كاتب وإعلامي سعودي
قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد هو بكل المعايير نقلة نوعية في تاريخ المملكة، وانعكاساتها على الداخل السعودي والعربي ستكون إيجابية. هذا التعيين لشاب من جيل أحفاد المؤسس هو بداية للدولة السعودية الرابعة، فالمملكة كما يعرف الجميع لديها ثروات هائلة، وأنا أتحدث عن العوامل البشرية والجغرافية والدينية، وكلنا يعرف أنه في حال أدارتها بشكل علمي وعصري، فإن بلادنا ستكون في مصاف الدول المتقدمة، ووصول الأمير محمد بن سلمان إلى هذا المنصب له حاجة ماسة لتفعيل الإدارة للنهوض بالمملكة، لما عُرف عنه من إيمان بالتغيير وتبني الرؤى المستقبلية، وما يدل على ذلك رؤية المملكة 2030 التي أعلن عنها أخيراً، وقيامه بطرح مشروعه في وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية وفي لقاءاته مع النخب في المجتمع السعودي.
لا أبالغ إن قلت إنه من رموز السياسة وتبنى مشروع التغيير بأبعاده المتعددة ولم يصمت، بل إنه نزل إلى الميدان مبشراً به، وقد شرفت قبل أشهر مع مجموعة من الكتَّاب بتلبية دعوة منه وقضينا فترة امتدت ساعات، ولم يكن فيها سقف محدد للنقاش، بل الكثير من النقد والتأييد، ولم يبدِ أي اعتراض على نوعية الأسئلة المطروحة، بل إنه كان وللأمانة التاريخية يجيب عنها كلها ولا يعني هذا الموافقة، بل إنه يناقش بطريقة مقنعة ومؤمنة بمشروعه، ويعطي مساحة للطرف الآخر ليقول ويعبِّر عن كل هواجسه المتعلقة بقضايا الوطن. مثل هذا الأمير الديموقراطي في الحوار لا شك أن ديموقراطيته ستنعكس على إدارته للبلد بكل شفافية وصراحة، ومحاسبة تطبق على الجميع ولا يستثنى منها أحد، سواء أمير أم مواطن.
هذا التعيين المفرح والمبهج، الذي عبر عنه الشعب السعودي، له دلالة على أن مؤسسة الحكم تقرأ التغيرات السريعة التي يشهدها الداخل والعالم بأسره، وعندما تكون القيادة تنتمي إلى عصرها فلا شك في أن ذلك سيكون الضمانة الأساسية للاستقرار السياسي في المستقبل، عطفاً على ديمومة المشروع التنموي الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان في الداخل، في الإقليم كلنا نشهد التغيرات وعدم الاستقرار السياسي والأمني في محيطنا العربي، والتدخلات الأجنبية من إيران وغيرها في الشؤون العربية، هذا الوضع الذي يحيط بنا يتطلب إدارة سريعة وفعالة في قراراتها على مستوى السياسة الخارجية أو في الداخل. تعيين الأمير محمد بن سلمان في هذا المنصب، وما عرف عنه من شجاعة وشغف بالعمل والمثابرة، فإنه سيكون لبلادنا مستقبل غير تقليدي كما تعودنا عليه في السابق. لا شك في أن التحديات كثيرة، وخصوصاً قضية الإرهاب والبنية الفكرية والثقافية السائدة لدى بعضنا، وهي التشدد الديني، الذي خلق أوضاعاً اجتماعية لا تتماشي مع الدين ذاته أو مع متطلبات العصر، ولا شك في أن التوظيف السياسي من بعض الحركات الإسلامية خلق واقعاً لا يمكن الاستمرار فيه، كما تعمل حركة الإخوان المسلمين ونسختها السعودية منها وهي الحركة السرورية، علينا العمل على «أنسنة» الإسلام، والابتعاد عن ثقافة التحريم المطلقة، إعادة هيكلة ثقافية مثل هذه لا يمكن أن تحدث إلا من خلال إيمان بهذا المشروع الإصلاحي، التعدد واحترام الآخر بغض النظر عن دينه أو مذهبه لهو مسألة ملحة جداً في مجتمعاتنا، وقيادة شابة مثل ولي العهد لهي قادرة ومؤهلة لتأسيس دولة المواطنة. قضايا وحقوق المرأة وتمكينها ستشهد انفراجات مهمة، وخصوصاً أن رؤية 2030 أولتها أهمية خاصة.. فتهنئة خاصة وصادقة على هذا المنصب المهم، ولا يساورني شك أن هذا الحدث التاريخي سيجعل وطننا أكثر إشراقاً واستقراراً، فالرجال هم من يصنعون التاريخ في مسيراتهم، والأمير محمد بن سلمان أحدهم.
المصدر: الحياة