عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
التاريخ يعيد نفسه، تبدأ الثورات والحروب متحمسة ومتوقدة ، ومع مرور الزمن وضخامة الخسائر تنتهى الأطراف إلى طاولة مفاوضات تكون أسلحتها الكلمات والحجج والتكتيكات التفاوضية ومدى قُدرة كل طرف على حشد مواقف سياسية صديقة، وفي الأخير يتجرع أحد الأطراف أو كليهما بعض السُم ويوقعان على وثيقة ربما تكون بداية لتاريخ جديد.
هذا الأسبوع يترقب الشعب السوري -كما كثير من الدول الإقليمية بقلق كبير- ما سيخرج به مؤتمر (جنيف 2) من إرهاصات.
كما تعلق دول أخرى آمالا كبيرة على نتائج هذا المؤتمر -ولو بعد حين- حيث تأمل أن يضع حدا لمأساة الشعب السوري الذي عانى الأمرين طيلة العامين ونصف العام بسبب المجازر التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحقهم، خاصة أن المأساة السورية تعدت حدود سوريا نفسها.
فاستنادًا إلى الأمم المتحدة، قُتل منذ بدء الحرب الأهلية أكثر من 130 ألف مدني سوري، كما سجّل وجود 2.3 مليون لاجئ خارج البلاد، ونزح 6.5 مليون شخص إضافي داخل سوريا.
موقف السعودية وبعض دول أصدقاء الشعب السوري من (جنيف 2) يتلخص في المطالبة ببدء مرحلة انتقالية في سوريا دون الأسد، والدعوة إلى ضرورة استغلال مؤتمر (جنيف 2) لاتخاذ موقف ضد النظام السوري يساوي حجم المجازر التي تظهر أدلتها بين الحين والآخر ما يؤكد وحشية النظام في قمعه المعارضين.
الموقف الروسي كان مساندا للنظام السوري ومتماهيا مع دعايته، فموسكو ضغطت سرا ودعت علنا لدعوة إيران لحضور المؤتمر ، وهو الأمر الذي كاد يخلط الأوراق ويتسبب في تأجيل أو الغاء المؤتمر، فيما الموقف الأمريكي الخطابي كان غامضا وعلى مستوى التوقعات المتواضعة.
كما أنه يعكس الموقف السياسي الأمريكي على الأرض، فوزير الخارجية جون كيري قال في كلمته: “إننا إذا تمكنا من حشد طاقاتنا المشتركة سويا، فسنصوغ تسوية توفر السلام للمنطقة والسلام للشعب السوري، وآمل أننا سننجح..”، وأضاف “يتعين علينا التعامل مع الواقع هنا.
إننا فعلا بحاجة إلى التعامل مع الواقع، إذ إنه لا توجد طريقة -لا توجد طريقة يمكن تخُيلها- أن الرجل الذي قاد الرد الوحشي على أبناء شعبه يمكن أن يستعيد شرعيته في الحكم” أى أن كيري يبشر بأسوأ السيناريوهات وأهونها الذي ينتهي ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة للمشاركة في الحرب الكونية ضد الإرهاب المتواجد على الأرض السورية (كما تُردد بعض الأوساط الدولية).
معظم الدول المجاورة لسوريا (خاصة تركيا والأردن) تستعجل الحلول وتراقب التطورات عن كثب وتعيش لحظات عصيبة للغاية حيال التطورات المتسارعة في الملف السوري تحملها العبء الأكبر في ارتدادات الأزمة السورية بأبعادها الإنسانية والمالية والسياسية أيضا، حيث إنها تعيش هذه المعضلة منذ بدايتها في عام 2011م ، وأكثر ما يقلقها هو أن يخرج المؤتمر بقرارات تساهم في تقوية فرص بقاء النظام السوري، وتعطي الفرصة لبشار الأسد لترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة، والبقاء على رأس السلطة لحقبة رئاسية جديدة، وهنا تخشى من دفع ثمن مواقفها السياسية ضده.
بالنسبة لتركيا فهي تعيش أجواء سياسية ملتهبة داخليا كما يظهر نوع من التناقض في الخطاب السياسي التركي.
ففي نفس الوقت الذي كان وزير الخارجية التركي يهاجم الرئيس بشار الاسد نجد ان الوزير يعلن عن أسفه لعدم دعوة حليفته إيران لمؤتمر جنيف 2 بعد لقائه السابع مع وزير الخارجية الايراني جواد ظريف هناك.
إيران من جهتها تعتبر نفسها منتصرة، فخصومها تبددت أحلامهم في سوريا، بعد أن أسقط الجيش السوري (المدعوم إيرانيا ) طموحاتهم وأطماعهم في سوريا ومما يساعدها أن الصورة الضبابية لا تزال غامضة، بل ربما أكثر تعقيدا خصوصا مع التباين الواضح في تفسير مواقف الدول الكبرى حول تنفيذ بنود اتفاق (جنيف 1) لا سيما تلك الفقرة المتعلقة بالسلطة الانتقالية في سوريا.
أخيرا: رغم كل الدماء والآلام فان المدرسة الدبلوماسية تذهب الى أن الحوار أفضل من عدمه، فهو يمثل فرصة وبارقة أمل كي يتسنى للشعب السوري أن يستعيد السلام، على الأقل أن يستطيع الملايين التسعة من اللاجئين السوريين العودة إلى بيوتهم المدمرة، وبدء مستقبل صعب، لكن ربما أفضل من واقعهم الحالي.
المصدر: اليوم السعودية