تسعى ألمانيا التي تستضيف الثلاثاء المقبل، مؤتمرا دوليا عن اللاجئين السوريين، إلى مواجهة تدفق كبير لطالبي اللجوء لا سيما من خلال تخصيص مدارس قديمة لإيوائهم، مثلما هو الأمر في برلين؛ حيث يتكدسون في قاعات الدراسة.
محمد نبيل (28 سنة) سوري من أصل فلسطيني، يتقاسم مع والدته وشقيقه وشقيقته قاعة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار مربعة؛ وهو يراجع أول كلمات دأب على تعلمها بالألمانية منذ وصوله إلى برلين ويكتبها على دفتر كبير «ما اسمك؟»، «اسمي محمد».
في مدينته حمص، التي تبعد مسافة 2700 كلم عن المكان، كان محمد نبيل مهندسا، تخرج حديثا من جامعة المدينة؛ التي كانت تعد مركزا اقتصاديا هاما في سوريا، ثم أصبحت مركز الحراك المناهض لنظام بشار الأسد.
لجأ محمد قبل شهرين إلى ألمانيا ويقيم في مدرسة خصصتها بلدية مدينة برلين لإيواء طالبي اللجوء القادمين من مناطق نزاع مثل سوريا والعراق.
وتتوقع ألمانيا التي تعتبر الوجهة الأولى لطالبي اللجوء في أوروبا، وصول 200 ألف منهم هذه السنة، وهو رقم يزيد بنسبة نحو 60 في المائة عن العام الفائت الذي سجل قفزة بنسبة 64 في المائة عن 2012. وسوريا في صدارة البلدان التي يأتي منها طالبو اللجوء. فمن يناير (كانون الثاني)، إلى نهاية أغسطس (آب)، بلغ عدد الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا 20184، أي بارتفاع نسبته 186 في المائة على مدى سنة.
ومع أكثر من 3 ملايين لاجئ في البلدان المجاورة، تركيا ولبنان والأردن، و6 ملايين نازح بسبب المعارك في داخل البلاد، يكون نصف سكان البلاد تركوا مكان إقامتهم منذ عام 2011.
ويتقاسم محمد نبيل حياته اليومية مع 104 لاجئين آخرين في الكافتيريا؛ حيث تقدم لهم وجبات جاهزة في ساعات محددة، والأروقة التي يجتمعون فيها تحت أضواء النيون الشاحبة لتبادل أطراف الحديث، وهذه القاعة الصغيرة المزدانة بستائر برتقالية اللون واللافتة بترتيبها.
ويروي محمد نبيل لوكالة الصحافة الفرنسية بلغة إنجليزية جيدة: «هنا نشعر بأننا بشر وحقوق الإنسان موجودة»، مؤكدا: «لم نعد نستطيع العيش في حمص. لم يعد هناك أي شيء لنأكله، حتى الحليب لم يعد متوفرا للأطفال».
وللوصول إلى هذا الحي الفقير في العاصمة الألمانية، اجتاز محمد وأمه مع شقيقته وشقيقه مصر وليبيا وإيطاليا. وشملت مغامرتهم رحلة محفوفة بالمخاطر في البحر المتوسط على أحد «مراكب الموت» كما يقول هذا الشاب؛ في حين تشير أمه ظريفة أبو سالم (50 سنة) إلى صورة التقطتها لعشرات اللاجئين المكدسين على متن مركب غير مؤهل.
وقال: «رحلة استمرت 20 ساعة عوملنا فيها بكل سوء واضطررنا لدفع 1200 دولار عن كل شخص للمهربين».
وقررت العائلة لدى وصولها إلى صقلية متابعة الرحلة إلى ألمانيا. وأمضت الليلة الأولى في برلين في حديقة عامة، قبل أن تتوجه غداة ذلك إلى مركز للشرطة ليتم الاعتناء بها.
وقال يان نادولني الذي يدير مركز الإيواء هذا: «يأتي هؤلاء الناس من مناطق نزاع إلى بلد ثري. لا يجوز تركهم ينامون على فراش في رواق».
وفي قاعات التدريس تحدد ستائر شفافة «المساحة الخاصة» لكل عائلة. وفي قاعة حصة الكيمياء وُفّرت 4 غسالات للملابس، فيما ستحول قاعة صف الفيزياء قريبا إلى مطبخ. وأوضح نادولني: «ذهبنا إلى متجر خردوات لشراء دشات للاستحمام وجهزناها خلال عطلة الأسبوع».
وأقر نادولني بأن «المكان ضيق هنا» بعد أن اضطر لترك مكتبه من أجل إيواء أسرة إضافية.
وفي كل مكان في ألمانيا خصصت ثكنات لإيواء اللاجئين كما نصبت خيام وحاويات للغرض نفسه. واضطر بعض اللاجئين للنوم في العراء لبضعة ليال وسط تدني درجات الحرارة.
واليوم ليس لدى محمد سوى هدف واحد وهو أن يعيش حياة طبيعية. أما والدته فهي تحلم بدراسة الطب لابنها الأصغر علي؛ الذي يبدأ المدرسة في برلين. لأن «ألمانيا بلد عظيم» بالنسبة لهذه العائلة.
لندن: «الشرق الأوسط أونلاين»