فجر التاريخ، كوسيلة للتنقل ومعين في النشاط الزراعي وحراثة الحقول على سطح كوكب الأرض، ثم كوعاء حمل الرجال وأحلام الأمم في الحروب، وأخيراً كرفيق لا يقدر بثمن وشريك في الرياضة… من هنا انطلقت الخيل من الجزيرة العربية، وبنفس القدر الذي ننتمي به أنا وشعب الإمارات إلى الخيل تنتمي الخيل لنا.
إنها الخيل التي ساعدت بني البشر في السفر وأنقذت حياتهم في الحروب، وتعاليم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، تفيد بأن الرجل يكون غنياً عندما يملك مهراً وبستان نخل، لقد كانت الخيل مطمح ملك الرجال، ومن يقرأ القرآن وأحاديث النبي وسيرته يسهل عليه فهم أهمية الخيل، إنها مختلفة عن كل الحيوانات، إنها مصدر بركة لصاحبها، وهي مصدر فخر لكل عربي ورمز للقوة والشهامة والسلطة، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة».
الفرس هو الجمال المطلق بالنسبة لي
بالنسبة لي وللكثير ممن أعرفهم الفرس هو الأكثر جمالاً بل هو الجمال المطلق، فالفرس الذي تبدو أوتاره كخيوط القوس وعضلاته المستديرة الناعمة الملمس يجعلني أتعجب بالقوة التي يمتلكها. أما منحنيات كتفيه التي تلتقي عند صدره الناعم تعلوه صدارة تتوزع بين خصلات شعر متجدلة، فكلها تميزه عن الجمل الذي لا أقول طائشاً بل حنوناً وحكيماً بقدر ما هو متسامح وخشن.
الشعر والفروسية قيم أصيلة
الشعر والفروسية والشهامة والكرم والشموخ كلها قيم أصيلة عند الفرسان العرب، لكن الماضي هو الماضي. وعندما اختفى الفارس العربي بقي حصانه ولم يختفِ. ولبرهة تعرض الفرس لخطر الانقراض، وإذا تخلينا عن الاقتصاد والتقنية والريادة والخيول لغيرنا، فما الذي بقي لنا؟!
مصدر عز وفخار
سئلت كثيراً في حياتي ماذا يعني أن يكون عندي فرس عظيم، وليس هناك إجابة سهلة تستطيع أن تعبر عن السعادة التي يشعر بها العربي والمسلم عندما يملك هذا الحيوان، فلم يكن العرب ينظرون إلى فرسهم كسلاح لا غنى عنه، بل كمصدر عز وفخار، وقد ترفع فرس عظيمة فقيراً معدماً إلى مصاف الملوك، وقد تكون مغواراً شريف النفس، لكن فرسك هي الرمز الأساسي لمجدك وعظمتك.
الحصان العربي هو الأصل
عندما أتخيل الفرسان والزعماء العرب أتخيلهم ممتطين خيولهم وقائدين للجيوش في جميع أنحاء العالم، ويكتبون قصائد شعرية تتحدث عن قيم رائعة، ولكن تلك الأيام البطولية والمجيدة قد انتهت الآن، ولم تعد الخيول العربية تحمل زعماء وفرساناً عظاماً، وعندما غابت شمس البطولات العربية المجيدة ومهارتهم على الخيول، أشرقت الشمس على الغرب وخيولهم ذات الأصول العربية، فمن المعروف للجميع أن كل سلالات الخيل الموجودة في إنجلترا هي عربية الأصل، حيث تعتبر الخيول العربية السلالة الأقدم للخيول في العالم.وبحسب جدي الشيخ سعيد وأبي الشيخ راشد، فإن الحصان جودلفين يعود أصله إلى أكثر من 200 عام من الجزيرة العربية من منطقة الربع الخالي وتحديداً منطقة ليوا، ربما كان ذلك قبل ربع قرن من مولدي، ولكن قصص السباقات لاتزال موجودة وتُروى على مر العصور، ذلك لأن القصائد والقصص التاريخية ليس لها وقت أو زمان محدد.
لقد كنت أستمع إلى قصص الخيول العربية القديمة مثل جودلفين أريبيان وديرلي أريبيان، وكنت أحلم بأنني ذات يوم سأربح سباقاً عظيماً للخيول وأجعل وطني وعائلتي فخورين بذلك الفوز.
