بقلم أ. د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء
هذه كلمةٌ متواضعة دافعها الحب ورائدها الاعتراف بفضل أهل الفضل، أكتبها في حقّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بياناً عن مناقبه السامية في إدارة الدولة من خلال ثنائية (الحب والواجب)، فالحبّ هو عطاءُ القلب، والواجب هو مقتضى العقل، وإنّ المتأمل في سيرة صاحب السموّ في إدارة الدولة يجده شديد التمسك بهذه الثنائية، فهو مرهف الإحساس بقيمة الإنجاز ويكافئ عليه، ويُشيع ملامحَ الدفء والحب بين أبناء الوطن تقديراً لإنجازاتهم، وهو في الوقت نفسه ينظر بعين النسر لكل إنجاز ويرصد ملامح الإبداع والتقصير فيه، فكما كافأ الإنجاز المتميّز نراه لا يتوانى في محاسبة العامل المقصر، لأن السكوت عن مظاهر الخلل هو أولى الخطوات نحو الترهّل والفساد الإداري، وبقدر ما يصرّح سموّه بحبه للإبداع والمبدعين، فإنه يُعلنُ على الملأ أنه العدوّ اللدود للفساد والتقصير المقصود، أما الخطأ غير المقصود فإنّ كرم أخلاقه يجعله يُغضي ويصفح ويمنح الفرصة تلو الفرصة، لأن تصحيح المسيرة الإدارية للدولة هو الإنجاز الأبقى والأكثر فائدة وديمومة.
إنجازات تبهر العقول
لا يمكن الحديث عن إنجازات قامة شامخة كقامة صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد في مقال، بل ولا في كتاب، وإن أردت الإحاطة بإنجازاته، رعاه الله، فإنّك تحتاج إلى مجلّدات.
لقد حبا الله صاحب السّموّ الشيخ محمّد بإنجازات لا يمكن تحقيقها في ظلّ القيادات العادية، لكن سموه، رعاه الله، تجاوز ذلك.
أثبت، رعاه الله، للعالم أنّ القائد إذا وضع نصب عينه إرضاء ربّه استمدّ منه سبحانه العون والتسديد، ثمّ قام بواجبه والسعي نحو إسعاد شعبه فإنّه لا يعرف مستحيلاً، بل يتحوّل المستحيل عنده إلى الممكن بل المنجز، وهذا ما يشاهده كلّ من زار دبي قبل تولّي سموه مقاليد الحكم وبعد تولّيه؛ ويجد الفرق ظاهراً والبون شاسعاً؛ لا يمكن للإنسان أن يتخيّل أن تُصبحَ دبي على ما هي عليه الآن.
أصبحت مدينة دبي مدينة عصريّة بكلّ ما تعنيه الكلمة ثمّ بدأت تتحوّل لتكون مدينة ذكيّة، وأصبحت لها سمعة عالمية؛ يشار إليها بالبنان في كونها مدينة متميّزة بكل المقاييس، وبفضل هذه النظرة البعيدة لصاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لم تَعُد تنافس المدن المتقدّمة بل أضحت أنموذجاً للمدينة الّتي تسعى المدن المتقدّمة للحاق بها، هذه المدينة الّتي لا تنام أبداً، فهي في تطوّر دائم ونهضة مستمرّة وعمران متواصل وخدماتٍ متميّزة وبنية تحتيّة راقية في كلّ جوانبها، مدينة تختصر الزّمن والمسافات في تقدّمها ونموّها في كلّ اتجاه، هذه المدينة الّتي إن غبت عنها فترة قصيرة لربّما لا تستطيع أن تعرفها بفضل التطوّر المتواصل، والأفكار الخلّاقة الّتي يسعى إليها حاكم دبي، لتُترجم إلى أفعالٍ على أرض الواقع.
هذه المدينة إن نظرت إلى العمران فيها فهي من أرقى المدن وأجملها.. إبداعٌ في التصميم وابتكارٌ في التنفيذ، وجمالٌ في الشكل، ورونقٌ وبهاءٌ في الصورة، وتميّز وتطوّر وتقدّم في الواقع.
البنية التحتية
وإن نظرت إلى البنية التحتية الّتي تحظى بها فهي في القمّة من حيث الخدمات؛ سواء ما يتعلّق بالطاقة أو النظافة أو المرفقات اللازمة، لا سيّما في الأبراج العالية وناطحات السّحاب سواء بسواء مع الفلل والمنازل الّتي تُشيّد على نطاق الدور الأرضي أو أدوار قليلة.
لا يمكن أن تسمع بانقطاع الطاقة عن أعلى قمّة في الأبراج العالية، ولا يمكن أن تسمع شكوى بشأن المصاعد أو الخدمات المتعلّقة بالنظافة أو الأمان، وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على تخطيط متميّز وتطبيقٍ رائع، وسهر دائم على إسعاد الناس، وحرصٍ دائم على توفير كلّ الخدمات لمدينة تسعى لأن تكون في مقدّمة المدن المتطوّرة.
