مفكر إسلامي
خاص لـ هات بوست :
لا يسع المرء إلا أن يشعر بالسعادة لسماعه خبر وصول سيدتين “مسلمتين” إلى مقاعد مجلس النواب في بلد كالولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن إحداهما من أصول فلسطينية والأخرى بدأت حياتها كلاجئة في تلك البلاد، وما يحمل هذا الأمر من رد اعتبار بشكل أو بآخر لكثير ممن ينتمون إلى المضطهدين حول العالم.
وإذ نتميز نحن العرب بالإنفعال والعاطفية، جيّر الكثيرون ما حصل وكأنه نصر للإسلام والمسلمين، في عقر “دار الكفر”، وكأن أمور المسلمين في ديارهم على خير وجه، ولم يبق سوى أن يضعوا موطأ قدم في برلمانات غيرهم لينتصروا، وكأني بهم يتناسون أن ما حصل هو انتصار لمبادىء الديمقراطية من حرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة وفصل السلطات، مما يحاربه الإسلام الموروث بكل ما أوتي من قوة، فهذه المبادىء سمحت للمسلمة أن تنال حقوقها كغيرها بغض النظر عما تؤمن به وكيف تؤدي صلواتها وما ترتدي، وبغض النظر عن أصولها سواء عربية أم أفريقية أم غيرها، ناهيك بالطبع عن الجنس، فهل لنا بالمقارنة مع عالمنا العربي أم من الأفضل لنا غض الطرف والاكتفاء بالمراقبة فقط؟
والمفارقة في ما نحن عليه هو تبادل الأدوار، فدورنا نحن المسلمين أتباع الرسالة المحمدية أن نفعل ما جاء في رسالتنا من رحمة للإنسانية وخاتمية وعالمية، حمل فيها رسولنا الكريم مبادىء الحرية والتعددية والمساواة والشورى منذ عشرات القرون، فالخلق كلهم عباد الله، لهم مطلق الحرية فيما يؤمنون به {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (الكهف 29) وحسابهم على الله يوم القيامة، والاختلاف سنة الحياة {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود 118)، ولا واحد إلا الله وكل ما عداه متعدد متغير، والناس سواسية تقيمهم أعمالهم الصالحة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13) والشورى أساس الحكم {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} (آل عمران 159) وقيمتها كتكليف كغيرها من التكاليف، لكن درج الفقه الموروث على تسليط الضوء على بعض التكاليف وإغفال البعض الآخر، مما أنتج مجتمعات منافقة تهتم بالأشكال دون المضامين، أما النساء فبأفضل الأحوال تخصص نسبة من الوظائف أو المقاعد النيابية لهن، كذر للرماد في العيون، مع أن الرسول بايعهن كالرجال تماماً.
فإذا أتينا لحقوق الآخر المختلف في مجتمعاتنا وجدنا أنه غالباً لا يتمتع بذات الحقوق، فقد لا يمكنه ممارسة شعائره أو التعبير عنها، أو يمنع عليه بناء دور “العبادة” الخاصة به، مع أن الإسلام احترم خصوصية مكان كل ملة {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} (الحج 40)
وفي الدساتير في الجمهوريات العربية”العلمانية” يلعب المعتقد دوراً في تقييم مؤهلات المرء، فقد يمنعه الدستور من الحلم بأن يكون رئيساً للجمهورية، أو مناصب أخرى، وفي قوانين الأحوال الشخصية قد تنتقل حضانة الأولاد للجدة بدل الأم حين انفصال الزوجين إذا لم تكن الأم من معتنقي “الدين الأفضل”، مع أن الله لم يشرع فصل الولد عن أمه وفقاً لطريقة صلاتها أو صيامها، وإذا كان الإسلام هو الدين القيم فهو الإسلام العالمي الذي يضم كل الناس تحت مظلته، كل من آمن منهم بالله الواحد وعمل صالحاً {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33).
رب قارىء يلومني ويقول “أنك معجب بالغرب”، وأقول أني أتمنى الخير للإنسانية جمعاء، ورغم إعجابي بالقيم التي وصل إليها الغرب، لكن شعوري بالأحقية، كمسلم أؤمن برسالة محمد، بوصول مجتمعاتنا إليها قبله، يطغى على هذا الإعجاب، سيما ونحن نرى ما آلت إليه أحوالنا جراء ابتعادنا عن كتاب الله، واتباعنا لدين الفقهاء، ورغم تأخر الإنسانية عن رسولنا في تبني تلك القيم، إلا أنه كان من الأجدر بنا أن نتابع طريقه ونحمل لواء رسالته، لا أن نطبق ما طبق على مجتمعه ونتقيد بظروفه فنصبح خارج الزمان، حينها فقط سنعتبر أي انتصار للمساواة في بقاع الأرض هو انتصار للإسلام، وأي حرية لنا ولغيرنا المختلف هي كذلك أيضاً.
لكن الأمل ما زال موجوداً، فلنبدأ بما حولنا، ونحاول استيعاب الآخر ومنحه حقه، ابتداءً من الكلام، وليس انتهاءً باحترام حرية المعتقد، لعلنا نصل يوماً لنكون مسلمين بحق.