أي مفاجأة يحملها لنا شهر آب (أغسطس) من كل سنة ميلادية؟ غير الحر والرطوبة والشمس الساطعة والهجرات التي يمارسها الميسورون إلى بقاع العالم، هرباً من الصهد والأجواء المتجهمة في الصحراء العربية. لا ينطوي هذا الشهر على مفاجآت، بل أيضاً مصادفات يصعب استيعابها. قبل أيام رحل عن دنيانا الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، كنا لنتفهم ذلك، بعد معاناة طويلة مع المرض، لكن أن يكون في الشهر نفسه الذي رحل فيه رفيق دربه وصنوه في الشعر والرسائل والنضال محمود درويش، ليس ذلك أيضاً يمكن أن نضيف إليهم رسام الكاريكاتور ناجي العلي، فإذا بنا أمام رموز المقاومة الفلسطينية، إذاً هنالك ما يستدعي وقفة، بل وقفات من التأمل عندما نعلم عن هذا الشهر، الذي يعد ثامن الشُّهور المسيحية (الميلادية) والذي يقابله (آب) من الشُّهور السريانية، وسمي بهذا الاسم نسبةً إلى مؤسس الإمبراطورية الرومانية غايوس يوليوس قيصر أوكتافيانوس ديفي فيليوس(أغسطس) وهو أيضاً يوافق برج الأسد الذي يمثل القوة والنار في ترتيب الأبراج الغريبة ويمتاز بالسخاء والجدية. السخاء والجدية في ماذا؟ لا نرى سخاء في هذا الشهر، غير أن أرواح أدباء وعباقرة ومشاهير رحلت بعيداً من عالمنا الأرضي باتجاه عالم آخر. فعند مراجعة تاريخ هذا الشهر نجده استأثر بالعدد الأكبر من وفيات المشاهير من أول دقيقة في اليوم الأول حتى اللحظة الأخيرة في 31 عادلاً في تقسيم نهاياته على كل الأجناس والاتجاهات، واضحاً قوياً لا يميل إلى المواربة ولا التأجيل.
فمثلاً غيب هذا الشهر من السياسيين العرب الملك فهد بن عبدالعزيز ومحمد علي باشا وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومحمد نجيب وعبدالرحمن عارف وكميل شمعون وحسني الزعيم والبنغلاديشي مجيب الرحمن والتركي جلال بايار والإيراني محمد رجائي وأميرة ويلز ديانا. ومن المفكرين والأدباء العالميين والعرب نذكر أنجلز ونيتشه وتروتسكي وطاغور وأحمد ديدات ونجيب محفوظ وسيد قطب ويوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وجورجي زيدان وخليل مطران وعبدالوهاب البياتي وبودلير وبلزاك وهيرمان هيسه وعبدالله البردوني وغازي القصيبي. وزع (أغسطس) الموت بالتساوي على عظماء هذا العصر، وفي مجالات كثيرة، فعندما نتصفح لائحة المخترعين والمكتشفين، سنعثر على عدد مهم منهم متوفين في هذا الشهر، فهنالك فردريك كوري ولويس باستر وبليز باسكال وفاراداي وطومسون جراهام بيل وآرمسترونج وشوكلي وجيمس وات ولوفينهوك والمصرية سميرة موسى. ونصيب الفنانين والممثلين من سخاء (أغسطس) لافت، إذ حظي بهذا السخاء كل من: مارلين مونرو والفيس بريسلي وروبن ويليامز وأوليفر هاردي وريتشارد برتون وفالنتينو ورشدي أباظة وأمينة رزق وسعيد صالح وهند رستم وكمال الشناوي ومحمد نوح وحسن الأسمر وفهد بلان وفؤاد غازي ووفيق الزعيم وطلال مداح والإيطالي فالنتينو .
برج الأسد يتمتع بصفة الزعامة، وكما يقال عادة لمن يمتلك الحصة الأكبر، «حاز نصيب الأسد». وهذا ما أثبته (أغسطس) حين جمع كل هذه الشخصيات في حياضه حتى أصبح «مقبرة العظماء».
المصدر: الرياض – أحمد الفاضل – الحياة