ومع هذه الخدمات فإن هذه العمارات الشاهقة تحظى بالعناية والرّعاية وتتمتع بكلّ الخدمات الّتي من شأنها أن تمنع وقوع أي كارثة -لا قدّر الله-، وهذا يدلّ على جاهزية الإدارات المعنيّة، ولم يكن الأمر ليكون على هذه الصورة المتكاملة إلا لأنّ حاكم دبي، رعاه الله، جعل نُصب عينيه هذا التخطيط المحكم، ويتابع بصورة مباشرة تنفيذ ما خطط في دقّة وإتقان لا تجد لها مثيلاً.
وإن أردت الحديث عن المواصلات فهي في تطوّر دائم؛ وقد تغيّرت ملامح المدينة في أقلّ من عقدين، بعد أن كانت المدينة تحظى بنفق واحد وجسورٍ قليلة إذا بها تتمتع بمنظومة متكاملة من الأنفاق والجسور الرّاقية، فضلاً عن المواصلات العامّة بصورها المختلفة من الباصات، وسيّارات الأجرة، والمترو، والترام، والتاكسي المائي الّتي تُسهّل وصول الناس إلى وجهتهم.
وإمعاناً في الجمال وزيادة في بهاء هذه المدينة أمر صاحب السّموّ بشقّ قناةٍ مائية في غاية الجمال، ولينعم سكّان المناطق المحيطة بها بما ينعم به قاطنو جهتي خور دبي الشهير من مناظر خلّابة وحركة دؤوبة.
الطيران والموانئ
أمّا الحديث عن حركة الطيران في دبي وتطوّر منظومتها فيطول، والمتتبّع لتوجيهات صاحب السّموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم يرى ما تحقّق بفضل هذه النظرة البعيدة من إنشاء طيران الإمارات وأسطولها الجويّ الضخم، فضلاً عن طيران فلاي دبي والمطارات الّتي يُضرب بها المثل من حيث السعة والفخامة والتميّز، والحركة المتواصلة حتّى غدت مطارات دبي المتعدّدة من أفضل الوجهات لشركات الطيران المختلفة، مع الاحتفاظ بجودة الخدمة، ومتابعة صاحب السّموّ المستمرّة وزياراته الميدانية لمرافق المطارات جعل كلَّ من يسافر عبر مطارات دبي، يتمنّى أن تحذو المطارات الأخرى حذو مطارات دبي، وتكون في مستوى جودتها وسرعة خدماتها مع الإتقان والابتكار، بحيث لا يستغرق معاملة الشخص الواحد إلا ثواني معدودة، ويُدرك هذا كلُّ من سافر إلى المطارات الأخرى وشاهد قلّة الخدمات والبطء في إنجاز المعاملات، رغم أنّها لا تحظى بهذا الكمّ من المسافرين.
وكذلك الحال في الموانئ البحرية والتطوّر المستمرّ فيها، حتّى أضحت موانئ دبي تدير جملة من موانئ العالم؛ اعترافاً منها بكفاءتها وحسن إدارتها.
وإن جُلْتَ ببصرك نحو الخدمات الصحيّة وجدت التطوّر المستمرّ والنهضة الخلّاقة في المستشفيات، والمراكز الصحّيّة؛ فضلاً عن المدن الصحّيّة الّتي نشأت في دبي لؤلؤة الخليج، وتوافرت كافّة الخدمات الصحّيّة فيها بمختلف صورها وأشكالها.
إنّ من يعرف صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، يدرك حقيقة طموحه الذي يُطاولُ عنان السّماء، والطموح إذا صاحَبَهُ العمل لنيل الغاية فإنّه يكون طموحاً نبيلاً، ولا بدّ أن يتحقّق، وليس طموحاً مبنيّاً على آمال دون أن يتبعه عملٌ جادٌّ ومُضْنٍ، بل تتواصل فيه الهمّةُ بالليل والنّهار، لا يعرف صاحب السمو الكلل ولا الملل، ولا تثنيه العقبات ولا الصروف المتتابعة، بل يعمل بجدّ وعزيمة كالجبال الرّاسخة نحو تذليل تلك العقبات ودفع الصروف وإزالة الشدائد، وهكذا النفس البشرية تختلف من شخصٍ إلى آخر، وتتفاوت في تفكيرها بين عظيمة لا ترضى بالقليل ولا بالمراتب والمراكز المتوسطة فضلاً عن المتأخرة، وبين أخرى رضيت بالدون واستسلمت للواقع، وظنّت أنّ هذا قدرها، لكن الشيخ محمد وهو القائد الّذي يتمتّع بأخلاق الفرسان لا يرضى بغير الصّدارة؛
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
الصّدارة في منظور الشيخ محمد تعني النهضة الشاملة والتنمية الكُبرى، يرى التميّز في استيعاب الحضارات وعدم الوقوف عندها بل العبور عبرها إلى آفاق جديدة من التطوير والتميّز، ويرى أنّ تحقيق ذلك ممكن إذا تحوّل شعب بكامله إلى فريق عملٍ واحدٍ، وهذا ما سعى إليه وهذا ما حقّقه في الإمارات عموماً ودبي خصوصاً.
فريق العمل والإبداع
يؤمن سموه بأنّه إذا أراد الله بشعبٍ خيراً هيّأ له قيادة متميّزة واعية تطلق طاقاتِ الحريّة والتميّز والإبداع والتطوير لدى الأحرار المتميّزين والمبدعين والمطوّرين، وقد سعى لتحقيق ذلك في الإمارات وتمكّن من تحقيقه، إذ اكتشف أنّ معادلة صنع التطوّر والحضارة تكمن في العمل الجادّ بروح فريقٍ واحدٍ مع منح الفرصة للمتميّزين والمبدعين؛ لأنّ خمسين سنة من الإبداع والتميّز المكثّفين في نظره يمكن أن تدفع أمّة بأسرها ألف عام.
