هناء الحمادي (المنطقة الغربية)
بين البحث عن التميز وتحقيق الذات والطريق إلى النجاح، اختارت المغامرة الإماراتية مريم سالم الحمادي، الطالبة بكليات التقنية العليا بالمنطقة الغربية، تخصص تقنية المعلومات، الوصول إلى القطب الجنوبي خلال رحلة استمرت 3 أسابيع محفوفة بالمخاطر والتحدي، منطلقة من مطار دبي إلى الأرجنتين، تحت شعار «من رمال صحراء ليوا إلى صحراء القطب الجنوبي».
اختيار مريم الحمادي هذا الطريق لم يكن للمرة الأولى، بل في العام الماضي، كانت لها مغامرة أولى في الصعود ورفع علم دولة الإمارات في مدينة أوشويا التي تعتبر آخر مدينة في العالم والتي يمتاز مناخها بأنه شديد البرودة بسبب قربها من الدائرة القطبية الجنوبية، حيث يبلغ متوسط درجات الحرارة فيها 1 درجة مئوية (33 درجة فهرنهايت) في أبرد شهر، و9 درجات مئوية (48 درجة فهرنهايت) في أحر شهر. لكن نتيجة تعرضها لإصابة جسدية أثناء تلك الرحلة القطبية، التي نتج عنها كسران في الرجل اليسرى مما جعل تلك الإصابة تجبرها على العودة للوطن، إلا أن ذلك لم يثبط من إرادتها وتحديها، بل أصرت هذا العام على العودة مجدداً للصعود إلى قمة القطب الجنوبي لرفع علم دولة الإمارات ليرفرف خفاقاً عالياً، ولتؤكد الحمادي أن الرسالة التي تريد أن توصلها للجميع هي أن الفتاة الإماراتية قادرة على الوصول إلى أعلى قمة مهما كانت التحديات والصعوبات التي تواجه هدفها.
أصغر مشاركة
الحمادي بكل ثقة، دفعها تصميمها وإرادتها لتصبح أصغر إماراتية من بين 88 شخصاً و27 جنسية تتسلق القطب الجنوبي رغم برودته، وما دفعها للمشاركة هو قيام «روبرت سوان» الذي يعد أول من مشى على القطبين الشمالي والجنوبي بعرض تجربته في محاضرة أقيمت في الصرح التعليمي لكليات التقنية العليا بالمنطقة الغربية، وخلال ذلك تأثرت الحمادي كثيراً بتجربته وخبراته، وعرضت عليه عقب المحاضرة أن تكون بين المجموعة التي ستسافر معه للقطب الجنوبي، فرحب بها كثيراً خصوصاً كونها أصغر فتاة مشاركة ضمن فريق المغامر. وتقول عن ذلك: «رشحت نفسي لأكون أولى الفتيات الراغبات في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، حيث كان اسمي من الأسماء الأولى في قائمة المشاركين التي ضمت 7 فتيات من كليات التقنية بالمنطقة الغربية، ولكن بعد الاختبارات العلمية التي كانت في غاية الصعوبة رشحت لأكون ضمن الفريق المشارك للمرة الثانية.
ثقة وإصرار
ورغم الإحباطات وكلام الأقرباء والصديقات التي كانت تسمعها الحمادي من المقربين لها بأنها ستتكل تلك التجربة بالفشل، إلا أن ذلك كان وراء قوة عزيمتها وإصرارها للمحاولة مرة ثانية، بهدف الوصول إلى قمة القطب الجنوبي لرفع علم الإمارات. وبكل ثقة وإصرار بدأت الحمادي بتجهيز نفسها، لهذه المغامرة الجديدة، بعد فترة العلاج من الكسور التي استمرت 8 أشهر، تبعتها 3 أشهر لممارسة العديد من الرياضات المفيدة التي تساعد على أن يكون المغامر لهذه الرحلة أكثر لياقة وقدرة على تحمل الصعاب في كل الأوقات، وذلك من خلال تناول مجموعة من الفيتامينات التي تقوي الجسم والمناعة في حالة حدوث أي ظرف صحي.
