مطاعم فاخرة في سجون بريطانيا

منوعات

150101151954_the_latest_uk_dining_hotspot_prison_512x288_theclinkcharity

يطلق السجناء في سجون المملكة المتحدة على مدة العقوبة بالسجن التي يقضونها تعبيرا شائعا يعني حرفيا أنهم “يصنعون عصيدة”. ويبدو أن هذا وصف عملي أطلق على صحون الشوفان التي كانت توزع عليهم في الصباح سابقا في غرف السجن في جميع أنحاء البلاد.

إلا أن هذا الوصف أخذ بُعداً آخر جديداً عقب افتتاح مطاعم للجمهور داخل سجون مختارة في بريطانيا. ويعمل السجناء في هذه المطاعم كطهاة ومساعدين، ويعدون أطباقاً تنافس المستويات العالمية.

الفكرة قدمتها “ذا-كلِنك تشارتي” وهي مؤسسة خيرية تهدف إلى تخفيض نسب إعادة ارتكاب الجرائم من قبل المجرمين السابقين، وذلك بتدريبهم وتوظيف الخريجين بعد اطلاق سراحهم. بدأ تطبيق الفكرة في ثلاثة سجون في المملكة المتحدة. وأحدث مطعم في هذه السجون هو مطعم “ذا-كلِنك” في سجن بريكستن، والذي افتتح في فبراير/شباط 2014.

يقع هذا المطعم خلف أبواب الفولاذ السميكة لسجن بريكستون جنوبي لندن، ويضم شبكة أسلاك شائكة، ودوريات حراسة، وكلاب بوليسية، وكاميرات للمراقبة.

وبما أن تناول الطعام في السجن يتطلب إحاطة أمنية قبل تأكيد الحجز، فإن الزيارة ستكون بالتأكيد معقدة بعض الشيء. إذ يتوجب عليك أن تحجز طعام قبل 72 ساعة، وأن يتجاوز عمرك 18 عاماً، وأن تسلّم هاتفك النقال عند باب المطعم.

كما يجب ترك الحقيبة اليدوية والمحفظة، وإفراغ محتويات الجيوب، وربما تتعرض لفحص حيوي (بايومتري) يشمل بصمات الأصابع وأخذ صورة لك. وبالنسبة للذين يجتازون هذه الإجراءات، ستكون بانتظارهم تجربة فريدة من نوعها.

يتميز ديكور قاعة تناول الطعام في مطعم بريكست بجدران حجرية محكمة، وإضاءة يمكن التحكم فيها حسب الطلب. ويمكنك أن تتخيل نفسك أنك تقريباً في أحد أفضل فنادق لندن.

وبالنسبة لأولئك الذين يفضلون أصنافا مختلفة من الطعام، فإن قائمة المأكولات في ذلك المطعم تُبدّل يومياً. وتتفاوت الأطباق من أسماك القدّ المقلّاة مع البازلاء المقشّرة، إلى البطاطا المكسوة بالسكّر، أو لحم الخنزير المقدّد، أو الدجاج الحبشي المحمّص بالزعتر والكرفس، مع الخضروات.

الحلويات متنوعة أيضا، ويمكن ان تشمل تورتة الشيكولاتة بالفلفل الأحمر وحمض الليمون بالقشطة الطازجة – أو أنواع الآيس كريم التي تُصنع في السجن كل صباح. فهل ستكون جائزة “ميتشلين ستار” العالمية لأفضل المطاعم هي التالية؟

يقول كريس موور، المدير التنفيذي لمؤسسة ذا-كلِنك تشارتي الخيرية: “زارنا فريق من مؤسسة ميتشلين. إلا أننا لا نفتح أبوابنا للزبائن بالمعنى التقليدي للتعبير، أي أن يدخل ويخرج من يشاء. لذا فإن الأمر لا ينطبق علينا– مع أنهم أعربوا عن إعجابهم بالمكان.”

بالطبع، قد يجادل البعض قائلاً إن هذا المطعم، بمقاعده المائة والعشرين، هو أقل الأماكن جاذبية لتناول الطعام في البلاد. إلا أنهم لا يفهمون العبرة من وراء ذلك: فكرة الثقة بالمساجين، وأن توضع سكاكين حادة وأدوات طبخ خطرة بمتناولهم ليست فكرة بارعة كما تبدو لك. يمكن فقط للمساجين ممن لم يقترفوا ذنوباً عنفية أن يشاركوا في هذا الأمر.

أما أولئك الذي يُقبلون على العمل في هذه المطاعم فإنهم يخضعون لعملية استجواب صارمة. الأمر طبيعي؛ فالمئات من نزلاء السجون بطول البلاد وعرضها يقدّمون على كل وظيفة.