وما أجمل ما أورده من عبارة في كتابه «رؤيتي» تلخّص الموضوع: «إذا واجهتَ تحدّياً يتطلّب إيجاد الحلّ أو اتّخاذ القرار فأمامك خياران: إمّا أن تأخذ فكرة مَن سبقوك وتتبعها، وإمّا أن تستفزّ همّة قدراتك الإبداعية وطاقتك العقليّة وتطوّر فكرة جديدة وعملاً جديداً… إذا كانت هذه الأفكار «المستعملة» تناسب الآخرين فهي لا تناسبنا، لأنّ طموحاتنا أكبر من هذا بكثير، ولا يرتضي لنا الطموح أن نكون تابعين… وأقصر طريق للوصول إلى المستقبل المشرق الّذي نريده هو طريق الرّيادة، ومن أراد أن يتبعنا بعد ذلك فليفعل».
ويضع سموه منهجاً قويماً لفريق عمله ليحقق هذا الطموح: «لا بدّ أن نأخذ الأولويّة، لا بدّ أن نكون في المقدّمة، إن لم نفعل هذا فستفوتنا الفرص الكبيرة، ولن يبقى لنا سوى فتات طعام الأُسود، الله أعطى المؤمن البصر والبصيرة؛ البصر ليرى ما حوله في يومه، والبصيرة لكي يحسب عواقب الأمور ونتائجها ويفكر بما يمكن أن يحمله إليه غده»، فلا بدّ من الاستعداد لما يمكن أن يحمله المستقبل من تحدّيات، بل والتسابق في الخطوات للبقاء في الصّدارة.
ضوابط الأخلاق
صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، يرى متعة الحياة في أن تعمل عملاً لم يسبقك إليه أحد ولم يتوقّعه منك الآخرون؛ كلُّ ذلك في إطار ضوابط الشرع والأخلاق الّتي لا يحيدُ عنها قيد أنملة، ويؤكّد عليها في كلّ حين، ولذلك جعل هدفه تحقيق الرقم واحد في كلّ خير، وكلّ تقدّم وتطوّر، معلّلاً ذلك بأنّ العالم يتذكّر دائماً أصحاب المراكز الأولى فيما يغيب عن الأذهان من يأتون في المراتب الأخرى.
يقول، رعاه الله: «هدفنا الدائم أن نظلّ علامة فارقة يعرفها الجميع وتجربة فريدة للتقدّم والتطوّر، ولن يتحقّق هذا إلّا بوضع المركز الأوّل والرّقم واحد نصب أعيننا دائماً».
وبهذه الإرادة وهذا العزم وهذا العمل وهذه الغاية استطاعت دولة الإمارات بشكل عام ودبي بصورة خاصّة، أن تتبوّأ مكانة متميّزة بين الدول، فلا يكاد يصدر تقرير عالمي يتعلّق بالتقدّم والتطوّر والتميّز إلا ودولة الإمارات تكون في الصفوف الأولى؛ سواء في القطاع الصناعي، أو الإداري، أو الاقتصادي، أو النشاط السياحي أو العمران.
أصبحت دبي بفضل الله، ثمّ بالرؤية الحكيمة لصاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، محطّ أنظار العالم في هذا التطوّر والتقدّم في مختلف المجالات، وأضحت مقصد القادة وأصحاب القرار في المناحي المتعدّدة؛ السياسية والاقتصادية والإعلاميّة والتجاريّة والسياحيّة وغيرها، يعقدون فيها مؤتمراتهم، وينظّمون فيها منتدياتهم، ويديرون فيها ملتقياتهم؛ رغبةً منهم في إدراك السبب وراء هذا التغيير الهائل والتقدّم المذهل الّذي حصل في هذه البقعة من العالم، لعلّهم يستفيدون دروساً يمكنهم تطبيقها في دولهم، وما عرفوا أنّ القائد إذا كان مؤمناً بربّه ثمّ واثقاً بشعبه وبنفسه، ساعياً لخدمة وطنه، وراجياً في تحقيق السعادة والتقدّم لبلاده ورعيّته فلا شيء يخيفه في التّحدّيات، بل يراها تشحذ الهمم وتقوّي العزيمة وتطلق شرارة الإبداع والابتكار في الفكر والعمل؛ فهو كما يقول، رعاه الله: «ما رأيت في حياتي تحدِّياً إلّا وجدت في نفسي الرّغبة لقهره، واندفعت إليه بلا تردّد، وأعتبر نفسي محظوظاً لأنّي أعيش في عصر مليء بالتّحدّيات».
