كاتب لبناني
قال السيد علي لاريجاني خلال جولته العربية الأخيرة، إن بلاده تتمتع بالنفوذ السياسي في خط يمتد من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق. وكان طبعا يهدف إلى الاعتزاز. ولم يكن في حاجة إلى إعلان هذه الحقيقة، فهي معروفة لمن يفتخر بها – ولمن يشكو منها على السواء.
لكن، ثمة مشكلة بسيطة جدا في عقد الدول المسماة وهي أنها جميعا تعاني حالات شديدة الصعوبة من عدم الاستقرار. وبعضها يعاني الاهتراء والتفكك. والنفوذ الذي يتحدث عنه، لم يمنع أو يخفف أو يبطئ الحروب شبه الأهلية القائمة في هذه المناطق، التي فقدت أحيانا، جميع أسباب السيادة والحكم، وأصبحت في ظل دولة أخرى ونظام آخر.
ما تزال إيران تتمسك بمعايير الثورة بعد نحو 4 عقود على قيامها. وكان يفترض أن تنتقل من الثورة إلى الدولة منذ 20 عاما على الأقل. وللدولة معايير ومقاييس مختلفة تماما، من دون التخلي عن المفاهيم والأغراض والأهداف الأولى. فالصين لم تتنازل عن الآيديولوجيا الشيوعية التي قامت عليها، لكنها أصبحت الاقتصاد الأول في العالم، وحققت أوسع نسبة كفاية في التاريخ. ولم يعد مليار صيني يرفعون في وجه العالم قصائد «الكتاب الأحمر»، بل نسبة النمو والتقدم ومعدلات الإنتاج وأعداد عشرات الملايين التي انتقلت من حياة الفقر، إلى حياة الحياة. ومن دلائل الإنجاز الصيني أن وحدتها النقدية أقوى من الدولار وليست بين العملات المتهاوية أو غير المقبولة في الأسواق.
معايير الإنجاز في الزمن الحالي لم تعد موضع نقاش. إما شعوب منتجة وكفية، وإما شعوب معانية من جميع أنواع الحاجات البشرية. لقد حمل الاتحاد السوفياتي إلى الدول الدائرة في فلكه «النفوذ» والدبابات، وفي لحظة واحدة نزلت شعوب هذه الدول إلى الشوارع لتحتفل بخروجه وإنزال تماثيل لينين وتعلم اللغة الإنجليزية.
اكتشف الألمان الشرقيون أنهم كانوا يتمتعون بأهم نظام أمني، وحولوا مقره متحفا يزوره الألوف. لكنهم عاشوا مع سيارة ترابانت، التي أُرسلت أيضا إلى المتحف، بينما عاش الغربيون في المرسيدس، ودفعوا 500 مليار دولار لتأهيل إخوانهم الشرقيين لأصول الحياة الجديدة.
أظهرت التطورات النفطية الأخيرة أن القاعدة الأولى لدورة العالم هي الاقتصاد. فما تسميه الدول المنتجة أزمة ومؤامرة، تسميه الدول المستهلكة تصحيحا للسوق. وقد انعكس خفض الأسعار كارثة في روسيا وإيران، فيما لم يتجاوز كونه عاملا اقتصاديا آخر في الولايات المتحدة وكندا، وحتى إندونيسيا، التي تتقدم في سرعة وثبات نحو الدول الكفية بعد عقود من الديكتاتوريات والفساد والحروب الأهلية.
لم يعد العالم دوائر «نفوذ» بل أصبح تكتلات صناعية واقتصادية وعلمية. وتقود الصين هذه المسيرة اليوم. وهي تحمل إلى أفريقيا، المصانع والكفاءات والمهندسين، وتحول الغابات إلى ورش كبرى. من دون صورة واحدة لماو، أو نسخة واحدة من «الكتاب الأحمر».
المصدر: الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com