حين يحاول الإنسان الكلام في سيرة هذا الشيخ الجليل، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يصعب عليه جداً الفصل بين الملامح الإنسانية والملامح الرسمية في شخصيته المبجّلة، وما ذاك إلا لأنّ هناك تمازجاً خلّاقاً بين شخصيته الإنسانية وتكوينها الروحي والأخلاقي، وبين عبقريته القيادية والإدارية، التي تتجلّى في إنجازاته الباهرة، وهذه واحدة من أصعب المعادلات، بل هي السمة الأساسية في الشخصيات الكبيرة المبدعة، التي يتوحّد فيها العقل والقلب في صناعة الحياة وصياغة الإيقاع المتميز للوطن والإنسان.
وحين يكتب الإنسان عن إنسان قريب من القلب، تتدفق الروح بالحبّ، والقلم بالمعاني، وإنّ الحديث عن صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حديث نابع من عيْن القلب: ماء زلال وبستان ورْد ونوّار، فصاحب السموّ رجال في رجل: شجاعة قلب، وصفاء نفس، وكرم أخلاق، وعطاء لا ينضب لشعبه ووطنه، يتفيّأ منه أحبابه أكرم ظلّ، ويأوي منه طلّاب الخير إلى ركن من الرجال شديد، فيا سعْد الإمارات بفارسها المهيب، ويا سعْد أبناء الإمارات بشيخهم وسيفهم (بو راشد)، فارس الهدْلة الذي لا يشقّ له غبار:
هو البحر من أيّ النواحي أتيته
فلجّته المعروف والجود ساحله
تعوّد بسط الكفّ حتى لو أنه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فهو، رعاه الله، مثال للنابغة الذي تفوّق على أبناء عصره، بل سبقهم، ذو طموح عالٍ، مع سعي دؤوب للوصول إلى ما يطمح إليه، صاحب همّة عالية، لا يرضى من الدنيا إلا بالذّرى العالية، يتمتّع برؤية ثاقبة، ونظرة حصيفة، يستطيع بها التخطيط لبلده ولشعبه ورعيّته، هدفه إرضاء ربّه، وإسعاد شعبه، فكم نحن محظوظون بأمثاله من قيادتنا الحكيمة، الّذين جعلوا نصب أعينهم راحة رعيّتهم، والمقيمين على ثرى أرضهم، وتفوّق أبنائهم وبناتهم، وسعادة شيبهم وشبانهم، ورعاية الأرض والحجر، والعناية بالبرّ والبحر.
تجده بارعاً في الفروسيّة، يكاد لا يسبقه أحد، ولا يتحمّل غيره ما يتحمّله في سباقات القدرة الّتي يشارك فيها، بل هو فارس العرب، الّذي لا يشقّ له غبار، وله صولات وجولات في ميادين الفروسية وسباقات الخيل، سواء بصفته فارساً مقداماً أو مالكاً للسلالات النادرة، أو قائداً لفريق فرسان الإمارات وموجّهاً لهم.
فتىً به سمْرة تغوي البنات إذا
ما أسرج المهْرة الشهباء أو ركبا
في فتية خيّطوا الصحراء من دمهم
وعلّموا أهلها التحنان والطربا
ومثلما علا كعبه في الفروسية، أشرقت شمسه في سماء الشعر الصافية، فإنْ أنت نظرت إلى شعره، وجدت شعره من الطبقة العالية: عذوبة موسيقى، وتصوير بديع، ورهافة ألفاظ، ورقّة مشاعر وجلالة فروسية، وحبّ وحنين يفيض من صميم القلب، تتذكّر به عشّاق العرب الفرسان، الذين كانوا يطوون أوجاع قلوبهم في أعماقهم، ويبوحون بالحنين من خلال هذا الغناء الصافي، الذي يشبه أحزان الربابة حين يجرّ عليها بدويّ أصيل أنامله، فضلاً عما يتمتع به شعره من جزالة الألفاظ، ولطيف المعاني، والقدرة الفائقة على التعبير عن أدق المشاعر الإنسانية.
وإن جلت بفكرك في الإدارة، فهو القدوة في الإدارة، يتمتّع بشخصيّة فريدة في إدارة الدولة، حزم مع كفاءة، وعفو مع مقدرة، نصح مع رحمة، وتوجيه مع متابعة، تشجيع مع الحوافز للمجتهد، ومحاسبة مع الرّأفة للمخطئ العامل، ومحاسبة مع الصّرامة للمهمل المقصّر.
