كشف فنان العرب، محمد عبده، أن السر وراء عزوفه عن الظهور على شاشة التلفزيون السعودي هو «فتاوى تحريم الغناء»، متسائلاً «كيف أظهر على الشاشة مطرباً، وبعد دقائق يطل على المشاهد شخص ما يطلق فتاوى بتحريم الغناء على الشاشة نفسها؟»، مضيفاً أن «الساحة العربية أصبحت زاخرة بقنوات عديدة سواء شاملة أو متخصصة في الطرب والفنون، ولست مضطراً إلى مسايرة تلك التناقضات».
وأكد أن تيار الثقافة الدينية السائد في بلاده لم يمنعه الحرص على تعليم بناته فنون الموسيقى المختلفة. وقال إن «بناتي عازفات للموسيقى، وأفخر بأن كل بنت منهن تجيد العزف بمهارة على إحدى الآلات الموسيقية، ما بين العود والبيانو والأورغ وغيرها».
وحول سبب وجود ملحن وحيد بتوقيع «طلال» للأغاني التسع التي كتب كلماتها شعراء متعددون في ألبومه الجديد «بعلن عليها الحب»، أضاف عبده «في واقع الأمر فإن ثلاثة ملحنين قاموا بوضع ألحان الأغاني التسع، لكن تمت الإشارة إلى اسم طلال فقط، تكريماً وتقديراً لذكرى الفنان الراحل طلال مداح». ولم يشر الفنان عبده، من قريب أو بعيد، إلى حقيقة ما علمته «الإمارات اليوم» عن مشاركة أمير سعودي في وضع ألحان هذا الألبوم، فضل الإشارة فقط إلى اسمه الأول.
وشدد عبده على ضرورة التفرقة في هذا السياق بين ما سماه «الغناء الماجن»، وبين غيره ممن يعلي من قيم الحب والخير والجمال، مؤكداً أن كل الديانات والثقافات تستهجن النوع الأول، بما في ذلك الثقافة العربية قبل الإسلام، مضيفاً «علينا أن نكون واضحين وصريحين مع أنفسنا ما إذا كنا نريد في إعلامنا الرسمي الفن أو اللا فن».
ورأى الفنان السعودي أن مفهوم «الفن الحرام» موجود وقائم بالفعل، وتقدمه منابر ومؤسسات محسوبة على المشهد الثقافي أو الإعلامي العربي، معتبراً اياه «امتداداً لشعر إثارة العصبيات القبلية والهجاء المقذع قبل الاسلام، لكنه يعاد إنتاجه الآن في سياق مغلوط»، مؤكداً أن التفرقة بين الفن الراقي وسواه يجب أن تظل قائمة.
حفل دبي
أضاف عبده، الذي اختار دبي لتشهد عودته إلى إحياء الحفلات الغنائية عبر حفل استضافه، الليلة الماضية، مركز دبي التجاري العالمي، بعد انقطاع طال ثلاث سنوات بسبب حالته الصحية، «الموسيقى لغة العالم التي لا تحتاج إلى ترجمة، ولا يمكن ان تحمل في ذاتها اي مضمون مسيء، إذ يتعدى تأثيرها الكائن البشري، ليتفاعل معها شتى الكائنات الحية».
وأعرب عن أسفه للمستوى المتدني الذي وصلت إليه الكلمة المغناة بصفة عامة، مقراً بأن «زمن الكلمة الجميلة قد ولى»، ومضيفاً «أجد صعوبة كبيرة في العثور على كلمات على مستوى فني عالٍ، وهذا هو أهم اسباب عزوفي عن الغناء بوتيرة ترضي الجمهور».
لكن عبده حدد نطاق حكمه على مجال الأغنية الكلاسيكية والرومانسية التي شهدت تألقه على مدار عقود مع عمالقة الأغنية العربية عموماً.
ندرة الكلمة
لم يتردد فنان العرب في الاعتراف بأن هذا الفقر الشديد في الكلمة جعله لا يضمن في ألبومه الجديد سوى أغنيتين على الأكثر يعدهما في نطاق الأعمال الجيدة، من مجموع تسع أغانٍ، مجيباً عن سؤال حول سبب إقدامه على تصوير جميع اغنيات الألبوم التسع بطريقة «فيديو كليب» لأول مرة في مشواره الفني، بقوله إنه أراد أن يتيح بالفعل مزيداً من الفرجة لأعماله الغنائية التي تزخر مكتبة الأغاني بالمسموع منها في مقابل ندرة المرئي.
