كاتب لبناني
عاد إلى مصر النقاش حول هويتها: مصرية أم عربية؟ والجدل أحيانًا على أرقى مستوى، وأحيانًا من غير مستوى. وأقول: «عاد»، لأنه لم يتوقف. أو كلما توقف، عاد من جديد. بدأ في الذاكرة المعاصرة في الثلاثينات، ثم تكرر في الخمسينات والستينات، ثم بعد النكسة، ثم بعد كامب ديفيد، ثم بعد عودة مصر إلى الجامعة – والجامعة إليها.
مع كل أزمة نفسية تضرب مصر، تُطرح القضية من جديد. وأزمات مصر لا تنتهي. ونقدها الذاتي بحر عارم. وفي كل مرحلة، يعيد المصريون النظر فيما جرى. والآن، كل مصر منقسمة حول حادث دخول الأمن إلى نقابة الصحفيين. البعض لا يرضى، كالعادة، بأقل من استقالة وزير الداخلية. والسيدة صفية مصطفى أمين تقف في الجانب الآخر لتقول إن الحرية للشعب، وليست للصحافة، وإن مصر تدفع اليوم من رغيفها ودمها ويومها ثمن الماضي الثقيل بفراغه وخوائه.
وإذ تخوض مصر معركة المصرية والعروبة، وحرب سيناء، وحرب الأنفاق، وحرب النقابة، وحرب عكاشة، وحرب الكمائن في حلوان، تُعلن «داعش»، للمرة الأولى، عن وجودها بطريقتها وأسلوبها، فتصغر حجم الحروب الأخرى، والمخاوف الأخرى. وتذكر صفية مصطفى أمين بأن «أم الدنيا» التي كانت أغنى الدول، أصبحت تبحث عن المساعدات. وتتحدث الصحافة عن هزال رواتب الشرطة والخيانات في صفوفها.
ومصر في فوران، فيما المطلوب – أمس واليوم وغدًا – عمل وعلم. وسواء كانت عربية أو مصرية، فهي دولة كبرى في أزمة. وبقدر ما يعنينا الأمر، فإننا نريدها دولة عربية وعزة عربية لأننا من دونها بناء بلا زاوية. أما إذا كان المصريون يريدون عزلها عنا، فإلى أين سيذهبون؟ نحن قدرهم وهم قدرنا. لكن القدر الأكبر ليس الفرعونية، ولا العروبة، بل الإنسان. وحيوية مصر الهائلة يجب أن تكرس في هذا الاتجاه. وأن لا تسقط، مثل سواها، في مجامر ومواقد ظواهر التفكك والقبليات والغرائز الخرافية.
النقاش في الأمم دليل حضاري، لكن الجدل متاهات غبية وإضاعة وقت ومصادر وطاقات. ووسط هذا الضياع، نلمح أحيانًا وجهًا حقيقيًا من مصر، كمثل وجه الفنان محمد صبحي الذي يكرس وقته وماله لمساعدة الفقراء والمحتاجين وأهالي العشوائيات. ولم نسمعه مرة يسأل أحدهم من أي قبيلة أنت، ولا من أي مدينة، ولا من أي حي، ولا من أي طائفة؟ تحية إلى إنسان مصري كبير.
المصدر: الشرق الأوسط