وإن أردت الحديث عن طموحه، فلا بدّ أن تذعن أنّه ليس لطموحه حدّ، فهو معدن الطموح وفارس التحدي، وهو الّذي قرّر أنّ في سباق التميّز لا يوجد خطّ للنهاية، تجده صاحب همّة عالية، لا يرضى لنفسه ولا لشعبه غير الصدارة، وسعيه الدؤوب نحو بلوغ هدفه، جعل بلاده رغم حداثة سنّها بين الدّول، تتصدّر دولاً كثيرة لها تاريخ عريق.
إنّه نتاج مدارس متنوّعة، أولها مدرسة جدّه الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، ذلك الوليّ الصالح الّذي حكم شعبه وعرف بزهده وصلاحه، ومنه اقتبس إيمانياته وحرصه على مبادئ دينه.
وثانيها، مدرسة والده الفذّ، الشيخ راشد بن سعيد، طيّب الله ثراه، الّذي اشتهر بنظرته البعيدة ورؤيته الثاقبة، وعمله المستمرّ نحو بناء دبي الحديثة.
وثالثها، مدرسة الوالد المؤسس، والأب الحاني، وحكيم العرب، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الّذي عمل لإنشاء هذه الدولة على أساس متين من الحبّ والعطاء والإنسانية والحكمة والتعليم والتطوير، حتّى أضحت دولة الإمارات العربية المتّحدة، يضرب بها المثال في التقدّم والازدهار، مع الحفاظ على القيم والعادات الأصيلة.
لقد جمع الله فيكم يا صاحب السّموّ خصالاً حميدة متنوّعة، وخلالاً مجيدة، قلّ أن تجتمع في قائد في عصرنا الحاضر، وحقّ لكم يا صاحب السّموّ أن تفتخروا بذلك، وأن تدعوا من يريد اللحاق بكم إلى التّأسّي بأفعالكم وإنجازاتكم:
فقولوا لمن يبتغي شأوكم
مناط الثّريّا لنا موضع
وكيف لا تكونون كذلك، وإنجازاتكم تتحدّث عن نفسها، وبكم تفتخر الأجيال، وأنتم محطّ آمال الشباب في أن ينعموا بقادة أمثالكم يهتمّون بهم، ويسلكون بهم في دروب التنمية والرّخاء:
وأنت همام فخار البلاد
وفخر العروبة والأرفع
سخيّ كريم على شعبه
وسهم بنحر العدا مشْرع
التنشئة الصالحة
نشأ صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، في كنف جدّه الشيخ سعيد بن مكتوم، الّذي عرف بالصّلاح والتقوى، والخوف من الله جلّ جلاله، والّذي أمن البلاد في ظلّ عدله وصلاحه، ومنه استقى الأخلاق الفاضلة والتواضع، وأيقن أنّ الصلاح والتقوى سلاح كلّ مؤمن وأمانه، وأنّ الحرص على نفع النّاس ومحبّتهم، كفيل بأن يجعل الناس يحبّون الرّاعي ويدعون له ويأتمرون بأمره، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ يقول: «خيار أئمتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم».
ثمّ ترعرع تحت نظر والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وكان ملازماً له في حلّه وترحاله، ويحضر مجالسه في سفره وإقامته، وشاهد كيف يتعامل والده مع الرعيّة، شيباً وشبّاناً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، يوقّر كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويعلّم فتيانهم.
تعلّم في مدرسته بعد النظر واغتنام الفرص، بل وصنعها وعدم انتظارها، وتعلّم منه عدم الانزعاج من الانتقادات، بل استثمارها لإصلاح الأخطاء الّتي قد تكون وقعت، والاستمرار في ما يقوم به من إنجازات إذا رأى أنّ النقد لا أساس له، وإنّما هو مبنيّ على افتراء أو حسد، وفي ذلك يقول سموّه:
«ذهبت مرّة إلى والدي وقلت: إنّ هذه الصحيفة وتلك تفتري علينا، وتكتب عن دبي ما لا صحّة له على الإطلاق، واقترحت عليه منعها، فهدّأني وقال: بل الأفضل أن نستمرّ بالسّماح لها بالدّخول، فإن كان ما تكتبه عنّا صحيحاً، فنحن نستحقّ الانتقاد، وإن كان افتراءً، فلن يصدقها أحد، فخرجت من عنده مقتنعاً، ولم أقترح بعد ذلك منع مطبوعة مهما كان السّبب».
