محمد جابر: «بكل صراحة» الدراما الخليجية في غرفة الإنعاش

منوعات

يتمتع الفنان الكويتي القدير محمد جابر بثقافة عالية، وقدرة فائقة على اختيار أعماله، وعلى الرغم من أنه بدأ حياته الفنية بالجد والاجتهاد والمثابرة حتى أصبح رقماً رابحاًِ في المسرح والدراما الخليجية، إلا أنه لم يرضخ مطلقاِ للإغراءات المادية ولم يقدم عملاً واحداً خارج نطاق قناعاته الفنية، فضلاً عن صراحته المطلقة، وصدقه الفني الذي جعله من أبرز الفنانين في تاريخ الدراما الخليجية.

أشرف جمعة (أبوظبي) – الفنان محمد جابر استضافته «الاتحاد» على هامش فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي في حوار عنوانه الصراحة وصل عمره الفني إلى 52 عاماً، قضي منها 21 عاماً في أداء شخصية العيدروس الشهيرة التي ارتبط بها الناس زمناً طويلاً ، فضلاً عن أنه شارك في 320 مسلسلاً درامياً، و34 مسرحية للصغار، وعشر مسرحيات للكبار، ولم يزل يحلم بسينما حقيقية في منطقة الخليج، في ظل وجود المهرجانات الدولية التي يرى أنها يجب أن تتوسع وعلى رأسها مهرجان أبوظبي السينمائي، الذي أبدى إعجابه الشديد بدورته الحالية. حول أعماله الجديدة التي يحضر لها في الوقت الحالي يقول الفنان الكويتي المتميز محمد جابري أشارك في مسلسل «سراج البيت» وهو من إنتاج قناة أبوظبي وأجسد فيه شخصية أب يعمل وكيلاً في إحدى المدارس ويحرص على أن يعدل بين أبنائه وعلى الرغم من طبيعة هذا الدور الذي يتعرض فيه الأب لانتقادات من أبنائه الذكور بأنه يفضل بناته عليهم، إلا أن الأحداث تؤكد عكس ما ذهبوا إليه، ويلفت إلي أنه في حياته الخاصة يميل إلى بناته أكثر، ويعدهن أهم شيء في حياته إذ يحرص على رؤيتهن بشكل يومي رغم أنهن متزوجات ومسؤولات عن أسرهن، فقد رباهن على الألفة، لذا لا يفارقهن إلا في حالة ارتباطه بتصوير أعماله الفنية.

بنات الفقير

ويضيف أديت دور أب أيضاً لفتاتين في سهرة فنية أعتز بها، وهي بعنوان «بنات الفقير» وكنت أمتلك المال الوفير، لكنني كنت ضنينا عليهن، وعلى الرغم من أنني كنت في هذا الدور أبخل على الفتاتين، إلا أنني لم أكن أحرم نفسي من أي شيء، وأشترى الأطعمة والفاكهة، وكل ما تشتهي نفسي، وعندما كانت تطلب منى إحداهما أن أحضر لها طعاماً، كنت أقول لها: إن جارنا لديه مناسبة وسوف تزخر بألوان شتى من الأطعمة. وبخصوص المرحلة التي تمر بها الدراما الخليجية يؤكد الفنان محمد جابر أنها في غرفة الإنعاش، نظراً لأن القصة غير موجودة في الخليج، وكل الحكايات التي تم تمثيلها تتمثل في 17 قصة منها 14 لم تزل تتكرر منذ عام 1961 ويلفت إلى أن الدراما الخليجية تزحف نحو استيراد قصصها، لذا فإنه لابد من وقفة جادة من أجل أن يتم بلورة الواقع الذي يخص المنطقة بتفاصيلها الصغيرة، وحوارات الناس في البيوت، وبين المقاهي وفي جلسات السمر، والأسواق الشعبية، وفي كل نواحي حياتنا على أن تكتب هذه القصص بمستوى فني رفيع.

دور الشرير

وبالنسبة للدور الوحيد الذي ظهر من خلاله شريراً يذكر أنه لم يؤد في حياته الفنية إلا عملاً واحداً بهذا الشكل، وكانت الشخصية تتطلب صرامة وإشكاليات معينة تتواءم مع طبيعة الإنسان الشرير، والعمل معروف ويحمل اسم «أيام الفريج» وعلى الرغم من أن المخرج عرض عليّ الظهور في 29 حلقة إلا أنني قررت الظهور في 18 فقط، ويلفت إلى أن مشهد خروجه من السجن كان مؤثراً جداً، إذ إن بناته تزوجن وهو قابع خلف قضبانه، وحين وصل إلى البيت وحصل على إذن الخروج لاستئناف حياته، طرق باب بيته ففتحت له الزوجة، وفور أن رأته اختل توازنها، وسقطت على الأرض من هول المفاجأة، ويوضح أنه في أثناء عرض الحلقات تمنت بناته في الواقع بأن ينتهي دوره في المسلسل عند هذا الحد، لأن الناس كانوا في حالة شديدة من التأثر.

