كاتب سعودي
غالباً ما يتعرف الناس على القائد السياسي من خلال قراراته ومشاريعه ورؤاه المعلنة وغاياته الطموحة وأهدافه المرسومة، وهم يستقرئون ذلك ويرصدونه، ويكونّون رؤاهم تجاهه عبر نتائج تخطيطه وتنفيذه، وهو ما جرى سعودياً مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. عرف السعوديون الأمير الشاب من خلال رئاسته لمجلس الاقتصاد والتنمية الذي يضم عضوية بضعة عشر وزيراً كما عرفوه كوزيرٍ للدفاع، ومن بعد ولياً لولي العهد وحاملاً للأمانة ومتشحاً بالشرعية السياسية، ثلاثة مواقع بالغة الأهمية في الدولة توضح مكانة الأمير الصاعد لأعلى الهرم السياسي والإداري في البلاد.
لقد فرض أسلوبه الذي يتميز بالحرص الشديد على الكمال مع السرعة البالغة في التنفيذ على المجلس، بمعنى أنه ألزم كل وزير بتقديم رؤية شاملةٍ لمشكلات وزارته بناء على أحدث الأساليب العلمية، وأن يقدّم رؤيةً مستقبلية لحل تلك المشكلات وقبل هذا كيف يجب أن تكون الرؤية شاملة للبناء والتطوير ومواجهة التحديات المتوقعة مستقبلاً وليس الاقتصار على معالجة المشكلات الحالية.
وفي منصبه كوزير للدفاع قام بعد فترة وجيزةٍ بقيادة «عاصفة الحزم» التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد شمل العمل عليها عدة مستويات متكاملة شملت غطاء الشرعية الدولية، وذلك من خلال العمل الدؤوب لاستصدار قرار من مجلس الأمن يدعم قرار الحرب السعودي، ومستوى بناء تحالف سياسي وعسكري متماسك في فترة وجيزة مكوّن من عشر دول عربية، ويحظى بدعم عربي وإسلامي ودولي، ثم مستوى تنفيذ الحرب والدخول فيها بشكل مباشرٍ ما أوصل عدة رسائل مهمة.
الرسالة الأولى، للمنطقة والقوى المتصارعة فيها أوضحت القوة العسكرية الضاربة للقوات المسلحة السعودية، وبالذات القوّات الجوية التي أرعبت خصوم السعودية في المنطقة، فصمتوا عن التعليق على «عاصفة الحزم» لما يقرب من أسبوعين.
والرسالة الثانية، كانت للمثقفين العرب وللشعوب العربية بأن السعودية قادرةٌ على الدفاع عن مصالحهم أمام كيد الأعداء ومكر الخصوم في حين أن بعضهم عاش زمناً طويلاً على شعاراتٍ إيديولوجيةٍ جوفاء لم تجلب سوى الهزائم، وعادوا ليفتخروا بعروبتهم من جديد. والرسالة الثالثة، هي إعلان السعودية لنفسها بقوتها الذاتية السياسية والاقتصادية والعسكرية ومكانتها الدينية قائدةً للدول العربية في المنقطة وبقوة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وهي مكانة جرى إثباتها والتأكيد عليها في الملف اليمني كما في باقي ملفات المنطقة التي باتت السعودية تتحرك فيها بقوة مواقف وبتخطيط جديد ورؤيةٍ جديدةٍ.
وكولي لولي العهد قامت في السعودية حركة تطوير كبرى في مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة لبعضها وتطوير للعلاقات البيروقراطية التي كانت تربط بعضها ببعض، وفي زياراته الخارجية وبناء العلاقات الدولية أصبحت السعودية تنهج نهجاً جديداً قائماً على تبادل المصالح وعرض الفرص الاستثمارية وتطوير العلاقات عبر ملفاتٍ متكاملةٍ تخص كل بلدٍ زاره، وينتج عنها توقع عددٍ من الاتفاقيات التي تخدم مصالح السعودية ومستقبل شعبها، حدث هذا في زيارته لفرنسا وفي زيارته لروسيا كما حدث مؤخراً في زيارة الملك سلمان لأمريكا.
تسنّت لكاتب هذه السطور فرصة للقاء ولي ولي العهد السعودي أثناء زيارة الملك سلمان لواشنطن، ضمن وفد إعلاميٍ وفكريٍ كان مرافقاً للبعثة الملكية، فرأينا -باتفاق الزملاء-رجل دولةٍ من طرازٍ رفيعٍ، وقائداً مختلفاً، وشاباً يتوقد ذكاء وثقةً، وكان اللقاء باعثاً على الطمأنينة على مستقبل السعودية وأنها حقاً في أيدٍ أمينةٍ.
تشعر وهو يتحدث ويجيب على كافة الأسئلة من القضايا الداخلية إلى الصراعات الإقليمية وصولاً للتوازنات الدولية أن سرعة الأفكار في ذهنه أكبر من قدرة لسانه على ملاحقتها، فهو تحدث في كل ملفٍ أو قضية من خلال معرفة واسعة بالتفاصيل وبالأرقام والإحصائيات الحاضرة في ذهنه ثم يجمعها في سياق واحد وخطة شاملة مع رؤية مستقبلية واضحة وواعيةٍ وقابلة للتطبيق والتنفيذ. أخيراً، فحقيقةً نحن أمام رجل دولةٍ يخدم بلاده ومليكه وولي عهده الأمين، وهو متفائل حدّ الإقدام، وواعٍ حدّ التوازن، يساير التنظير حدّ الاستيعاب ويمضي مع التطبيق حدّ الإنجاز، وهو ينظر ويدير ملفات المنطقة بكل واقعية ممكنة، وبكل عقلانية مدركةٍ، يدعم الحلفاء ويلاعب الخصوم.
المصدر: صحيفة الاتحاد