جاء ذلك في لقاء إعلامي بدا فريداً من نوعه جمعه مع ممثلي وسائل الإعلام العربية الذين جاؤوا خصيصاً لحضوره، مساء أول من أمس، في فندق أرماني ببرج خليفة في دبي، واستقبل فيه عبده تساؤلات الإعلاميين باحتفاء بالغ، معرباً عن استعداده للإجابة عن «مختلف الأسئلة القوية»، وهو اللقاء الذي جمعه بمدير عام شركة روتانا للصوتيات، سالم الهندي.
وجاء مختلف إجابات عبده تفصيلية وقاطعة بعد ثلاث سنوات من الغياب عن الوسطين الفني والإعلامي، مؤكداً أنه لم يخش المرض، كما أنه لم يخش شائعات وفاته المتكررة في حد ذاتها، مضيفاً «ما يسيئني وأتحسب له في هذا الصدد أن يكون خبر وفاتي صحيحاً ذات مرة، فتختلط الحقيقة بالشائعة، ويغيب عن العزاء في موتي أحبائي، وهذا حرمان وأذى شديد قد يتسبب فيه مروجو تلك الشائعات المؤذية».
لكن عبده رأى أن مروجي تلك الشائعات في المقابل قدموا له خدمة لم يتوقعوها من خلال معايشته ووقوفه على محبة الناس له، مضيفاً «لا أعتقد أن من بين الأحياء من يقدر له أن يلمس مقدار اللوعة على فراقه، وهو لايزال على قيد الحياة».
ورأى عبده، الذي خاطبه كثيرون في هذا اللقاء بكنيته (ابو عبدالرحمن)، أن بعض الشائعات الأخرى تبدو لأغراض شخصية يحاول فيها البعض الدخول إلى دائرة شهرة الفنان، وهو ما أحال فيها لشائعات تطال خطبته أو زواجه السري، في إشارة إلى شائعة أطلقتها فنانة أكدت فيها زواجهما، وهي الشائعة التي قام بتحريك دعوى قضائية بصددها.
تلفزيون متخبط
توقف الفنان محمد عبده طويلاً عند ثنائية «الدين والفن»، مضيفاً أن «نتاج الثقافة الدينية التي صنعها البعض متبدٍّ في ضعف الإعلام الحكومي السعودي، ما جعل الصحف الحكومية تفقد ألقها، فصحيفة (أم القرى) على سبيل المثال لم يعد يلتفت إليها أحد، إلا من أجل تمرير إعلان اعتيادي مثل التنازل عن رخصة تجارية وخلافه، في الوقت الذي يعيش فيه التلفزيون حالة من التخبط والتناقض في علاقته بالفن بسبب غياب وضوح الرؤية، وغياب الاستراتيجية المهنية».
ورفض عبده أن يزايد أحد على موقفه من تلفزيون بلاده، مضيفاً «لا يوجد فنان لا يريد ان يطور بلده ويشارك في نهضتها بأدواته، ومنذ انطلق التلفزيون السعودي ونحن نحارب ونضارب لإيجاد قدم راسخة لنا فيه، من منطلق قناعة بأن الفن ثقافة تصل بها إلى الشعوب الأخرى من دون تطرف او عصبية، خصوصاً في ما يتعلق بالموسيقى التي تمثل أداة حقيقية للتواصل مع ثقافات الأمم المختلفة، لكن انعدام الوضوح في علاقة تلك المؤسسات بالفن اصبح شديد الإرباك».
وانتقد عبده أيضاً علاقة المؤسسات التعليمية بالموسيقى في الوقت الحالي، «من المؤسف ان مناهج الموسيقى التي استقرت في مناهجنا منذ فترة مبكرة تعاصر حصولي على الشهادة الابتدائية، ثم الدبلوم الصناعي الثانوي، وتمارس فعلياً ضمن حصص الأنشطة التي تأتي الموسيقى في صدارتها، لم تعد موجودة سوى نظرياً فقط، في صورة مقررات مكتوبة من دون تطبيق أو ممارسة، بسبب هذا الربط المغلوط بين الغناء والمجون».
رأى فنان العرب أن «إقدام فنانين غير خليجيين على أداء الأغنية الخليجية ظاهرة صحية، ومؤشر إلى انتشارها بشكل اكبر على صعيد يتجاوز حيزها المكاني». وقال «هذا المشهد إثراء للأغنية الخليجية، ومؤشر إلى أن هامتها تساوت بهامة الأغنية العربية في دول عدة»، مؤكداً أن هذا لا يتنافى مع تأكيده بأنه «يجب على الأغنية الخليجية ان تحافظ على عذريتها، وألا تذهب بعيداً عن مكانها الأصلي»، وفق وصفه.