تعلّم في مدرسته الصبر مع المتعاملين، واستشارة المختصّين، والتّأنّي في اتّخاذ القرار، فإذا استقرّ رأيه عمل به، ولم يأبه لمن يطلب منه التّريّث، أو يحاول تثبيطه، أو النيل من عزيمته.
يقول سموّه عن ذلك: «مرّ عليّ خلال سنوات عملي الطويلة بعض الإخوة والأصدقاء، ممّن كانوا يحملون طاقة سلبية لم أستطع أن أغيّرها، كلّما أقترح عليه أمراً يقول: هذا مستحيل، أو مشروعاً جديداً يقول: هذا صعب التنفيذ، أو مبادرة فيكون الرّدّ: لا نستطيع… نعم، مرّ عليّ من الناس من يحملون هذا القدر من الطاقة السلبية، فاستبدلتهم بآخرين أكثر تفاؤلاً وإنجازاً وطاقة إيجابية، واجهنا تحديات كثيرة خلال حياتنا العمليّة، ولم يهزمنا أيّ منها».
وسسْت البلاد كما ساسها
أبوك فمن مثلكم يبْدع
فرأي سديد وحكم رشيد
ولا مكْث إلّا لما ينفع
وتهيّأ للشيخ محمّد، النهل من مدرسة والدته الجليلة، الشيخة لطيفة بنت حمدان، رحمها الله، واكتسب منها الكثير من القيم النبيلة والخصال الحميدة والصفات الجليلة، وتعلّم منها الرّفق والرّحمة والعطف مع الناس، ولا سيّما المعوزين منهم والفقراء والمساكين، كما اكتسب منها قوّة الشخصيّة والإيجابية والتأثير في الآخرين.
يقول صاحب السّموّ الشيخ محمّد، متحدّثاً عن والدته، طيّب الله ثراها: «إلى أمّي رحمها الله يعود الفضل في إكسابي الكثير من القيم والخصال الحميدة، وأهمّها قوّة الشخصيّة، فقد كانت رحمها الله ذات شخصيّة قويّة مؤثّرة، كما كانت رقيقة رحيمة، خاصّة مع الفقراء والمحتاجين، فهذه الشخصيّة الإيجابيّة القويّة المؤثّرة والعطوفة في آن واحد، هي الّتي تأثّرت بها».
خصال النّدى والعلى كلّها
غذتك بها يافعاً مرْضع
وأنت لوجه الندى طرْفه
وأنت لداعي النّدا مفْزع
زايد الأسوة في القيادة
لا يخفى تأثّر صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، بالمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، فالشيخ زايد مدرسة فريدة، أثرت في كلّ من ارتبط بها أو نهل من توجيهاتها وتعاليمها، والشيخ زايد، رحمه الله، نموذج ومثل أعلى لكلّ من يريد أن يترك أثراً خالداً ومحموداً عبر الأجيال، يقول سموّه: «تعلّمنا في المدارس والكلّيات، ولكنّي لم أجد مدرسة أو جامعة أكبر من زايد».
لم يكن زايد فينا واحداً
بل هو الأمّة حين النّوب
والشيخ محمّد، رعاه الله، معجب بالشيخ زايد، رحمه الله، ويذكر ذلك في مناسبات مختلفة، حيث كان المغفور له قدوة في عمل الخير وحبّ الرّعيّة، وحسن القيادة، وفي البساطة والتواضع، فضلاً عن إرادة الخير للإنسانية، والسعي لتكريم بني البشر ونجدتهم حيثما كانوا.
تعلّم من الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، كما تعلّم من والده، رحمه الله، أيضاً، عدم الاستسلام، والسعي لقهر المستحيل، والعزيمة والتصميم، وتعلّم منه أنّ هناك قادة لا يحبّون كراسي الحكم، بل مصلحة شعوبهم، ويقول عنه وعن والده رحمهما الله: «إنّهما أخبر من عرفتهم بتذليل العقبات وقهر المستحيلات، وترجمة الرؤى إلى واقع، أوصل الإمارات إلى المكانة الرّفيعة الّتي تحتلّها اليوم، ولا عجب إذاً في أنّهما مثالاي الأعليان».