هذه الرؤية، وهذا الفكر، وهذا الطموح هو الّذي جعل دبي مقصداً للسيّاح من مختلف دول العالم ليشاهدوا العجائب في هذه المنطقة الّتي أضحت تنافس دولاً كانت عريقة في المجال السّياحي بما كان فيها من حضارات وآثار تاريخية، أو تتوافر فيها عوامل الجذب السّياحيّ من الطبيعة الخضراء والجبال الشاهقة والبراري الفسيحة والأنهار الجارية، والأجواء الباردة، إلّا أنّ الشيخ محمد، رعاه الله، استطاع بذكائه أن يجعل دبي في مقدّمة الأماكن السّياحيّة رغم حرارة الجوّ، وقلّة الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى الصحارى القاحلة، وقلّة الأمطار وانعدام الأنهار.
وأصبحت دبي تضمّ بين جنباتها العديد من الأرقام القياسية والفعاليّات المتميّزة، والخدمات الذّكيّة، والمناظر الخلّابة، والمباني الشاهقة، ومراكز التسوّق المبهرة، بالإضافة إلى المباني التاريخية والمتاحف الجميلة، والخدمات الرّائعة، والبيئة الآمنة، والأجواء النظيفة.
التميّز في الإدارة الحكوميّة
يرى صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد أنّ أزمة الأمّة العربية اليوم ليست أزمة مال أو أزمة رجال أو أزمة أخلاق أو أزمة أرض أو موارد، بل هي أزمة إدارة.
وأيمُ الله إنّه لصادق؛ إذ لو كانت الإدارة جيّدة لكان الاقتصاد جيّداً، وكذلك التعليم والإعلام والخدمات الحكومية والثقافة والفنون وكلّ شيء آخر.
أثبت الشيخ محمّد للعالم أجمع صحّة نظريّته في الإدارة؛ وهي أنّ الإدارة الجيّدة تتطلّب مديراً مبدعاً يضع نصب عينه العمل والإتقان فيه، والإخلاص والسّعي إلى التطوير المستمرّ، وإعداد كوادر مؤهّلة تعمل لمصلحة الوطن ولمصلحة المواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء.
الإدارة الجيّدة تعني تدريب الموظفين والعاملين وإكسابهم الخبرات المهنيّة وتوسيع أفقهم الوظيفي، وتعني الابتعاد عن الروتين القاتل، والتفكير بدلاً عن ذلك بطريقة إبداعية.
الإدارة الجيّدة تحتاج إلى الحزم والعزم، تحتاج إلى تنمية المواهب والتدريب الجيّد، والأخذ بأيدي أصحاب المواهب الواعدة وتعليمهم فنون اقتناص الفرص وممارسة العمل بصورة إبداعيّة، وتكريم المبتكرين، ونُصح العاملين المخطئين، ومحاسبة المهملين والمقصّرين.
للإدارة مهمّة محدّدة من وجهة نظر صاحب السّموّ الشيخ محمد، رعاه الله، هي: خدمة الرّعيّة بإخلاص، وإعلاء مصلحتهم على كلّ المصالح الأخرى.
إنّ السلوكيات الإدارية والأخلاق المهنية جزءٌ لا يتجزأ من النهضة الصحيحة، ولا مجال للفساد الإداري الذي ينخر في عظام المؤسسات الحكوميّة ويدمّرها؛ يقول سموّه: «الفساد الإداري في الإمارات نحن منه براء، لا نريده ولا نتحمّله، ولا مكان له في قلوبنا وإدارتنا، ولا شفاعة ولا تفهّم ولا رحمة لمن يستخدمه طريقاً شريراً لكسب الثروة بغير حقّ وبناء التحالفات وخدمة المحسوبيات وكسب الودّ والنفوذ… يجب استئصال هذا الفساد فوراً وإحالته إلى القضاء لينال العقاب الّذي يستحقّه».
من هذه الرؤية الثاقبة انطلق صاحب السّموّ الشيخ محمّد في تطبيق التّميّز الإداري فأنشأ جوائز متعدّدة للأداء الحكومي المتميّز، وخصّص مكافآت وترقيات للموظف المتميّز، والإدارة المتميّزة، وفِرق العمل المتميّزة.
المتابعة والزيارات الميدانيّة
يتابع سموه فرق عمله باستمرار، فيشجّع الموهوبين المبدعين، ويوجّه النصح للمخطئين، ويأمر بتدريب من يلمس ببعد نظره أنّه يمكن أن يكون إداريّاً متميّزاً، ويحاسب من يهملُ في عمله أو يقصّر في أداء واجبه الوظيفي، ولتحقيق حسن المتابعة يفاجئ موظفّي إداراته بزيارات ميدانيّة، وأصبحت الدوائر والوزارات بعد تولّي سموه رئاسة مجلس الوزراء عبارة عن خليّة نحل مليئة بالجدّ والاجتهاد والعمل الدؤوب لتسيير مصالح النّاس، وأصبحت هذه الإدارات في عهده وتحت ظلّ هذه المتابعة المستمرّة موطنَ إبداع وابتكار وتسهيل الأمور حتّى لا يكاد يصدّق المراجع سرعة ذلك الإنجاز، ولم يكتف بذلك بل يخطّط لأنّ تقدّم الإدارات الحكومية خدماتها على مدار اليوم والليلة طَوال العام، وذكر سموّه بأنّه يريد حكومة لا تنام، مثل شركات الطيران.
ظلّ سموه يسعى لأن تكون الإدارات الحكومية تقدّم خدماتها للمواطنين من خلال مراكز الخدمات الموحّدة، وها نحن نشاهد على أرض الواقع تلك المراكز الّتي تعمل على راحة المواطنين وتجنّبهم تضييع وقتهم لإنهاء المعاملات بين جهاتٍ عدّة.