يشتغل المترشحون الناجحون ثمانِ ساعات يومياً، 40 ساعة في الأسبوع. كل دورة تدريبية تُدقّق بشدة (إذ تُحفظ السكاكين وأدوات الطبخ الحادة في أماكن مقفلة عندما لا تكون قيد الاستعمال). والأهم من ذلك أن مؤسسة “ذا-كلِنك” لها هدف اجتماعي مهم.

فالمشروع هو جزء من برنامج أكبر لإعادة التأهيل، يتكون من خمس خطوات لتوظيف المساجين عند إطلاق سراحهم. إنها تشمل الاختيار، والتدريب، وتدقيق الحسابات، والتوظيف، وتقديم المشورة للسجناء. الغرض من هذا البرنامج هو تخفيض نسب إعادة ارتكاب الجرائم. ويقول موور: “إننا نركز على الوضع الأشمل. فعندما يغادر السجين سجنه، عليه أن يكون ذا جلد، إذ يصعب عليه في البداية إيجاد عمل والحصول على رهن عقاري لشراء منزل ودفع قوائم الخدمات، وكأن المجتمع يعاديك.”

ويضيف مورو: “هذه هي أسباب إعادة ارتكاب الجرائم من قبل المجرمين السابقين. هنا تلعب مؤسسة “ذا-كلِنك” دوراً حقيقياً لتغيير كل ذلك.”

الإحصائيات لا تكذب. فبعد نجاح أول مطعمين لشركة “كلِنك” – يقع الأول في ’هاي داون‘ بمقاطعة ’سَري‘ والثاني في ’كلِنك كَمري‘ بسجن كارديف في ويلز- انخفضت نسب إعادة ارتكاب الجرائم.

وحالياً، يعاود 49 في المئة من المُدانين السابقين ارتكاب الجرائم في المملكة المتحدة خلال سنة من إطلاق سراحهم. وتزداد النسبة إلى 61 في المئة عند أولئك الذين يقضون أحكاماً تقل عن 12 شهراً.

أما في عام 2011، فقد كانت نسبة إعادة ارتكاب الجرائم لمن تخرجوا من برنامج مؤسسة “ذا-كلِنك” 12،5 في المئة فقط. ويُعتقد بأن نسبة الذين أعادوا ارتكاب الجرائم في عام 2012 كانت قرابة 6 في المئة، وهذا هو انخفاض كبير آخر عن المعدل الوطني العام.

إحدى الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض هو أن لتلك المؤسسة الخيرية برنامج توجيه وإرشاد مستمر. فبعد إطلاق سراح السجناء، تساعد “ذا-كلِنك تشارتي” خريجي دوراتها من المساجين لكي يجدوا عملاً في مجالي المطاعم والضيافة.

كما أنها تقدم لهم المشورة والنصح كل أسبوع لمدة تتراوح من 6 إلى 12 شهرا كي تساعدهم في إعادة اندماجهم في المجتمع. وقد حصل العديد منهم على أعمال في مطاعم مشهورة بما فيها كارلوتشيوز، بريزّو، واهاكا، ولوكاندا لوكاتيللي، وهي أربعة من بين أشهر المطاعم ذوي الفروع العديدة.

لم تكتمل القصة هنا بعد. فتخطط “ذا-كلِنك تشارتي” لكي تضيف سبعة مطاعم أخرى في كامل أرجاء المملكة المتحدة بحلول العام 2017. ومن المقرر فتح المطعم التالي في ربيع عام 2015 داخل سجن ستايل، وهو سجن خاص بالنساء يقع قرب مانشستر.

كما توجد الآن مزرعتان من “حدائق كلِنك”، حيث يزرع السجناء الفواكه والخضروات والأعشاب ليزودوا بها المطاعم. وقد استثمرت المؤسسة الخيرية مؤخراً في تربية المواشي والدواجن لكي تعلم السجناء كيفية تربية الحيوانات.

إلا أن المطاعم، بلا ريب، هي في صلب البرنامج الذي تنفذه المؤسسة، وقد أثبتت شعبيتها بشكل مذهل.

وفي إشارة إلى مطعم بريكستن، يقول موور: “حتى الآن، زارنا 12 ألف زبون في مطعمنا. وهذا يعني ألف شخص شهرياً. إنها شريحة حقيقية من المجتمع. أي أننا غيّرنا نظرة الناس إلى الحياة في السجون، كما أننا ندعم مجال خدمات الضيافة. إنه يعمل كأي مطعم عادي حقاً، إلا أنه لا يمكنك التسلل خلسة إلى الخارج لأخذ استراحة لتدخين سيجارة.”

المصدر: BBC Arabic