أكد خبراء بقطاع البناء والتشييد ومقاولون أن إغلاق المنفذ البري لقطر، والذي كانت تعتمد عليه الدوحة في استيراد مواد البناء من السعودية، يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد هذه المواد بنسب مرتفعة تصل إلى الضعف، ما يهدد مشاريع البنية التحتية الجاري تنفيذها بقطر، موضحين أن السياسة المتعنتة التي تنتهجها حكومة قطر تؤثر سلباً على قطاع البناء والتشييد في الدوحة.
وقال هؤلاء لـ «الاتحاد»، إنه رغم محاولة قطر الحديث عن توفر مصادر بديلة لمواد البناء، فإن ذلك يظل أحد الحلول المؤقتة، والذي لا يمكن الاعتماد عليه فترة طويلة.
وأوضحوا أن تكلفة النقل تمثل نسبة كبيرة من تكاليف البناء، لاسيما بمشاريع البنية التحتية، ومن ثم فإن ارتفاع تكلفة استيراد هذه المواد، يعني زيادة التكاليف الإنشائية، فضلاً عن تأخر إنجاز المشاريع.
وزعمت قطر مؤخراً عدم حدوث أي تأثير على استعداداتها لاستضافة كأس العالم 2022 لكرة القدم، وأنها أوجدت مصادر بديلة لمواد البناء من مناطق أخرى، لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، مؤكدة أنها كانت تعتمد أكثر على الموانئ البحرية والجو في استيراد المواد اللازمة لعملية الإنشاء وليس على المنفذ البري فقط، فضلاً عن استخدام المواد الموجودة لديها والتي تصنع محلياً، بجانب المواد المخزنة.
وأفاد تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية مؤخراً، أن المقاطعة التي تواجهها قطر تثير مخاوف على مباريات كأس العالم لكرة القدم 2022 والمقرر أن تستضيفها الإمارة، مؤكدة أن الأزمة الديبلوماسية التي تضرب قطر تهدد أعمال البنى التحتية التي تكلف 500 مليون دولار أسبوعياً، لتجهيز قطر للدورة.
وتابعت الصحيفة أن قطر تستورد المواد الثقيلة مثل الركام – الأحجار المسحوقة المستخدمة للأسمنت والبناء – من كسارت سلسلة جبال حجر في إمارة رأس الخيمة بالإمارات. وغالباً ما يتم تسليم مواد أخرى مثل الحديد والصلب أو المعدات الميكانيكية عن طريق مركز التداول التجاري في دبي.
وقال كولن فورمان، نائب رئيس تحرير مجلة «ميدل إيست إيكونوميك دايجيست»، إن ما يصل إلى نصف مواد البناء والمعدات في قطر يتم استيرادها عبر الحدود البرية السعودية. والعديد من المواد تصنع في دولة الإمارات، ومن ثم تنقل عبر الحدود السعودية إلى قطر.
ويقول مسؤولون تنفيذيون في قطاع الصناعة: «إن شركاء الخدمات اللوجستية يضطرون إلى تعديل الطرق البرية والطرق البرية، مؤكدين أن تغيير طرق نقل المواد سيزيد الوقت والتكلفة للمشاريع». وقد تكون القدرة في ميناء حمد غير كافية للتعامل مع تدفق المواد والآلات لجميع المشاريع، بحسب التقرير.
تأثير سلبي
وفي البداية، أعرب المهندس علي محمد العبيدي، مدير مؤسسة برج البلد للمقاولات العامة، عن تأييد قطاع المقاولات لموقف قيادة الإمارات الرشيدة في ما اتخذته من مواقف وإجراءات ضد سياسات قطر الخارجة عن وحدة الصف الخليجي والعربي، مؤكداً أن سياسات الدوحة تعود بالضرر في المقام الأول على الشعب القطري وتؤثر بالسلب على الاقتصاد والاستثمار بالدوحة.
وأشاد العبيدي بقرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة الإماراتية والقطرية، ما يعبر عن السياسة الراسخة التي تنتهجها القيادة الإماراتية الرشيدة نحو شعوب الدول العربية والعالم أجمع، مهما كان حجم الخلافات مع حكام هذه الدول.