كانت علاقته بالشيخ زايد، طيّب الله ثراه، علاقة الابن بأبيه، بما تتضمّنه من الحبّ وصدق المشاعر، ويقول عنه: «كان يرحمه الله، يجعلك تحبّه، من تقديره حقّ التقدير لمن يعمل وينجز، وكان صريحاً مع النّاس، وأراد الصراحة من الناس، لذا، عوّدني أن أكون صريحاً معه في كلامي بكلّ احترام».
تعلّم من الشيخ زايد، غفر الله له، المعنى الحقيقي للحبّ، إذ لم يكن يستطيع من يعرف الشيخ زايد، إلا أن يحبّه لأصالته وشفافيته وصفاء عروبته وفطرته ونقاء سريرته، وحسن خصاله، وصراحة مواقفه القياديّة.
تعلّم منه وتأثّر بأقواله وأفعاله، ولذلك، فهو إذا تكلّم في السّياسة، فإنّه لا يسعى لإرضاء النّاس أو إبداء مجاملة لهم، بل يسعى لإرضاء الله جلّ جلاله، ثمّ لإرضاء ضميره اليقظ، وكذلك كان الشيخ زايد، رحمه الله، يقول عنه الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله: «لا أعرفه إلا رجلاً واثقاً بربّه، ثمّ بوطنه وأمّته ونفسه، رجلاً عند كلمته إذا وعد وفى، وإذا استجير أجار».
وكذلك صاحب السّموّ الشيخ محمد، رعاه الله، بلغ الذروة في الثقة بالله، ثمّ الثقة بوطنه وأمّته ونفسه وشعبه، رجل بكلّ ما تعنيه الكلمة، وملتزم بكلمته، يعد فيوفي، ويكافئ المتميّز، ويشجّع العامل، وينبّه المقصّر.
تعلّم من الشيخ زايد ووالده الشيخ راشد، أنّ القائد يجب أن يغتنم الفرص عندما تلوح له، وإذا لم تسنح له الفرصة، فعليه أن يكون مستعدّاً لصنعها، ومن أهمّ ما تعلّم منهما، هو كيف يكون القائد أباً للجميع.
وإذا كان الشيخ زايد، رحمه الله، قد منّ الله عليه بحبّ شعبه له، واستمرار هذا الحبّ، رغم مرور أكثر من عقد من الزّمن على وفاته، فإن الشيخ محمد بن راشد وإخوانه من قادة الإمارات، قد أنعم الله عليهم بحبّ الشعب لهم، وهذا أقصى ما يطمح إليه أيّ قائد في الوصول إليه.
ولا ريب أنّ من عمل مع المغفور له، الشيخ زايد، منذ تأسيس هذه الدولة المباركة، وتولّى المسؤوليات الجسيمة في الوزارات المتعدّدة الّتي شكّلت في عهده، ليس بغريب عليه أن يتأثّر بنهجه في القيادة، لا سيّما إذا كان قريباً من الشيخ زايد، وتربطه به أواصر القربى والمحبّة، وتظهر هذه المحبّة جليّة في القصائد الشعريّة المتبادلة بين الشيخ زايد، رحمه الله، وصاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله.
قفوت منار الهدى زايدا
ففي كلّ شأو له تتبع
أريج الزّمان ذكيّ الشّذا
ونجم المعالي الّذي يلمع
المبادرات والعطاءات الإنسانية
يعرف الشيخ محمّد بمبادراته الفكرية والاجتماعيّة والإنمائية والإنسانية، فلا يكاد يمرّ ذكرى جلوسه أو حلول شهر رمضان أو مناسبة وطنية، إلّا والإمارات والعالم بأسره يفاجأ بمبادرة جديدة من صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، تهدف إلى إسعاد شعب الإمارات، وتصدير هذه السعادة إلى مختلف أقطار الأرض، مبادرات تنصبّ في مصلحة الشعوب، بما تقدّمه لهم من خدمات، وبما توفّر لهم من حاجات، وبما تحقّق لهم من مساعدات في سبيل التنمية وتطوير المجتمعات، ولا سبيل إلى حصرها في هذه المقالة الموجزة، إنّما أذكر بعضها على سبيل الإشارة.
