كما يوجد مهرجون شتامون في تويتر، يوجد من يمكن تسميتهم بـ«فلاسفة» تويتر في الحكمة والأخلاق والإلهام.
ولأنك تعرف بعضهم جيداً، وتعرف الفجوة المهولة بين واقعهم وبين ما ينصحون به الناس، تكاد تشك أن حساباتهم في تويتر مؤجرة لغيرهم.
معقولة: من يحترف النميمة والكذب يكتب عن الأخلاق والصدق؟
معقولة: من يخرج من تجربة فاشلة لأخرى فاشلة يكتب عن أسرار النجاح وأسبابه؟
معقولة: من يحترف النفاق في مجالس علية القوم يطالب بالنقد والحقوق ومؤسسات المجتمع المدني؟
معقولة: من يُعرف الناس من حوله وفق مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية ينصح بنبذ الطائفية والبعد عن التصنيفات الفكرية؟
أعرف أننا نعيش في مجتمعات سادت فيها «الازدواجية» طويلاً، وما من أحد منا بريء منها، ولكنني أستغرب كثيراً كيف انقسمنا على «تويتر» كما لو أننا ننتمي لمدينتين: مدينة الشر ومدينة الخير. فإما تقرأ لغة شاتمة مكفرة محرضة تخّون الجميع وتتهم المختلف في الرأي بالعمالة والخيانة أو لغة على النقيض قوامها المحبة والتسامح ويقدم صاحبها خده الأيسر لمن يصفع خده الأيمن.
لي صديق يقرأ عليّ من وقت لآخر بعض تغريدات من يعرفهم عن قرب ثم يعلق ساخراً: بلاش بكش! قال لي إن هؤلاء الأشبه بالملائكة في تغريداتهم الجميلة هم -في واقعهم- نقيض ما يكتبون. يكتبون ما لا يفعلون، وينصحون الناس بما لا يفعلون.
لكنني -على الرغم من هذه السخرية- أفهم أن نكون -وأنا لست استثناءً- فلاسفة وحكماء على الورق. فمن منا يقوى على نقد نفسه؟ ومن منا يستطيع مواجهة نفسه أمام الملأ؟ ومن منا ليس فيه شيء من نزعة تجميل الذات؟!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٦٦) صفحة (٢٨) بتاريخ (٢٦-٠٨-٢٠١٢)