وتضيف: «استعدادي النفسي والذهني ساعدني في الانتقال إلى المرحلة العملية وهي الانطلاق لمغامرة السفر من مطار دبي إلى البرازيل ثم إلى مدينة الأرجنتين «مدينة أوشويا» التي ستنطلق منها رحلة المغامرة الحقيقية لمواجهة العديد من التحديات مع فريق جاء ليثبت نجاحه وتفوقه رغم برودة القطب الجنوبي.
رحلة التحدي والنجاح
الانتقال إلى مدينة أوشويا يحتاج إلى سفينة لشق طريقها عبر البحار في الأرجنتين، وبالفعل خلال رحلة استغرقت 60 ساعة لسفينة تضم 6 طوابق وفريق عمل مكون من 100 شخص و88 مغامراً تم الوصول إلى القطب الجنوبي، ليكون منظر شروق الشمس هو أول منظر تشاهده الحمادي. وتصف ذلك الشعور الذي انتابها أنه من هول وجمال وروعة المنظر لم تستطع الحديث مع أفراد الرحلة لدقائق عدة، حيث لم تر هذا المنظر الخيالي من قبل، في وسط جبال من الثلج وطبيعة خلابة يكسوها بساط أبيض يمتزج ما بين اللونين الأبيض والأسود، لتنطلق أولى الكلمات من فم الحمادي وتقول «سبحان الله»، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن النجاح.
وتقول في هذا الشأن «بعد الصعود إلى السفينة والوصول إلى القطب الجنوبي انتقلنا إلى 12 قارباً صغيراً لنقل المشاركين في زيارة القطب الجنوبي ولمشاهدة الجانب الآخر منه، حيث كانت تلك القوارب تبحر بنا لتقف في إحدى جزر القارة القطبية لمشاهدة الحيوانات القطبية وبعض الجزر التي ستمارس عليها مجموعة من التحديات مع الفريق».
وتذكر الحمادي أول تحديات المغامرة نحو القطب الجنوبي موضحة: «من أول تلك التحديات كان (تسلق مرتفع ثلجي) لمسافة كيلومتر، وهو تمرين يهدف إلى تسلق الجبل لمشاهدة الجانب الآخر لمنطقة خالية من القطب الجنوبي الذي يوفر حياة أخرى لعالم الحيوانات القطبية مثل البطاريق والحيتان، ورغم المشقة والتعب للوصول إلى هذا الجزء، إلا أنه لم يكن أقل جهداً من التحدي الثاني، وهو (التخييم والمبيت في القطب الجنوبي)، حيث إن هذا المكان قارس البرودة ولم يغفل لي جفن ولم أستطع النوم على أرضية باردة خالية من استخدام أي شيء للتدفئة، بالإضافة إلى تعرض المنطقة بين حين وآخر لانهيارات ثلجية، كما أن أصوات الحيوانات القطبية التي كنت أسمعها بصوت عالٍ، جعلتني أشعر للمرة الأولى بإحساس صعب لم أكن أتوقعه، لكن إصراري على مواصلة المشوار خفف من هذا الشعور الذي أصابني خلال ثوانٍ بالتراجع، وكان التحدي الثالث لي هو (ارتداء ملابس السباحة والنزول إلى مياه القطب الجنوبي) التي كانت درجة حرارة الماء فيه 2 تحت الصفر، ورغم أنني ليست لدى أي خبرة تذكر في عالم السباحة، إلا أنني استطعت اجتياز هذه المرحلة بنجاح فائق متغلبة على بقية المشاركين الآخرين لإنجاز التحدي الرابع وهو (المشي في الغابة)، والغاية من ذلك، بحسب الحمادي، هو العمل كفريق واحد وبث روح التعاون والمساعدة مع مجموعة من مختلف الجنسيات الذي يضم أكبر مغامر يبلغ من العمر 50 عاماً، في حين كنت أصغر مشاركة في هذه المغامرة، لأنتقل إلى مرحلة أكثر صعوبة ومشقة وهي القدرة على التحمل من خلال (المشي على الثلج) لمسافات طويلة، وليستمر هذا التحدي 3 ساعات ونصف الساعة، رغم برودة الجو، إلا أنه تكلل ذلك التحدي بالنجاح».
