كاتب سعودي
يتساءل البعض: ماذا قدم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني للسعوديين؟ ويتساءل بعضهم الآخر: هل استطاع هذا المركز ردم الهوات وتقريب المسافات بين أطياف ومكونات المجتمع السعودي المختلفة؟ ويذهب فريق ثالث بعيداً ويسأل: هل آلية العمل المستخدمة الآن في المركز تتناسب مع فكرة وهدف إنشائه؟
من خلال موقع المركز على «الإنترنت»، يضع القائمون عليه قائمة أهداف رئيسة، تصب جميعها في هدف رئيس، الحفاظ على الوحدة الوطنية. تتجلى رسالة المركز وأهدافه كما هو موضح في الموقع في التالي:
«يسعى المركز إلى توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته «من الذكور والإناث» بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الأهداف التالية:
أولاً: تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية، وتعميقها من طريق الحوار الفكري الهادف.
ثانيًا: الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء.
ثالثًا: معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها، وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته.
رابعاً: ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع، ليصبح أسلوباً للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا.
خامساً: توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية.
سادساً: تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة.
سابعاً: تعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج.
ثامنًا: بلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته.
وكما هو ملاحظ في هذه الأهداف فإنها تبدأ دائماً بكلمات «عممَ» و«أضاع الدم بين القبائل» وأخواتهما! تكريس وإسهام ومعالجة وترسيخ وتوسيع وتفعيل وتعزيز وبلورة، وهذا شيء جيد بشرط واحد، جيد أن تبدأ العملية بتصور معين على غرار هذه النوعية من الآمال وتنتهي بتحقيق نتائج معينة قابلة للقياس، من خلال القيام – وهذا هو الشرط – بعمليات موثوقة ومعينة وقابلة للتطبيق ومناسبة للحوار ومحددة زمنياً. ليس هناك مشكلة أبداً في أن تكون أهدافك عامة، لكن عليك دائماً أن تتبعها بآلية تسمح لك بتنفيذ هذه الأهداف، من خلال وضع عدد من المقاييس التي تساعدك في الوصول إلى النتائج بطريق آمن، وضمن خط زمني وعملي مرسوم مسبقاً.
المركز بدأ نظرياً بشكل جيد، لكن المشكلة أنه حصر دوره في هذا الإطار النظري من خلال المطالبة دائماً في كل فعالياته بالتكريس والإسهام وغيرهما من كلمات «عمم» و«أضاع الدم بين القبائل»، من غير أن يبني بناء ملموساً قابلاً للملاحظة والقياس!
يجتمع القوم بين الفينة والأخرى في لقاءات على مستوى المملكة، ويطرحون أوراق عمل تتعلق بالإطار النظري، ويعالجونها نظرياً ثم يختمونها بالآمال كالعادة! الحوار لأجل الحوار! الجلوس لأجل وضع علامة «صح» في مربع الواجبات! هذا ما يحصل بالضبط، وكان الله غفوراً رحيماً!
مركز الحوار الوطني الذي يسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية عليه إذا ما أراد النجاح ووضع الأثر أن يتبنى القيام ببعض المهمات التي من شأنها أن تساعد – على مدى زمني معين – في قبول المواطنين لبعضهم البعض، بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الجهوية أو العرقية، وتسهم في تعايشهم السلمي، على رغم اختلاف أسلوب الحياة في ما بينهم. عليه أن يسمي الأمور بمسمياتها: لدينا مشكلات ثقافية ودينية بين السنة والشيعة، لدينا مشكلة حوار في ما بينهم، فما الطرق المناسبة لعلاج ذلك؟ مدير مدرسة شيعي في بريدة مثلاً، أو مديراً سنياً لمكتب رعاية الشباب في القطيف أو العوامية. حلقة نقاشية في الدمام ما بين فريق شبابي سني وآخر شيعي، يدوّن في بدايته «مشتركاتهم» و«متفقاتهم»، ثم يشرحون بعد ذلك «اختلافاتهم» و«خصوماتهم». لدينا مشكلات تواصل اجتماعي وثقافي بين أهل الحجاز وأهل نجد، فكيف يمكن ردم الهوة التي تزداد كل يوم؟ إقامة ملتقى نجدي ثقافي صرف كل عام في جدة مثلاً، أو إقامة أعراس حجازية مشتركة في الرياض. على المركز أن يسأل نفسه، أو يسأل أمينه العام وقادته، لماذا ينجح التقارب المذهبي والجهوي والعرقي في الرياضة والفن والثقافة، بينما لا ينجح في اليومي الاجتماعي، أو اليومي الديني؟
على المركز إذا ما أراد العمل بشكل احترافي فعلاً أن يؤسس لمدونة مواطنة توزع على المواطنين كافة للحصول على تبريكاتهم وموافقتهم، في ما يشبه الاستفتاء على الدساتير، بحيث تحوي هذه المدونة ما يجمع، وتبتعد عما يفرق.
الهدف من تأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني هو التأسيس للتحاور مع قبول الآخر، بمعنى بناء الآليات التي تسهم في تعزيز الحوار للخروج بنتائج وطنية مثمرة. هكذا نريده وهكذا نتمناه، أما مسألة حصره دائماً في معنى «الحوار» حرفياً فهذه مسألة أثبتت الأيام فشلها وتعثر نتائجها.
هل ما كُتب أعلاه هو الهدف من كتابة هذه المقالة؟ نعم صغيرة، وإلا كبيرة!
المملكة – مثل حال الدول العربية الأخرى – تفتقر إلى المراكز المولدة للأفكار Think Tanks والتي تعمل بعيداً عن الإشراف الحكومي والضغط المؤسساتي، وعلى رغم أن وجود مثل هذه المراكز يمثل أهمية كبرى للدولة كونه منجماً للأفكار والنصائح غير الموجهة إلا أن السعودية وغيرها من الدول العربية لم تتجه لهذا الاتجاه لأسباب عدة، يأتي على رأسها عدم نضج البناء المؤسساتي للدولة من جهة، وعدم وضوح الفصل ما بين ما هو للحكومة وما هو ليس للحكومة في مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى.
لو تفضّل السعوديون ونقلوا مركز الحوار الوطني إلى غرب الرياض ليصير غرفة أخرى لمجلس الشورى، بحيث يكون مختصاً بتوليد الأفكار والنصائح للحكومة السعودية، فيما تظل غرفة الشورى الأخرى مختصة باقتراح التشريعات كما هي الحال اليوم، على أمل الوصول في المستقبل إلى سن التشريعات، لو تفضلوا بهذا الأمر، فسيخرجون بفائدتين: الأولى نقل وتوسيع دائرة عمل هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، بحيث تشمل الزراعة والصناعة والتعليم والعلاقات الدولية والرياضة وغيرها، والثانية جلب كافة المكونات المجتمعية لهذا المجلس الجديد بالتساوي بين مناطق المملكة، على غرار خطة نيوجيرسي في الأيام الأولى لأميركا الجديدة.
المصدر: الحياة