كاتب و روائي سعودي
ما إن يقترب موعد الإعلان عن الميزانية العامة للبلاد حتى تجد الكل يترقب ذلك الإعلان، وهو ترقب يختلف باختلاف المترقب، فهناك من يترقب بحثا عن أمنية أن تصيبه استفادة مباشرة منها، وهناك من يترقب بحثا عن الاطمئنان الاقتصادي للبلاد وأن ميزانيتها حققت نموا يشير إلى سلامة السير في أزقة الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تجنح بأي دولة نحو صخور مدببة لواقع متأزم، وهناك من يترقب الميزانية ويعقد المقارنات بين ما يخصص للوزارات وبين خدماتها على أرض الواقع… وهو السؤال الذي يمنح الجميع شهية التقول بما يطرأ على البال من غير توجس…
وجل المتابعين من البسطاء لا يلتفتون كثيرا إلى الفلسفة الاقتصادية في توزيع الميزانية فالذي يعنيهم ما هو العائد علينا من الميزانية والفائض منها، وهو بحث الفرد للخروج من أزماته المالية الخاصة من غير أن يتنبه أن ما يذهب للوزارات سوف يحصده كخدمات تقدم له في تسهيل حياته من تعليم وصحة وأمن.
وربما تحدث حيرة حينما تتعثر مشاريع لتلك الوزارات إذ لا يوجد تفسير منطقي لذلك التعثر مع وجود المال الوفير.
ومن المتابعين لأرقام الميزانية من يطالب أن يوجه جزء من فائض الميزانية لتسديد مديونية الأفراد (وهي مطالبة لا تكترث بالسلبيات الاقتصادية لمطالبتهم فما يعنيهم هو التخلص من ضائقتهم طويلة المدى والتي تحصدها البنوك على مدى سنوات طويلة) وتأتي تلك المطالبة على هيئة: ما الذي يضر باجتزاء جزء من الفاض لتسديد الديون طويلة المدى أو شرائها… وهي مطالبة فيها كثير من التبسيط والاختصار لأوضاع متشابكة لا يمكن أن يكون حلها بالتسديد أو شراء المديونيات… خاصة لو عرفنا أن مديونيات الأفراد قد تجاوزت الثلاثمائة مليار ريال… وواقع هذا الرقم يشير بوضوح إلى أن المواطنين دخلوا إلى الاستنزاف الاستهلاكي الذي قادهم لمثل هذه الديون الضخمة.. وواقع أرقام ديون الأفراد بحاجة ماسة لالتفاتة حقيقية تبحث في المسببات التي قادت المجتمع لأن يتحول إلى مدين بكل هذه المليارات وهو ما يعني بالضرورة تقلص ادخار المواطن وغياب استثماره ويعني أيضا فوات فرص الاستفادة المباشرة من الميزانية…
المصدر: عكاظ