رحابة صدر الفنان محمد عبده اتسعت لجميع الأسئلة الموجهة، بما في ذلك تلك التي جاءت بذكر اسماء بعينها، بل إن عبده استوجب تصفيقاً لحضور اللقاء الإعلامي عندما تعامل بهدوء مع أحدها الذي جاء بصيغة «أين أغاني محمد عبده من التعاون مع الملحن وليد فايد»؟، ليصرح: «الصحيح أن يكون السؤال معكوساً وهو : الملحن وليد فايد أين هو من أعمال الفنان محمد عبده»؟!
«أراب أيدول»
الفنان محمد عبده قال عن أحدث المواقف الطريفة التي صادفته، إنه اندهش كثيراً حينما وجد رد فعل مرحباً من مدير عام شركة روتانا للصوتيات سالم الهندي، باعتذاره عن عدم حضور الحلقة الأخيرة من برنامج «أراب أيدول» بعد إعلان استضافته، مضيفاً «اختلط عليَّ الأمر، ونسيت ان البرنامج يبث على (إم بي سي)، وليس (روتانا)». وكشف عبده عن أنه اضطر إلى الاعتذار بسبب سوء تفاهم على موعد استضافته، مضيفاً «توقعت أن تكون الاستضافة الجمعة وليس السبت الذي كنت مرتبطاً فيه بموعد مع الطبيب، الذي كان يتهيأ في اليوم التالي مباشرة لقضاء إجازة خارج البلاد».
الاقتراب من الجمهور
وجد الفنان محمد عبده صعوبة في أن يحدد أغنيات بعينها هي الأكثر قرباً منه، مشيراً إلى أن مكتبته الخاصة تضم أكثر من 1500 أغنية، واختيار 1٪ منها بالتقدير فقط يعني قائمة تطول لـ150 أغنية.
رغم ذلك قال عبده إن «أروع الأغاني لأي فنان هي تلك التي يقترب فيها أكثر من حس الجمهور، ومجتمعه»، معترفاً بأن ثمة أغاني حظيت بتفاعل أكبر لهذا السبب»، مضيفاً ان الأغاني الأكثر شعبية مثل «ليلة خميس»، و«مالي ومال الناس»، و«الأماكن» جميعها كانت لها مناسباتها الخاصة التي جاءت تجاوباً لها، مشيراً إلى أن «الأماكن» ترافقت مع أحداث أليمة عصفت بلبنان الذي دعا له بالأمن والاستقرار هو وسائر بلدان الوطن العربي في تلك المرحلة العصيبة.
لا للاعتزال
رحب الفنان محمد عبده بفكرة تحويل سيرته الذاتية إلى عمل تلفزيوني، لكنه رشح أن يسند دوره في هذه الحالة لممثل غير معروف، رافضاً ترشيح اسم بعينه من الممثلين الموجودين على الساحة.
ورفض فكرة «اعتزال الفن»، مضيفاً أن «الفنان الحقيقي لا يعتزله فنه، فهو ليس لاعب كرة له عمر محدد مرتبط بلياقته البدنية، أو ممثلاً تنحصر عنه الأدوار بانحسار أضواء الشهرة، بل الفنان الحقيقي كلما كبر، ازدادت موهبته نضجاً، ومن ثم ازداد ألقاً».
ورفض فنان العرب أن يسمي خليفة له على الساحة عن طريق تقليد «تسليم الشارة»، مضيفاً «لا فنان يشبه الآخر، وساحة الطرب العربي ليست عاقراً، وستظل ولادة».
سالم الهندي: التدخل «صفر»
اعترف مدير عام شركة روتانا للصوتيات، سالم الهندي، بأن «الشركة تتدخل في اختيار الأغاني والألحان مع معظم الفنانين المتعاقدين معها باعتبارها جهة الإنتاج»، لكنه أكد أن «درجة تدخل الشركة أو اي شخص يمثلها في اختيارات محمد عبده هي (صفر) تماماً». وأشار إلى أن المشهد الفني افتقد الكثير بغياب عبده، مؤكداً أن «في العمل مع القامة الفنية العالية يشعر الجميع دائماً بأن كل ما يقدم من اجل الاستثمار الأمثل لتدفق عطائها الفني لن يتجاوز القصور».
المصدر: الامارات اليوم