محمد بن راشد.. واضحُ السيرة نهجهُ الشهامة والحكمةُ والصدق

أخبار

في قصيدة جديدة بعنوان «خيل الليالي» لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يظهر أثر التجربة الحياتية الطويلة، وممارسة الأيام بتقلباتها، في صناعة معاني الشاعر وفهمه للحياة، ولسلوك الإنسان، فعن طريق هذه التجربة التي يمارسها عقل مفكر استطاع أن يميز بين أنماط الناس، ما بين صادق وكاذب، وأصيل ومدّع، فبعض الأصحاب يتلون ويأتيك بوجه غير وجهه الحقيقي، ويظن أنه يستطيع أن يخدعك بحلو الكلام، واصطناع السلوك، لكنه وهو يفعل ذلك، ويظن أنه أفلح في إخفاء نواياه الحقيقية، يبدو تماماً كالعاري الذي يظن نفسه كاسياً.

هذا النوع من الناس، لا يخفى أمره على الشاعر الذي عجن الأيام بين يده، واستخرج زبدة حقائقها، وجرب كل أنواع البشر، فلم تعد تخدعه المظاهر، فمهما تزين الكاذب وأخفى نفسه وراء الطلعة الجميلة، واللباس الأنيق والرائحة الطيبة، فإن وجهه يبقى وجه كذاب صارخ بما تنطوي عليه نفسه الخبيثة.

ويؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أنه يعرف أساليب المخادعين؛ لأنه جرب الدنيا، تجربة ممارسة، ومن جرب الدنيا يكون أعلم بها ممن قرأ عنها ولم يجربها، وهذا مصداقٌ للحكمة القديمة «اسأل مجرباً، ولا تسأل طبيباً»؛ لأن الطبيب يعرف المرض نظرياً؛، لكنه لم يجربه، أما المجرب فقد خبر كل خفاياه، فصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عرف الدنيا، وصار يعرف أعراضها، ويصف أدويتها، وهي معرفة اكتسبها بالاختبار والممارسة الطويلة، في هذه الحياة المتقلبة المتلونة التي تأتي كل يوم بلبوس جديد، وهذا دلالة على الحكمة واتقاد العقل؛ لأن الحكيم هو من يتعلم من التجارب، ومن يراقب عقله مجريات الحياة، ويستخلص منها المعاني والعبر، وكان سادة العرب قديماً يمتدحون طول التجربة ومعالجة الحياة؛ لأنها تصقل العقل وتنتج الرأي السديد، وكانوا يصفون غير المجرب بأنه «غمر» كما ذكر أبو فراس الحمداني في فخره بفرسه وبنفسه يقول: «فلا فرسي مهر ولا ربّه غمر»، أي أن فرسه ليس مهراً صغيراً لم يروض، وصاحب الفرس، ليس غمراً لم يجرب الحياة؛ بل فرسه مروض وصاحبه مجرب، وكما قال أبو تمام في مدح الأمير عبد الله بن أبي طاهر: «وأين بوجه الحزم منه وإنما/‏ مرائي الأمور المشكلات تجاربه»، ففي التجربة يكون الحزم والرأي السديد، الذي يعرف صاحبه كيف يخرج من عويصات الأمور، وكيف يسلك الطريق الصحيح إلى النجاح والمجد، وهذا ليس غريباً على قائد مثل سموه، بهر العالم بعقله وفكره القيادي الذي يبتكر به كل يوم جديداً، ويتقدم به كل يوم أشواطاً إلى الأمام سابقاً الآخرين إلى ارتياد مواطن من التقدم والتنمية وقيادة المجتمع لم يصلوا إليها.