وأوضح العبيدي أن قطاع الإنشاءات في قطر كان يعتمد بصورة كبيرة على استيراد مواد البناء من السعودية، حيث كان يتم نقل هذه المواد خلال 4 أو 5 سنوات، ومن ثم فإن الحديث عن البحث عن مصادر بديلة لمواد قد يستغرق نقلها أياماً، يعني المزيد من الوقت والجهد والتكاليف، ما سيؤدي حتماً إلى تأخر إنجاز المشاريع.
وأشار إلى ظهور علامات «التخبط» في كل القرارات التي تتخذها القيادة القطرية، موضحاً أنه في بعض الأحيان يتم الحديث عن استيراد مواد بناء عبر البحر، وأحياناً عبر الجو، ومن دول متنوعة، وهو ما يعكس عدم وضوح الرؤية، سواء فيما يتعلق بتكلفة أو إمكانية نقل مواد البناء، لاسيما من خلال الجو، أو عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالمواصفات بشأن مواد البناء المطلوب استيرادها.
وأكد العبيدي أن سوق البناء والتشييد في قطر بوجه عام غير جاذب، حيث لا تتوفر مشاريع كبرى باستثناء تلك المتعلقة بمشاريع كأس العالم.
البنية التحتية
بدوره، أشار إلياس عبده، رئيس مجلس إدارة شركة ويبكو للمقاولات، إلى أنه لا يمكن الحديث عن مصادر بديلة لمواد البناء التي كان يتم استيرادها براً عبر السعودية، دون الإشارة لبند تكلفة النقل، لاسيما عند الحديث عن النقل البحري أو الجوي.
وأوضح عبده أنه بوجه عام، فإن تكلفة النقل تمثل نسبة كبيرة من تكاليف إنشاء المشروع، لاسيما بمشاريع البنية التحتية، إذ تصل بهذه المشاريع لنحو 15%.
وذكر أن إغلاق المنافذ البرية لقطر، سيؤدي إلى زيادة تكلفة نقل مواد البناء إلى أكثر من الضعف، بل إن بعض المواد سترتفع تكلفة نقلها لثلاثة أو أربعة أضعاف، موضحاً أن بعض مواد البناء، لاسيما المستخدمة في مشاريع الردم والطرق، قد تكون منخفضة السعر، ولكن تكلفة نقلها مرتفعة جداً.
وأضاف عبده، أنه بخلاف التكاليف، فإنه لا يمكن تجاهل زيادة الوقت المستغرق في عملية النقل، ما يؤثر سلباً على مواعيد الإنجاز، ويقلص جاذبية العمل في سوق الإنشاءات القطرية.
وذكر أن تكلفة النقل ترتفع بوجه عام خلال أشهر الصيف، نظراً لارتفاع درجة الحرارة، واضطرار القائمين على عمليات النقل لزيادة عدد ساعات الراحة للعمال أثناء الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.
أوضاع اقتصادية
ومن جهته، قال سليم فرح، نائب المدير العام بالشركة الهولندية للأساسات، إنه من المتوقع زيادة تكلفة إنشاء المتر المربع في قطر بنحو 20% إلى 30% خلال الفترة المقبلة، وذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الدوحة حالياً، وفي مقدمتها إغلاق المنفذ البري لاستيراد مواد البناء.
وأشار فرح إلى صعوبة الحديث عن النقل البحري والجوي لبعض مواد البناء، والتي يتم نقلها بالبر، حيث ترتفع تكلفتها بنسب كبيرة جداً عند نقلها بالبحر.
وتوقع تأخر الأعمال الإنشائية بعدد من مشاريع البنية التحتية، موضحاً أن عدم توفر مواد بناء أي مشروع لمدة مستقبلية يؤثر سلباً على التنفيذ، متوقعاً تباطؤ النشاط الإنشائي في قطر خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أن شركات المقاولات تضع تكلفة النقل على رأس أولوياتها في تنفيذ أي مشروع.
وقال فرح: إن السوق القطري يعتمد بشكل كبير على مواد البناء المستوردة، موضحاً أنه مع عدم توفر هذه المواد بسهولة فإن احتمالات التباطؤ تتزايد.
ووافقه في الرأي مفيد أسود مدير سي إيه تي للمقاولات بالإمارات، مؤكداً أن الاعتماد على نقل مواد البناء لقطر من خلال البحر فقط سيؤثر سلباً على قطاع البناء والتشييد، في ظل اعتماد القطاع بنسبة كبيرة على الاستيراد من خلال المنفذ البري.
المصدر: الاتحاد