«محطة ابيست»
بعد إنجاز كل تلك التحديات ونجاحها، استطاعت الحمادي أن تصل إلى آخر مرحلة من التحديات التي وجدتها، كما تقول، من أهمها وأصعبها هو الوصول إلى «محطة ابسيت»، وهي موجودة في القطب الجنوبي وتضم الكثير من العلماء والخبراء الذين يقومون بدراسة طبقة الأوزون والتغير المناخي.
وتصف هذه التجربة، وتقول «كنت في غاية الفرح والسعادة حين علمت أنني بصدد التعرف إلى هؤلاء العلماء والخبراء الذين منذ فترة طويلة ينتظروننا لشرح سبب وجودهم في هذا المكان البعيد عن الناس، ولكن في آخر لحظة ولظروف جوية خارجة عن الإرادة تم إلغاء هذا التواصل مع هذا الفريق، مما جعل الكثير من المشاركين يشعرون بالاكتئاب والضيق والضجر، ولكن بعد أن عرف السبب وهو أن المنطقة القطبية بصدد التعرض لعاصفة ثلجية اقتنع الجميع بعدم المخاطرة، لكن ذلك لم يمنع أحد العلماء من محطة (ابسيت) من القدوم إلينا وشرح طريقة عملهم في هذا المكان والصعوبات التي يواجهونها، والمدة الزمنية التي هم موجودون فيها لدراسة طبقة الأوزون وما تتعرض له من تغير مناخي».
رسالة لكل إماراتية
وحول شعور الحمادي بهذه المغامرة نحو القطب الجنوبي، تصفها بأنها لم تكن مجرد مغامرة شخصية لاكتشاف ذلك المكان فقط، وتقول «بل هو نوع من التحدي الذي خاطبت به نفسي لاكتشاف قدراتي على التحمل والذهاب إلى أبعد مدى، وهو في الوقت ذاته رسالة لكل امرأة إماراتية وعربية لتخطي حواجز وعقبات الحياة مهما كان شكلها أو لونها. أما شعورها حين رفعت علم الإمارات في القطب الجنوبي، فتؤكد الحمادي أنه أحساس لا يوصف، حيث بعد التعب والجهد ومواجهة الكثير من التحديات الصعبة تم الوصول إلى قمة القطب الجنوبي ورفع علم الإمارات وتحقيق حلم حلمت به منذ فترة طويلة».
وتوضح ذلك بقولها «إحساس صعب أن تصفه الكلمات، لأنه حلم تحقق، وخالف كل التوقعات والمشاعر التي كنت أعتقد أنني سأعيشها عند الاقتراب والوصول، ناهيك عن المنظر الذي يفوق الوصف والخيال، ولم أكن أصدق أنني استطعت تحقيق ما حلمت به برفع علم الإمارات وأخذ صورة إلى جانبه، وأن أثبت للجميع أن الفتاة الإماراتية لا تطمح سوى إلى التميز في المحافل والمجالات كافة، وباستطاعتها إثبات ذلك من خلال الإصرار والعزيمة اللذين تربيت عليهما لدولة تعشق الرقم واحد في كل المجالات. وما فعلته هو رد الجميل لدولة الإمارات التي لم تبخل على أبنائها بالوصول إلى أعلى المراتب العلمية والعملية».
مخاطر الرحلة
تذكر الحمادي أخطار رحلة القمة، وتقول هي كحياة يومية محفوفة بالأخطار. كثر لا يدركون طبيعة الأرض التي نسير عليها، فهي ليست مسطحة وسهلة المشي، وكل خطوة كنا نسير خلالها كانت محسوبة علينا، لوجود أماكن قد تنشقّ الأرض فجأة فيها، إضافة إلى وجود عدد كبير من الفجوات التي لا ترى بالعين المجردة بسهولة، لذلك كان علينا السير بحذر ووعي، وبشكل شخصي، أكثر الأخطار التي كانت تشغل تفكيري كثيراً الخوف من عدم قدرتي على الاستمرار لشدة البرودة، أو أن أُكمل طريقي وجسدي متعب وهو ما يُشكل خطراً أكبر علي، وهذا أكثر ما كان يقلقني.
المصدر: الاتحاد