جعل الشيخ محمد، رعاه الله، نصب عينيه، الحفاظ على كرامة الناس أينما كانوا، ومدّ يد العون للمعوزين والمحتاجين، والوقوف بجانبهم للتخفيف من معاناتهم، والحرص على إسعاد النّاس، وتحقيق آمالهم وطموحاتهم، ولأجل تحقيق ما يصبو إليه، طرح العديد من المبادرات الّتي تحقّق مصالح الإنسانية، ومن أهمّها، إنشاء مؤسّسة متخصّصة تحمل اسمه، وتعنى بالأعمال الخيرية والإنسانية، ليس في دبي والإمارات فحسب، بل في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، تجدها حاضرة في كلّ مكان، وسبّاقة لمدّ يد العون لكلّ من يحتاج، دون النظر إلى العرق أو الجنس أو الدّين، بل من منظور إنساني بحت، انطلاقاً من تعاليم الشريعة السمحة في تفريج الكرب عن النّاس، بمختلف أجناسهم وأعراقهم.
وأطلق مبادرة دبي للعطاء، لتوفير فرص التعليم للمحتاجين في مختلف الدّول الفقيرة، وتمّ إنشاء العديد من الفصول الدّراسيّة، مع توفير مياه صالحة للشرب، ووجبات غذائية صحّيّة للطلبة يوميّاً، بالإضافة إلى المرافق الصحّيّة وتدريب المعلمين، وتوفير الكتب الدّراسيّة للطلبة، وتأسيس مجالس لأولياء أمورهم ومعلّميهم، وأفاد من هذه المبادرة الملايين من الأطفال.
كما أطلق مبادرة «نور دبي» لمكافحة العمى ومعالجة الإعاقة البصريّة، ولا يزال يستفيد منها عشرات الملايين في أنحاء المعمورة، وأطلق مبادرة «سقيا» لتوفير مياه الشرب الصالحة لمليون أسرة، ومبادرة «الكسوة» لتزويد المحتاجين بالملابس من ملايين الفقراء، وكذلك أنشأ «بنك الطعام» لإطعام الجائعين في كافّة أرجاء الأرض، بالإضافة إلى العديد من المبادرات الأخرى الّتي اشتهر عطاؤها، وأضحت مثار حديث العالم.
وكلّ ذلك بالإضافة إلى مبادراته المحليّة، من حيث الاهتمام بالأيتام ورعايتهم، وإنشاء قرية العائلة، الّتي توفّر لهم الجوّ العائلي المستقرّ والمتوازن، مع الحرص على حسن تنشئتهم، وتوفير أفضل تعليم لهم.
كما أطلق مبادرة إكرام ورعاية كبار السّنّ، لإدراك سموه أنّ من واجب المجتمع رعايتهم وحمايتهم وتوقيرهم والعطف عليهم، انطلاقاً من التوجيه النبوي الكريم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا»، وأصدر أوامره السّامية بتوفير أقصى درجات الرّاحة لهم، وتأمين جميع الخدمات العلاجية والتأهيلية، وإتاحة الحياة الكريمة لهذه الفئة، الّتي تستحقّ كلّ الرّعاية والاحترام، لما بذلوا من جهود مضنية، وأسهموا بصبرهم وكفاحهم في وضع اللبنات الأولى في بناء دولة الإمارات العربية المتّحدة العصرية.
ولم يكتفِ بإطلاق مثل هذه المبادرات، بل يحرص على زيارة الأيتام وكبار السّنّ، يتفقد أحوالهم، ويجتمع بهم، ويحرص على تلبية حاجاتهم، ويوجّه بصورة مستمرّة جميع الدوائر الحكومية بالاهتمام بهذه الفئات، إضافة إلى أصحاب الهمم، ومنحهم الأولويّة في تقديم الخدمات.
