كاتب ومحلل سياسي- لندن
مع أميركا أو مع سوريا، مع أوباما أم مع الأسد، مع الضربة العسكرية أم ضدها؟ أسئلة من هذا القبيل تتوالى هذه الأيام، وتذكرنا بتجارب سابقة، قاسية بتطرفها وبالانقسامات التي تزرعها.
ما الحاجة إلى أميركا أو سواها إذا لم تكن أوضاعنا ذاتها هي التي تستدعي هذا وذاك إلى التدخل. في عام 1990 كان رفض التدخل يعادل الموافقة على أن يبتلع صدام الكويت، وفي عام 2011 كان يعني تفويض القذافي سحق الشعب الليبي. ومنذ عام 2011 أيضاً كان يجيز لبشار أن يقتل بما يناسب مزاجه حتى وصل إلى مرحلة إبادة الشعب بالغازات السامة.
هذا هو الخيار إذاً بين مصيرين أفضلهما سيئ، لكن الآخر أكثر سوءاً ليس هناك عقل سليم يستسيغ التدخل الخارجي لتحديد مصائر الشعوب والبلدان والأنظمة. أما العقل الذي يتقبل أن يضرب نظام شعبه بالسلاح الكيماوي ولا يقر بضرورة ردعه ومعاقبته، فهل يمكن أن يكون عقلاً سليماً.
لا شك أن مرحلة الحراك العربي لا تنفك تكشف لنا بعضاً من الكثير، الذي كان مدفوناً في أعماقنا حتى بتنا محكومين بتطرفين لا وسط بينهما، فكل شعب صار شعبين، ولكي يبقى الشعب واحداً يجب أن يزول الآخر، هذه خلاصة نصف قرن ونيف من الأنظمة والسياسات التي ولدت خطأ واستمرت خطأ وانتهت خطأ، فإذا بالشعوب تتخبط بالأخطاء من بعدها.
أخيراً لاح التدخل الخارجي الذي طلبه نظام الأسد منذ الخطاب الأول عن «المؤامرة»، ومنذ الرواية الأولى عن «العصابات»، إذا لم تكن هناك مؤامرة فإن عقل هذا النظام وآلة القتل التي يحركها لا يستطيعان أن يعملا. ولو لم تكن هناك مؤامرة لوجب اختراعها، فهذا نظام «متصالح» مع شعبه ولا يمكن أن تأتيه المتاعب إلا من الخارج، لأن الداخل – أي الشعب – موجود وغير موجود في آن، ولم يرد ولا مرة في حساباته التي كانت دائماً خارجية، والواقع أنه منذ منتصف عام 2011 لا يفعل شيئاً آخر غير مغازلة «المؤامرة» لإغرائها بالتوغل، بدأ برفع منسوب القتل وارتقى إلى القصف ثم إلى التدمير فالمجازر المتنقلة والمرفقة بملايين المهجرين والمشردين وصولاً إلى سياسة الأرض المحروقة فالإبادة بالسلاح الكيماوي.
من تصعيد إلى تصعيد، كان نظام الأسد يخاطب الدول الضالعة في «المؤامرة» التي يتخيلها ويديرها ويقوم بأبرز أدوارها تحقيقاً لأهم أهدافها: تدمير سوريا شعباً وعمراناً واقتصاداً، وإضعافها دولة ومؤسسات وجيشاً، وتمزيقها استعداداً لإعمال سكاكين الجراحة في خريطتها، تلك الأهداف التي يدعي من رتبها فيما يبذل كل شيء لتلبيتها، كان يخاطب الخارج لإقناعه بتجديد الثقة به حاكماً قادراً على تطبيع الوضع في سوريا، متجاهلاً أن الخارج تغير ولم يعد وارداً أن يعتمد عليه بعدما أوغل في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فخسر بالتالي إمكانية إعادة تأهيله.
إذاً ها هو الاستحقاق الدولي يوشك أن يضرب، وها هو النظام يبدأ رقصته المعتادة احتفالاً بالانتصار على العدوان حتى قبل أن يبدأ يحتفل لأنه أعلم مستبقاً بأن الضربات لا تتوخى إسقاطه بل إيلامه، وطالما أنه باقٍ فليس أمامه سوى امتصاص الوجع واحتوائه، وهو معتاد على ذلك إلى حد أنه يعتبره رياضته المفضلة، من قبيل أن الضربة التي لا تقتلك تقويك.
وفي حال نظام الأسد، فإن الضربة لن تقويه بل ستجعل وحشيته متفلتة وعارية، لكنها بالتأكيد ستقوي حلفاءه، روسيا وإيران و«حزب الله» الذين سيتعرّفون مجدداً إلى الحد الأقصى لما تريده الولايات المتحدة وتعتزمه. أي أن شيئاً لن يدعوهم إلى تغيير سياساتهم، بل إن الضربات قد تفتح لهم بعض الهوامش لتوسيع تلك السياسات والإصرار عليها طالما أنها تنجح في تحدي أميركا.
لم يبد حلفاء النظام السوري، أي اهتمام بكون استخدام السلاح الكيماوي جريمة، بل انشغلوا بنفي أن يكون حليفهم متورطاً فيها، وتحولوا أبواقاً لترويج روايات عن أن فصائل في المعارضة تملك الكيماوي، وتضرب به مناطق للمعارضة، لكنها روايات تشبه كل ما نسجه النظام منذ بدايات الصراع ناسباً ارتكاباته إلى معارضيه، إذا استطاع أي فصيل متطرف الحصول على مواد كيماوية من دون معرفة النظام، فإن بضع عشرات من الأجهزة الاستخبارية ستعلم قبل أن يعلم النظام نفسه.
المصدر: صحيفة الاتحاد