كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
يقول مسؤول هيئة الطاقة المتجددة في تصريحه بالأمس (إن الأجواء المناخية الحارة على خريطة هذا الوطن قد لا تسمح بإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية….) ولست هنا بصدد الحديث عن أهمية فكرة هذه المشاريع بقدر ما أنا مهتم شغوف بدراسة وإعادة تدريس معالم الخريطة الوطنية. يبدو لي أن سواد أصحاب المعالي وأصحاب السعادة من كبار التنفيذيين لا يعرفون أن في البلد بدائل للطقس والمناخ ولا يعرفون أن في مساحة وطنهم الهائلة شريطاً جغرافياً معتدلاً وطويلاً بطول المسافة من ظهران الجنوب إلى شمال الطائف.
شمولية توزيع مشاريع التنمية الكبرى على المستوى الوطني، في مثل هذه المقاربة من تصريح المسؤول، لا تبدأ من تنوير عقل جبار يحمل أرفع الشهادات في الفيزياء النووية: هي تبدأ من درس صغير في مادة الجغرافيا في الصف الرابع الابتدائي ليعرف المواطن خريطة وطنه وتنوعه ومدنه وسهوله وجباله. سيغرق (العاقل) في نوبة ضحك أو حتى (بكاء) حين يقرأ تصريحاً لمسؤول رياضي يقول باستحالة قدرة المملكة على استضافة بطولة رياضية في عز الصيف لأن المسؤول نفسه لا يعلم استحالة إقامة نشاط رياضي في مدينة مثل الباحة بعد صلاة العشاء من شدة البرودة في “آب” اللاهب ولأن الخريطة الوطنية مبتورة في عقل مثل هؤلاء المسؤولين فستشعر بنوبة مفاجئة من الضحك وهم يقيمون دورة الألعاب الإسلامية قبل أعوام فوق (الأربعين) درجة مئوية، أو يستضيفون، مثلما فعلوا العام الماضي، مباراة لتصفيات كأس العالم في ملعب يظهر فيه الفريقان وكأنهما في حمام لـ(السونا) من شدة الحرارة والرطوبة.
والخلاصة، أن فضل الله عز وجل في علاه، كان عادلاً وهو يوزع كل أنواع الطقس والمناخ على هذا الوطن الهائل الوسيع: لكن أحداً لا يريد التفكير في وطنه، وعن وطنه، إلا بمساحة جمجمته، مثل هؤلاء يعتقدون أن خريطة هذا الوطن الكبرى هي ذات المساحة الصغيرة ما بين النخاع والرقبة أو في العرض من الأذن إلى الأذن الثانية. وعندما ينظر مثل هؤلاء من أصحاب السعادة والمعالي لخريطة وطنهم سأضع لهم العذر إن أغمضموا عيناً عما لا يقل عن ثلث الخريطة: قد (يزهقون) إن ذهبوا لبلجرشي و(يطفشون) في ليالي النماص الباردة، ناهيك أن الحبلة أو السودة ليستا في قواميسهم حتى للسياحة!!
المصدر: الوطن أون لاين