كما أطلق العديد من المبادرات الّتي تصبّ في سبيل النهوض بالأمّة، مثل «تحدي القراءة العربيّة»، ومبادرة «توفير خمسة ملايين من الكتب»، ومبادرة «مليون مبرمج عربي»، وغيرها من المبادرات التي لا مجال هنا لاستقصائها، بالإضافة إلى الجوائز العديدة الّتي أسسها ويرعاها، وكلّها وسائل لنهضة هذه الأمة من جديد.
فكم من جميل يعمّ الورى
جرى منكم فيضه الأوسع
تولّى الجفا واستجدّ الصّفا
وعمّ الفضا نورك الأسْطع
الفروسية والشّعر
لا يخفى على كلّ من يعرف صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، أنّه فارس بكلّ ما تعنيه الكلمة، أثبت جدارته وفروسيته في مختلف ميادين السباقات الّتي شارك فيها، وفاز بالمركز الأوّل في العديد منها، ولا سيّما سباقات القدرة، الّتي تنبئ عن قوّة تحمّل وحسن إدارة لمراحل السّباق، فضلاً عن حسن اختيار الحصان الّذي يمكن أن يتحمّل مثل هذه السباقات، وخاصّة أن بعض هذه السباقات، تكون لمسافات طويلة تصل إلى 160 كيلو متراً، وفي ظلّ أجواء متنوّعة، إذ يصادف وقوع بعضها في أجواء باردة ومطيرة، وفي مسار يشتمل على الكثير من المرتفعات والمنحدرات، بالإضافة إلى وعورة الطرقات، وتتطلّب تخطيطاً وصبراً وقدرة عالية على التحكّم، وهي صفات لا يستغني عنها أيّ قائد.
والفروسية ترتبط بالشجاعة والشهامة والثقة بالنفس، وهي وسيلة لتهذيب النفوس والسلوك، وتعمّق التفكير في تخطي العقبات والتغلّب على الصعاب.
وعرف الفرسان بأخلاقهم من حيث الصّدق والنزاهة والكرامة والرجولة، واتّصفوا بصفات جميلة عبر التاريخ، من حيث المحافظة على الشرف والالتزام بالواجبات، ونصرة الحق، والدفاع عن المظلومين، ويتحلّى الفارس المؤمن بكلّ ما تعنيه الفروسية من قيم إنسانية وأخلاق عالية وشرف أصيل.
كان الشيخ محمّد، رعاه الله، فارساً مغواراً منذ نعومة أظفاره، حيث ظهر نبوغه وطاقاته وقدرته على التعامل مع الحصان الجامح، بل والسيطرة عليه، وترويض الخيول البريّة، وهي خيول جامحة عصيّة على الترويض في نظر الكثير من العارفين بالخيول، وأذكر موقفاً منذ سنين خلت، ولعلّها كانت في أواخر السبعينيات، وفي خضمّ احتفالات الدّولة بزفاف سموّه إلى أمّ العطاء، أمّ الشيوخ، الشيخة هند بنت مكتوم، حفظها الله، عندما قفز من صهوة جواد إلى صهوة جواد، وهما في حالة ركض شديد في السّباق، وهذا الفعل فيه مخاطرة كبيرة، لا يجرؤ على الإقدام على مثلها أعتى الفرسان، ما ينمّ عن شجاعة فائقة، وتدريب متقن، وفروسيّة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معانٍ.
كما أنّ سموّه من مشاهير ملّاك السلالات النّادرة، وهو الرّائد في سباقات الخيول العالمية، بتأسيسه لإصطبلات جودولفين العالميّة، وإطلاقه كأس دبي العالمي، أغلى سباقات الخيول في العالم، والّتي تجري على مضمار «ميدان» في مدينة دبي الزاهرة.
أمّا شاعريّة صاحب السّموّ الشيخ محمّد، رعاه الله، فهي ظاهرة لجميع من يتذوّقون الشعر، إذ ينبئ شعره عن تمكّن من بحور الشعر، وسيطرة فائقة على نظم القوافي، مع القدرة على نظم الشعر النبطي والفصيح في آن واحد، وفي مختلف مناحي الحياة، سواء كانت المناسبة دينية أو وطنية أو اجتماعية، أو غزلاً رقيقاً، وابتهالاته وقصائده الرّائعة في الرّوحانيات، جميلة ومبهرة، أمّا غزله، ففاتن، يسلب العقول، وكثيراً ما تتضمّن شعره قضايا أمّته وهمومها وآلامها وآمالها.