ومع ذلك فإنّ طموح صاحب السّموّ أعلى من ذلك، وقد أعلن أنّه يهدف إلى أن يتيسّر للمراجع إنجاز معاملاته عبر هاتفه الذّكيّ دون أن يتكبّد عناء الحضور إلى الإدارات المختصّة والانتظار ضمن صفوف المراجعين.
الشباب هم ثروة الوطن
الشباب أمل المستقبل، هم الثروة الحقيقية، بهم تبنى الأوطان وبأفكارهم تزدهر المجتمعات؛ لأنّهم العنصر الأهمّ في التطوير، ودولتنا المباركة دأبت منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، على الاهتمام بهم والعناية بتعليمهم وتدريبهم، وتمكينهم من المهارات والمعارف المتنوّعة والثقافات المتعدّدة، والتخصّصات المختلفة، ولأجل تحقيق هذا الهدف السامي أنشئت المدارس والجامعات، وأنفقت الدولة على ابتعاثهم للتزوّد بسلاح العلم والمعرفة ليتمكّنوا من المعونة في تنمية الوطن ورُقيّه.
كان الآباء المؤسسون، رحمهم الله، يهتمّون بهم ويحضرونهم مجالسهم ويقفون على مطالبهم ويحقّقون لهم أمنياتهم.
وقد كان -ولا يزال- صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد محطّ أنظار الشّباب، يتأسّون به، ويسعون إلى إثبات وجودهم وإبراز جدارتهم لما يعلمون من اهتمام سموّه بالشّباب، وهو الّذي اختارهم لأرفع المناصب وأسند إليهم العديد من المسؤوليات في مختلف القطاعات، بل وأنشأ لهم وزارة خاصّة بهم ترأسها فتاة شابّة تعرف همومهم وتدرك حاجاتهم، كما أسّس مجلساً خاصّاً بهم.
يدرك صاحب السّموّ بثاقب نظره أنّ الشباب هم عنصر القوّة في أيّ مجتمع، يقرّبهم في مجلسه، يستشيرهم ويُشركهم في إدارة القطاعات المختلفة، وهو بهذا يقتدي بسيّد الخلق محمد، صلوات الله وسلامه عليه، الّذي أحاط به الشباب، وأسند إليهم الأعمال القياديّة، ولا سيّما في غزواته وسَراياه، ودعوته، وسفاراته.
والشباب إذا أعطيتهم الثقة في أنفسهم واهتممتَ بتربيتهم وتعليمهم ستجد العجب العُجاب في قدراتهم وإنجازاتهم، وكيف لا يكون الشيخ محمد، رعاه الله، كذلك، وهو الّذي تولّى رئاسة جهاز الشرطة والأمن العام في دبي عام 1969 م، وهو في العشرين من عمره، وتولّى في الثانية والعشرين من عمره منصب وزارة الدفاع في أوّل حكومة شُكّلت في دولة الإمارات العربية المتّحدة ليكون أصغر وزراء الدّفاع سنّاً في العالم. وهو الّذي يقرّر بأنّ عدم الاستجابة لتطلّعات الشباب الّذي يمثلون أكثر من نصف المجتمعات العربية هو سباحة عكس التيّار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
دولة الإمارات دولة شابّة وهي محلّ فخر واعتزاز، ولذلك يفتخر صاحب السّموّ الشيخ محمد بشباب الوطن ويرى ضرورة الاستثمار فيهم والتمكين لهم في الوطن، بل ويقول في تواضع معهود من الكبار أمثاله: «نؤمن بأنّهم أسرع منّا في التعلّم والتطوّر والمعرفة لامتلاكهم أدواتٍ لم نمتلكها عندما كنّا في أعمارهم ونعتقد جازمين بأنّهم هم الّذين سيصلون بدولتنا لمراحل جديدة من النموّ والتطوّر».
وقد شاهد العالم عندما قام صاحب السّموّ بالتعديل الوزاري الأخير كيف كان جُلُّ الوزراء الجدد من فئة الشباب، وهذا يدلّ على بُعد نظر سموّه، لا سيّما أنّه بنظرته الحكيمة يدرك أنّ هذه التخصّصات هي مجال اهتمامهم، وأنّه بذلك يُعدّهم للمستقبل الزاهر الّذي ينتظرهم، بإذن الله.
المرأة والتمكين
النساء شقائق الرّجال، وبهنّ يكتمل المجتمع، هنّ المربّيات للأجيال، وصانعات القادة، وكثيرٌ من القادة العظام سادوا وقادوا بفضل أمّهاتهم اللائي زرعن فيهم الطموح والهمّة العالية، ودرّبنهم على أخلاق العظماء، حتّى أصبحوا شامة في جبين التاريخ، وهذا سيّدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يعتزّ بأمّه وبحسن تربيتها له فيقول:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره
ضرغامُ آجامٍ وليثٌ قَسْوَره
على الأعادي مثل ريح صرصره
كليث غابات كريه المنظره
أكيلهم بالسيف كيل السندره
أضرب بالسيف رقاب الكفره
وهذا سيّدنا معاوية، رضي الله عنه، لما قالت امرأة رأته وهو صغير متفرّسة فيه: إنّه ليسود قومه، فأجابت أمّه: ثكِلْتُه إن لم يَسُدْ قومه.