كلمات مؤثرة

ومن الأعمال التي جرت في سياق درامي حزين ولم تزل تداعب ذاكرته مسلسل «الداية» الذي جسد فيه دور رجل فقير، لا يستطيع الإنفاق على زوجته، ولا يخفي أن الفنانة حياة الفهد اتصلت به وظلت تبكي من شدة تفاعلها مع الشخصية إذ إنه عبر صفحتين فقط من السيناريو جسد من خلالهما أحد المشاهد كان يلمح في عيون المصورين البكاء والكاميرات كانت تهتز بين أيديهم في أثناء الحوار مع زوجته، في هذا العمل حتى إن مخرج المسلسل كان يبكي أيضاً من شدة التأثر، ويرى أن أداءه لهذه الشخصية بفقرها المدقع مثل ترجيع لحن حزين لأم كلثوم، إذ كان يقول لزوجته» في مشهد مؤثر» عشت معاكي على الحلوة والمرة، وصبرتِ على فقري، وأنا استحي اللقمة وأنت قاعدة تصرفين عليّ» وبهذه الكلمات المؤثرة كانت الشخصية تستدر عطف الناس، ويشير إلى أن الناس كانت تسأل زوجتي في الواقع هل زوجك أعرج؟»، وذلك لأنه أتقن المشي بهذه الطريقة، وحتى يتقن ذلك بين أنه اضطر إلى أن يراقب أحد أصحاب العاهات المستديمة وهو شاب أعرج من أجل أن يقلده.

هنا تلفزيون الكويت

وعن أول الأعمال التي شارك فيها لتلفزيون الكويت في إبان إطلاق إرساله يقول: كان ذلك عام 1961 إذ مثلت في سهرة درامية، ولم يزل يذكر عبارة هنا تليفزيون الكويت التي انطلقت للمرة الأولى في هذا التاريخ، وعندما أراد الدكتور زكي طليمات تكوين مسرح بالكويت وقفت أمامه ليختبر قدراتي المسرحية، فطلب منى أداء مشهد، ووقتها كنت أحفظ جملة فقلتها بطريقة مسرحية، فقال لي توقف ولا تكمل أنت مجاز، وظللت أربع سنوات معه شاركت فيها مع مجموعة من الممثلين في بعض المسرحيات مثل صقر قريش باللغة العربية، وغيرها من المسرحيات الكويتية إلى أن توقف الدكتور طليمات. وواصلت المسيرة.

جماهيرية العيدروس

ويتابع: من المسرحيات التي أسهمت في شهرتي « اغنم زمانك» وللمرة الأولى يطلع فيها محمد جابر بدور «العيدروس» هذه الشخصية التي توالت على من المخرجين حتى عام 1985 وفي أحد لقاءاته مع بعض الشخصيات المهمة في الكويت، قال لي أحدهم «مرحبا بالعيدروس، فقلت له طال عمرك أنا محمد جابر، فرد عليه بقوله أنا ما أعرف محمد جابر، لكنني أعرف العيدروس، أنت هذا الشخص اللي أريد وما أعرف غيره»، وتوقفت عنها لمواجهة نقد الصحافة التي قالت: إن محمد جابر غير قادر على تجسيد شخصية أخرى غير العيدروس» فكان ذلك بمثابة تحد جديد، وبالفعل أثبت أني قادر على تجسيد جميع الشخصيات، وكتبت بعدها الصحافة أن محمد جابر ملك وقادر على تجسيد أية شخصية تسند إليه، وطلب مني وزير الإعلام الكويتي تجسيد شخصية العيدروس مرة أخرى مع حياة الفهد في مسلسل حمل اسم «المقدر كاين» ورجعت لهذا الدور من جديد، حتى وصل عدد الحلقات إلى 90 والطريف أنني عندما كنت أمر على الناس في أثناء أوقات العمل يضعون الراديوهات على آذانهم ويستمعون للمسلسل، وكانوا يطلبون مني الاستمرار في أداء هذه الشخصية.

شاهد عصر

لكونه شاهد عصر على زمنين مختلفين مر الفن خلالهما بتحولات كثيرة فهو يرى محمد جابر أنه في هذا العصر تعددت وسائل التكنولوجيا التي غيرت نمط كاميرات التصوير المزودة بتقنيات عالية، ويذكر أنه قديماً عندما كان يؤدي 13 مشهداً يقابلهم العدد نفسه من تجهيزات الديكور، وينتهي من تصوير ما يخصه لم يكن باستطاعته الخروج من الاستوديو بحيث إذا أخطأ فنان فهنا يلزم أن يعيد أيضاً محمد جابر مشهده، ضمن المشاهد الأخرى المعادة، لذا فإنه على قناعة بأن الفن في الماضي كان يولد من رحم المعاناة.

النص أولاً

لا يقبل محمد جابر بالمشاركة في أي عمل قبل قراءته جيداً ويذكر قصة جرت وقائعها معه منذ سبع سنوات تتمثل في أن إحدى شركات الإنتاج وضعت أمامه عقداً لبطولة عمل درامي وطلبت منه أن يضع المبلغ الذي يريد لكنه رفض وأصر على أن يطلع على النص أولاً، ويورد جابر أن مبادئه الفنية لا يمكن التنازل عنها، وأن ما يفعله بعض الفنانين في مثل هذه المواقف لا يتوافق مع شخصيته الفنية، فهو يعرف جيداً أن بعض الفنانين يوقعون على العقود قبل قراءة النصوص من أجل العائد المادي، ويلفت إلى أن السينما في الكويت لم تنجح لكونها اتجهت إلى التركيز على الأعمال الدرامية، إذ إنه طالب في العديد من المقابلات الصحفية والتلفزيونية بدعمها نظراً لوجود عدد من المخرجين المتميزين في الكويت، ولا يخفي أنه لم يتابع في الموسم الرمضاني الماضي إلا مسلسل «العراف» للفنان عادل إمام.

المصدر: صحيفة الاتحاد