وفي مراحل عمره المبارك، وفي مرحلة الشباب خصوصاً، نظم شعره ونشره بأسماء مستعارة، مثل «سليط»، ولعلّ ذلك كان لغرض أن يجد شعره طريقه إلى النّاس لجدارته وقوته وتميّزه، وليس لاسم سموّه أو مكانته، وحتّى يتمكّن من صقل شعره، إن كانت هناك ملاحظات للشعراء ومن يتذوّقون الشعر.
وصاحب السّموّ، إنّما ينظر إلى الشعر بأنّه عالم آخر، إذ ترتبط عين الشاعر بقلبه، وكما يقول سموّه: «عين الشاعر ليست كبقيّة العيون، وقلبه أيضاً ليس كبقيّة القلوب، ترى عين الشاعر ما لا يراه غيره، نظرته للسماء والبحر والصحراء، ليست مستعجلة كبقيّة البشر، بل هي نظرة متأنية، يملؤها الشغف وتلمّس جماليات الوجود من حوله، وقلبه قلب مرهف حسّاس، يعرف خبايا مجتمعه، ويتلمّس أفراحه وهمومه، فيتأثّر بها ويصوغها أبياتاً، تملؤها المشاعر الصّادقة المختلطة بإحساس الشاعر».
ولعلّ المتذوّق للشعر، يجد في أشعار صاحب السّموّ الشيخ محمد بن راشد، الصدق، والبعد عن الزّيف والتكلّف، والتقليد الأعمى الّذي يطمس معالم الشخصيّة الشعرية، ولا يمكّنه من الإبداع والتفرّد والخصوصيّة والتميّز، ويحول بينه وبين وضع بصماته في ثنايا شعره.
غاص الشيخ محمّد في أعماق النفس البشرية، جمع بين عبق الماضي ونضارة الحاضر، يحمل شعره في حروفه حرارة الألم، وشعلة الأمل، ونور الحياة.
ويمتاز شعره بقوّة البناء الناتجة عن الثقافة الواسعة الّتي اتّصف بها، ومن هنا، يتميّز شعره بروعة التّخيّل وقوّة الفكر، وتدفق المشاعر، وإحكام الأداء.
كما يمتاز شعره بلغة عذبة، مع وضوح اللفظ وعمق المعنى، وذلك نابع من إيمانه بأنّ الشعر مسؤولية عظيمة وأمانة جسيمة.
ولذلك، ألقى شعره الضوء على موضوعات متنوّعة وقضايا مختلفة، لها علاقة بالأحداث الجارية، وقصائده محمّلة بتجاربه في واقع الحياة، كما أنشد المدح والفخر، والغزل والوصف، والشوق والحبّ، كما أنشد الرّثاء.
شعره يدعو إلى جعل الحياة الّتي يعيشها الإنسان ذات معنى، ويدعو إلى المثل العليا، ويتضمّن الكثير من الحكم الّتي تنير درب الإنسان، ويستشرف آفاق المستقبل.
ولحبّ الوطن نصيب الأسد في شعر صاحب السّموّ، وقصائده تنبئ عن حبّ صادق للوطن ولمؤسّسيه ولمكتسبات الوطن، ويهزّ المشاعر، ويحرّك النفوس الأبيّة، لتهبّ حفاظاً على رونق الاتّحاد وروحه، ومكتسباته وخيراته، ولتكون سدّاً منيعاً أمام كلّ من يخطر بباله المساس بهذا الكيان المبارك.
(بو راشد) يا تاج الرأس: كلماتي عاجزة عن التعبير عما يموج في قلبي من أمواج الحب والاحترام، وكل ما أرجوه، أن يصل وميض القلب إلى القلب، أقول ذلك عن علم وخبرة بأخلاقكم الرفيعة العالية، أخلاق الفرسان الكبار، والقادة الشجعان، والشعراء المبدعين، وقليل في حقك الكلام يا كبير المقام، وكبيرة بك بلادك التي زهتْ بك وزهوْت بها، فمنحتها ماء قلبك، وعصارة فكرك، وسهر ليلك، (وعسى سنينكْ روضْ عشْبْ ونواوير)، والسلام على قلبك الصافي، ووجهك البسّام، وحرفك المستنير.
المصدر: البيان