ويلفت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم انتباه قارئه إلى أن طريق الحكمة، ودرب النجاح الذي مشى فيه، هو نهج قادة أبطال سبقوه إلى الطريق فعبدوه وساروا عليه، وورثه عنهم، وهم أجداده من بناة مجد دبي والإمارات، الذين يشهد لهم تاريخهم بالحكمة ومضاء الأمر وسداد الرأي، وقد أصبح بسبب ذلك يعرف ذلك الطريق ويهتدي فيه، على كل حال، فسواء اتضحت المسائل وبان صوابها أو تعقدت واستغلقت، وخفي صوابها على غير المجرب، فإنه يستطيع بحكمته وعقله أن يهتدي فيها، وأن

يستخرج منها الصواب، وينير دروبه للسالكين، يقول سموّه:

ومنهو قرا الدِّنيا غلَبْ قاريْ كتابْ

وأنا كسَبتْ المعرفهْ بإختباري

مشيتْ فيها بسيرةْ إقرومْ وأنجابْ

وآدَلْ في ليلي دلالةْ نهاري

من كانت تلك صفاته في الحكمة ومعرفة حقائق الناس، فلن يهتم بالكذابين، ولن يغيب عنه من احتيالهم ودسائسهم شيء؛ لأن سلوك الكذاب ستكون أمامه كصفحة الكتاب يقرأها بوضوح تامّ، فهذا الكذاب مهما حاول خداع ذلك الحكيم فلن يستطيع، وسيخيب أمله، ويرجع منتكساً على أعقابه، تلك هي حال سموه مع الكاذب، فلا يمكنه أن يحتال عليه، أو يخدعه مهما فعل، وستظل طريقهما مختلفتين، لا يلتقيان، متباعدتين بعد ما بين السماء والأرض؛ لأن الكاذب وسيلته في الحياة الخداع والاحتيال والادعاء، وسموّه طريقه «نهج الشهامة»، وهي أبعد ما تكون عن سفاسف الأمور؛ لأنها تعني الكرامة والصدق والعفة والإباء والشجاعة والكرم، وهيهات أن تلتقي مكارم الأخلاق بدنيئات الأخلاق، أو أن يساوي النبل الخسة؛ لذلك فهو قد أسقط المنافق الكذاب من حسابه، ولن يقيم له وزناً، أو يحيي له ذكراً، فهو عنده كالعدم، ومهما حاول ذلك المنافق أن يتقرب منه، فلن يجد طريقاً إلى ذلك، فأبوابه عالية منزهة عن أن يصل إليها صوت ذلك النوع من البشر الذين لا هم لهم سوى بث السموم، وإفساد الحياة، بالكذب والزور، فيقول:

مايهمِّني الكذَّابْ لهْ قلبْ مرتابْ

ولا طرَتْ لي مِنْ أمورَهْ طواري

أخالفهْ في الرَّايْ حاوَلْ ولا صابْ

وأبديتْ لهْ في اللِّي يقولْ إعتذاري

والراَّيْ كانهْ وِعْرْ مِنْ يتبعَهْ خابْ

وأنا علىَ نهجْ الشِّهامهْ مساري

وما أحسِبْ لبُو وجهينْ لوُ يكبَرْ حسابْ

ولا ألتقيهْ ولا أبثِّهْ عتابي

ويختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قصيدته بقوله «هذا أنا واضح» لا لبس في سلوكه وأخلاقه والنهج الذي أخذه عن أجداده، يعرفه القريب والبعيد على تلك الصفة التي لا تتغير، ومن شأن أهل الفضل أن تكون أخلاقهم رزينة ثابتة، لا تلونها تقلبات الأيام، وسيرته وأخلاقه عالية علواً لا يدانيه شيء، وفي ذلك إشارة إلى الآخرين أن من أراد أن يفوز بثقة سموّه، ويجد منه أذناً صاغية، عليه أن يكون هو أيضاً واضحاً، وألّا يسلك إلى مبتغاه السبل الملتوية، التي لا تتفق مع تلك الأخلاق الرفيعة لسموه، فيقول:

هذا أنا واضحْ للأبعَدْ ولقرابْ

لي سيرةٍ متعلِّيةْ في السِّحابِ

المصدر: الخليج