حب الخيل إرث بدوي وعربي
لعل الميزة الرئيسية التي نشأت عليها أنا وإخوتي هي حب الخيل، وهذا إرث بدوي وعربي حقيقي، لقد علمنا والدي أن نحب الخيول كما نحب أفراد أسرتنا، وعلمنا أنه ينبغي علينا أن نمارس ونشارك في هذا الفن الرياضي لعلمه بأنه رمز الفروسية، وأدار أخواي الشيخ مكتوم والشيخ حمدان حلبات سباق خيول من إسطبلات والدي، وهما فارسان مشهوران في الجزيرة العربية، وقد تميزا بتدريبهما وبحيازتهما خيولاً مميزة، وكان للشيخ مكتوم حصان مميز جداً يقفز راكباً عليه وهو يجري مسرعاً.
وكان هذا الحصان لا يقبل أن يمتطيه أحد سوى الشيخ مكتوم، ورأيت عدة حوادث لهذا الحصان عندما يحاول أحد آخر ركوبه.
كان والدي يتحقق من أنهم بدؤوا بمنافسة بعضهم بعضاً، وبعد ذلك بدأنا بمنافسة إسطبلات أخرى في الإمارات المجاورة، ولاحقاً أصبحنا ننافس الدول الخليجية الأخرى، وكوني الابن الثالث، كان ترتيبي الثالث في اختيار الخيول، لقد كان لدينا أفضل الخيول في جزيرة العرب، حيث كان هناك خيل رمادي يدعى «هدير» يمتلكه مكتوم، في حين أن حمدان كان يمتلك خيلاً آخر يدعى «كروان». كان لدى مكتوم فرس كستنائية اللون بنجمة تدعى «عودة»، وهي منحدرة من عائلة «ويدثن»، كما كان مكتوم يمتلك «أبية»، المنحدرة من سلالة «أريبيان».
قصة إسطبلات جودلفين
عندما دخلت وإخواني في عالم سباقات الخيول العالمية، كانت الأجواء ضعيفة فعلًا. صنعت دبي من خلال جودلفين ودارلي الوظائف، وحمت صناعة سباقات الخيول إلى حد كبير، من فترتين من الركود أثرت في مناطق عديدة من العالم. ولم يكن العمق أو العدد، ما عزز من مكانتنا فحسب، بل كان أيضاً دورنا الفعال خلال عقود كثيرة في تشكيل عالم سباقات الخيول، وفي حفر اسم دبي في طليعة هذه الصناعة. أسست صحيفة (Racing Post Newspaper) وتدخلنا لإنقاذ دور «تشانيل فور» (القناة الرابعة) في السباقات. إسطبلات جودلفين هي إسطبلات دبي، ولدينا أكثر من 200 فائز على المستوى العالمي، وحوالي 200 فائز من «جروب1» في 12 دولة، كما لدينا 55 فائزاً «كلاسيك» حول العالم.
هذه هي القصة عن جذور جودلفين، الإسطبلات التي بناها إخواني وأبنائي وأنا معاً خلال السنوات الماضية، من فرس أسود صغير اسمها «سوادة أم هلاغ». والأكثر من ذلك أن كأس دبي العالمي بدأ من قطعة أرض شاطئية في جميرا حين نظمنا عليها أول سباق.
كأس دبي فرصة للاحتفال والسعادة
في كل عام، أشعر بأن هذا السباق هو نفسه الذي كان قبل كل تلك السنين… هو فرصة للاحتفال وفرصة لاستضافة زوارنا من كل بقاع الدنيا، وفرصة للمشاركة في الفرح والسعادة والضحك والتعبير عن الشكر. أدعو الله تعالى وآمل أن يكون لدينا فائزون من حول العالم في كأس دبي العالمي هذا، وسيعني ذلك بالنسبة لي الشيء الكثير بالمقارنة مع أي شيء آخر، لأنني أعرف أن أهلنا في دبي هم فائزون مرات عديدة أصلاً، وأن السباق رياضة يعتبرونها رياضتهم بكل فخر واعتزاز. إنها رياضة سيحمونها وسيورثونها لأطفالهم وأحفادهم والأجيال القادمة، كما نقلها والدي رحمه الله، إليّ.
المصدر: الخليج