والإسلام أعلى من شأن المرأة وأكرمها، ورفع قدرها، وأمر بإكرامها وساوى بينها وبين الرّجال في الأجر والإيمان والجزاء على حسن العمل، ووصّى بها سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، في خطبته العصماء يوم حجّة الوداع، والّتي أصبحت جزءاً من دستور هذه الأمّة.
والأمّ مدرّسة الأجيال، وصانعة الأبطال، ومعلّمة الأخلاق، ومربّية الفضائل، ولذلك قال أمير الشّعراء أحمد شوقي:
الأمّ مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيّب الأعراق
المرأة هي الأمّ، وهي الأخت، وهي البنت، وهي الزوجة، هي نبعُ الحنان ومنبع الحبّ، وملهمة الشعراء.
ولم يكرم المرأةَ دينٌ ولا شريعة كما كرّمها الإسلام، وأمر المؤمنين بإكرامها ومنحها حقوقها، وتوعّد من يظلمها أو يهضم حقوقها، وقد تجاوزت دولة الإمارات مرحلة التمكين للمرأة، بل وصلت إلى تمكين المجتمع عن طريق المرأة، كما قال الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، وأضاف: «نحن نمكّن اقتصادنا بتعزيز دور المرأة، ونطوّر خدماتنا الحكوميّة عندما تتولّى المرأة المناصب القياديّة، ونطلق مشاريعنا التنمويّة الّتي تقوم على إدارتها المرأة، ونطوّر بنيتنا التحتية وخدماتنا الصّحّية والتعليميّة اعتماداً على دور المرأة في هذه المجالات».
وبفضل هذه النظرة الثاقبة أصبحت دولة الإمارات متقدّمة على كثيرٍ من الدّول الّتي تتشدّق بحقوق المرأة كلاماً لا فعلاً.
فالمرأة الإماراتيّة في ظلّ قيادتنا الرّشيدة وصلت إلى سدّة رئاسة المجلس الوطني الاتّحادي، وتبوّأت مناصب وزارية، مثبتة جدارتها في كلّ وظيفة أو منصب، كما أثبتت كفاءتها في التعلّم والتعليم متفوّقة في كثير من التخصّصات.
وما أجمل كلام الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، عندما يقول: «المرأة روح المكان، المرأة تمتلك عاطفة جيّاشة، وقلباً رحيماً، وعقلاً ذكيّاً، وروحاً طموحاً ونظرة مختلفة للأمور. هي أقوى بكثير ممّا يظنّ الكثيرون، وهي أقرب إلينا أكثر ممّا نتصوّر، هل يستطيع أحدنا أن يحيا بغير أمّ أو أخت؟ وهل تملأ الرحمة البيوت بغير بنت أو زوجة؟ وهل يستطيع مجتمع أن يتقدّم بغير نصفه الآخر؟ وهل تحلو الحياة بغير روح الحياة؟».
ولقد أحسنت قيادتنا الرّشيدة عندما وفّرت بيئة مناسبة لإطلاق قدرات المرأة، بيئة تحفظ لها كرامتها وأنوثتها، وتساعدها على تحقيق التوازن في حياتها، بيئة تقدّر مواهبها وطاقاتها.
الإبداع والابتكار
يُعرف عن الشيخ محمد بن راشد أنّه قائد يُبدع في قيادته وإدارته، ويسعى لابتكار ما يعينه على السير بشعبه نحو التقدّم والتطوّر، ومعالجة الأمور بطريقة فريدة ومبتكرة؛ وذلك لما يمتلكه من قدرات وخصائص تمكّنه من تحويل الأفكار والاقتراحات إلى واقع ملموس، ومن هنا زاد اهتمام سموّه بالإبداع والابتكار لما يتلمّسه فيهما من طريق نحو تحسين الأداء وجودة الخدمات الحكوميّة؛ وقد حرص في التعديل الوزاري الأخير على إنشاء وزارات للمستقبل وللذكاء الاصطناعي، ووزارة دولة للعلوم المتقدّمة مهمّتها البحث والتطوير وصناعة الكفاءات العلميّة، وأضاف إلى مهمّة وزير التعليم العالي المهارات المتقدّمة لتجهيز كوادر الدولة بمهارات المستقبل والتأكّد من مواكبتهم لتلك المهارات.
إنّ القائد المتميّز هو الّذي يشجّع الإبداع والابتكار، يستمع إلى النّاس بمختلف أجناسهم، مواطنين ومقيمين، صغاراً وكباراً، مسؤولين وموظفين ومراجعين، يطالبهم بالأفكار المبدعة، والاقتراحات النافعة الّتي تسهم في تطوير البلاد والخدمات المقدّمة والسياسات الّتي تعتمدها.
الإبداع أهمّ أصل من أصول أيّة مؤسّسة حكومية كما يراها صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله؛ إذ يؤمن بأنّه بغير الإبداع لا يوجد أيّ تطوير أو تغيير أو حتّى تحدٍّ.
يقول رعاه الله: «لن تستطيع تحدّي إنجازاتك السابقة بغير إبداع، ولن تستطيع تغيير واقعك الحالي بغير إبداع، ولن تسبق الآخرين أيضاً بغير إبداع».
يؤمن سموّه بأنّ الإبداع في الحكومة يطوّر خدمة ويبني إنساناً ويعمر دولة، وأنّ الحكومة المبدعة هي حكومة حيّة، تنمو وتكبر وتتطوّر.
يرى سموّه، رعاه الله، وهو محقٌّ في ذلك، أنّ الإبداع ثقافة راسخة وأنظمة متكاملة في أيّة مؤسّسة؛ فالإبداع لا ينتشر في بيئة مؤسسية لا تشجّع على التعلّم ونشر المعارف، ولا ينتشر في مؤسّسة تخاف من التغيير، ولا ينتشر في مؤسسة لا يتمّ فيها تبادل الأفكار والآراء بكلّ شفافية ووضوح.
والموظّف المبدع لا بدّ أن يكافأ حتّى يستمرّ في إبداعه، كما أنّ الموظّف المهمل يجب أن يحاسب حتّى لا يستمرّ في إهماله. وما أجمل عبارة الشيخ محمد، رعاه الله، عندما يخاطب المبدعين: «ستجدون دائماً من يقاوم أفكاركم، وهذه أولى العلامات على أنّكم في الطريق الصحيح للتغيير».
السعادة والإيجابية
السعي لإسعاد النّاس سعادة بحدّ ذاتها، فأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجل سرورٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديناً، أو تيسّر له حاجته، وأحبّ النّاس إلى الله أنفعهم، كما ورد في الحديث الصحيح.
آمن الشيخ محمد بأنّ أهمّ وظيفة للحكومات هي سعيها لإسعاد النّاس، ولأجل ذلك يسعى لأن تقوم الحكومة بخلق بيئة يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، أن تحقق لهم السعادة وأن يكون همّ الموظّف سعادة النّاس، وكم يكون شعور موظّفي الحكومة جميلاً عندما يدركون بعد فترة من الزّمن أنّهم قضوا جُلّ حياتهم في السّعي لتحقيق السعادة للبشر.
إنّ الناس والشعوب إذا أدركوا أن حكوماتهم تسعى لإسعادهم وتوفير الفرص لهم ولأبنائهم، وتسعى لتمكينهم بالأدوات والمهارات لتحقيق آمالهم؛ عندئذٍ تكون المحبّة متبادلة بين الحكومات والشعوب ولا يمكن للعداوات أو الكراهية أن تجد سبيلاً في نفوس هؤلاء.
يؤمن سموّه، رعاه الله، بأنّ السعداء ينتجون أكثر، ويعيشون أطول، ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل.
وقد جعل صاحب السّموّ الشيخ محمد إسعاد النّاس غايته وهدفه، ووضع لذلك برامج عمل، ويسعى جاهداً إلى أن يترسّخ هذا المفهوم ليكون واقعاً دائماً ومستمرّاً.
ولدى الشيخ، رعاه الله، إيمان كبير بأهميّة بناء التفاؤل والإيجابية ونشر مفاهيم السعادة.
النظرة الإيجابية للحياة تؤثر في تغيير نظرة الإنسان لواقع الحياة، وتُغيّر فكره نحو الإنجاز والعمل، تتغيّر نظرته للعمل الحكومي، ولاستغلال الفُرَص من حوله، وللمستقبل الّذي ينتظره.
الإيجابيّة -عند صاحب السّموّ الشيخ محمد- طريقة تفكير، والسعادة أسلوب حياة، وليس ما يملكه الإنسان أو ما يفعله يجعله سعيداً، بل الّذي يسعد الإنسان حقيقة هو كيف يفكّر في الإيجابيّة وكيف يجعل من إيجابيّته أسلوب حياة ليعيش سعيداً؟
ولتحقيق هذه الغاية فإنّ صاحب السّموّ الشيخ محمّد أنشأ وزارة للسعادة ضمن تشكيلته الوزارية، والسعادة غاية عظمى، وإذا كان الحاكم والقائد مغرماً بتحقيق السعادة فلا عجب بأن يكون شعب الإمارات أسعد شعوب العالم.
وما أجمل قصيدة الشيخ في هذا المجال، إذ يقول:
شَعبِنــا أسْـــعَد شعُوبْ الأرضْ دومْ
مِـنْ عَهِـدْ زايـدْ إلى يـومْ الحِســـــابْ
بالكَرامَـهْ والشَّرَفْ عــاشْ إمْحَشـــومْ
في فَـرَحْ ما نَغّصَــــهْ حَدْ بعتـــــابْ
يومْ حُولِهْ أغْلَبْ النّــاسْ إبهمـــــومْ
مـا دَرىَ بالهَمْ مَحفـوظْ الجَنــــــــابْ
وما دَرىَ بالخوفْ وأطفالَـــهْ سلـــومْ
ولا حِسَبْ في يومْ للحـاجِةْ حِســـابْ
ولا انهِضَمْ حَقَّـهْ إذا الغيـــرْ إمْهَضوم
مُورَدِهْ عَذبِ إذا غيـرهْ ســــــــرابْ
لهْ خليفهْ مِحْتِسِبْ في كـــــلْ يـــــومْ
وكِلْ مِطْلَـبْ لِهْ علىَ الحاضِـرْ مِجـــابْ
عَنْ شَعِبنا جَـتْلنا أحَلــىَ العِلـــــومْ
أَنّـهْ أسْـعَدْ شَعْبْ شِيّابْ وشَـــــبابْ
الحكومَةْ لهْ علـىَ الـواجِبْ تقـــــومْ
وكـلْ يومِ ينفتـــحْ للخيْـــر بـــــاب
هي شهادةْ حَقْ منْ رَبـعْ وخصــــومْ
وعَنْ تَعَبْنـا وجِهـدنا أوضَحْ جــوابْ
يعلْ فالْ الخيْر لبلادي يــــــــــدوم
طابْ فالِكْ دارنــا بــالخيْر طـــــابْ
البساطة هي الفطرة، البساطة راحةٌ للنفس، وهدوء للروح، والبساطة تبدأ من القلب ومن المشاعر والأحاسيس.
يؤمن صاحب السّموّ الشيخ محمّد بأنّ الحياة خُلقت بسيطة، ولا بدّ أن نعيشها كما خُلقت.
يحبّ البساطة، ويرى جمال الحياة في دفء الشمس إذا أشرقت عبر الكثبان، وفي ضوء القمر، وفي زخّات المطر، وفي رؤية الأعشاب الّتي تنبت عبر السهول والوديان، وفي جلسة سمر مع العائلة أو الأصدقاء.
يقول عن الشيخ زايد، رحمة الله عليه: «تعرّفت إلى الكثيرين من زعماء العالم، السياسيين والاقتصاديين، فلم أشاهد أكثر بساطة من زايد، رحمه الله، وكان أكثرهم تبسّماً وانشراحاً، وكان يحبّ الجمال في الحياة، ويتلمّسه في الشعر والنثر، وفي البرّ والبحر رغم كثرة انشغالاته ومسؤولياته». إنّ من أهمّ ما يميّز قادتنا بساطتهم وقربهم من النّاس، يشاركونهم أفراحهم، ويواسونهم في أحزانهم، مجالسهم مفتوحة للناس، لا تكاد تميّزهم من فرط بساطتهم، يختلطون بالنّاس، يتجوّلون في الأسواق، يمشون مطمئنين في الشوارع من غير حرّاس، يلتزمون بالقوانين قبل غيرهم، يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، يعينون الفقير، ويسدّون خلّته، يحسّون بألم المريض ويتكفّلون بعلاجه، يُنزلون الناس منازلهم، يقدّرون أهل العلم، ويقدّمون العلماء، تضمّ مجالسهم العلماء والأدباء والشعراء ورجال الفكر والسياسة والاقتصاد والإعلام، يستشيرون الكلّ ويقدّرون الآراء، ويحترمون وجهات النظر.
يلبّون حاجات النّاس ويحقّقون لهم مطالبهم، يحسّون بآلام شعوبهم ويعينونهم في تحقيق حاجاتهم، وشعوبهم تبادلهم المحبّة، يدعون لرعيّتهم ورعيّتهم يدعون لهم بالصلاح والبركة في العمر والذريّة، يعدلون بين النّاس وينشرون ثقافة الالتزام بأحكام القضاء، يحرصون على نفاذ العدالة واحترام القوانين والأنظمة.
أمِنّا من الحيف في ظلّكم
وفي عدلكم دائماً نطمعُ
هذا هو ديدنهم، ولذلك نرجو لهم أن يكونوا من أهل بشارة سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم». أي تدعون لهم ويدعون لكم.
وأختم هذا الحديث بما قاله صاحب السّموّ الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة: «أخي محمد بن راشد.. بمثلك نفخر ويفخر الوطن، تبقى الأخ والمعلم والمُلهم وشريك مسيرة التنمية، ومن قيمك وخصالك ينهل أبناء الوطن، ومن نهجك نتعلّم نبل العطاء وعِبَر الحياة… هنيئاً لك فخر شعبك ووطنك بك، شكراً محمد بن راشد».
أبا راشدٍ والورى تسمع
تقدّم فيا حبّذا المِصْقَعُ
فأهلا وسهلا وسهلا وأهلا
بها عالياً يصدعُ المَجْمَعُ
رعاك الإله بعامٍ خصيب
فنعم الطليعة والمطلع
فعشرٌ تولّت لكم مثلُها
ومثلٌ هو العدلُ لا يُرفَعُ
تقدّم لأجيالنا مرشداً
فأنت لأجيالنا المهيع
هذا هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: إنساناً وقائداً، يضيق نطاق الكلام عن استيعاب مناقبه وسجاياه التي ورثها عن أشياخ الزمان، واقتنصها من إيقاع الحياة بإحساس الفارس الذي يحمل صقره على كفّه ويجوب الصحارى بحثاً عن أثمن الصيود، يفكّر بعقله ويترنم بوجدانه، وكما يتحمّل أعباءَ متابعة بناء الدولة المتشابكة الحديثة تراه يتحمّل جفاء الحبيبة، ويمنح لنفسه فُسحةً من الوقت ليتلو الترانيم في محراب الحب والجمال، تعبيراً عن اكتمال إنسانيته، وتلاحم عقله وقلبه وهو يمتطي جواده المُضمّر، ويجوب الفلوات بحثاً عن مجد الوطن ورفعة الإنسان.
المصدر: البيان