منذ اليوم الأول لانطلاقته، نجح معرض الشارقة الدولي للكتاب في استقطاب جمهور واسع من الأفراد والأسر على حد سواء، كما شهد إقبالاً لافتاً من جانب طلبة المدارس والكليات والجامعات، وتوافدت عليه أعداد غفيرة من الناس من مختلف الأعمار والجنسيات، الذين قدموا من كل حدب وصوب ومن كافة أنحاء الإمارات، وذلك حبا في التبادل المعرفي والتواصل الثقافي بين الحضارات، وتعزيزاً لأهمية القراءة ومكانتها بين جميع الشعوب وتكريما لدور الكتاب كرافد للثقافة ومفتاحا لكل العلوم والمعارف والآداب.
ضم معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الجديدة الحادية والثلاثين التي انطلقت الأربعاء الماضي وتختتم 17 نوفمبر الجاري، مجموعة كبيرة من البرامج والفعاليات التي تهم الكبار والصغار، وعددا من الأجنحة والأقسام التي تشتمل على فئات وعناوين مختلفة، منها الأعمال الروائية، والقصص، والمؤلفات الرومانسية التي لفتت الأنظار، والإصدارات الدينية، وكتب الطهي والتصميم والفنون، مع أدب الأطفال وتنمية المهارات واللغات وخلافه، والكثير الكثير من الأنشطة والفقرات التربوية والترفيهية التي تهم كلا من الطفل والأسرة معا، مما اجتذب العديد من الزوار الذين تقاطروا على أبواب المعرض منذ ساعات الصباح الأولى وإلى أوقات متأخرة من المساء، حيث كان للعائلات نصيب كبير من هذا العرس الثقافي في الشارقة على مدى ثلاثة عقود.
تقليد سنوي
وعن زيارته مع أفراد أسرته للمعرض قال رب الأسرة أحمد سالم: هي عادة وتقليد سنوي لي أقوم بها منذ أكثر من عشر سنوات، فانتظر قدوم معرض الكتاب من حول لحول، لأجمع أولادي ونخصص يوما كاملا لزيارته، فهو حدث ثقافي كبير ويهم الكبير والصغير، وكوني شخصيا عاشق للقراءة في الكثير من المجالات، أحببت لأولادي أيضا أن يستشعروا أهمية الكتاب ودوره الريادي في ترقية النفس وتطوير الذات، لأنه بكل بساطة يعتبر أبا لكل المعارف والعلوم وعراباً لكافة الآداب والفنون، لذا وإيمانا مني بأهمية الكلمة ودورها المحوري في حياة الإنسان، فأنا أحرص كل الحرص كولي أمر على تشجيع أبنائي على الاستزادة من العلم والمعرفة، واترك لهم عادةً الحرية الكاملة في اختيار الفئات والحقول التي تناسب ميولهم الشخصية، وتتلاءم مع اهتماماتهم وذوقهم الخاص، ويأتي دوري للتدخل بالعادة فقط عند اللزوم والضرورة، لأكون إما ناصحا أو موجها لهم لجودة وحسن اختيار الكتاب المناسب.
تطور ملموس
ويتابع، لقد لاحظنا في هذا العام تطور كبير وملموس في كافة الأجنحة والأقسام التابعة للمعرض، وهنالك بالفعل تحسنا وارتقاء لمعظم الخدمات والبرامج وورش العمل، كما استمتع أولادي الصغار كثيرا بورشة المرسم الحر والتلوين، فيما فضل الكبار منهم تفقد العناوين الجديدة لمختلف دور النشر العربية والعالمية، وأنا شخصيا وجدت ضالتي بين كلاسيكيات الكتب المترجمة للأدب العالمي.
ويصف ولده محمد أحمد سالم 16 عاماً، زيارته مع أهله لمعرض الشارقة الدولي للكتاب،بقوله: عودنا أبي على زيارة مهرجان الكتاب في إكسبو الشارقة منذ فترة طويلة، حتى أصبح الأمر شيئا معتادا لنا كأبناء، فوالدي محب للثقافة وقارئ نهم لمختلف الكتب والمواضيع، وهو يحثنا دوما على أن نحذو حذوه، فيشجعنا على اقتناء الكتب العلمية والأدبية، ومكتبتنا في المنزل عامرة وزاخرة بشتى المؤلفات والأغلفة، كما أنه يترك لنا الخيار عادةً في انتقاء ما نريد ونرغب من مواد وعناوين، بل وينتظرنا لساعات كي نرى ونختار ونتعلم، وهذا ما يجعلني شخصيا فخورا به كوالد حنون ومثقف لأبعد الحدود.
تجربة بديعة
أما ميثاء غانم فترى أن زيارتها لمعرض الكتاب مع ابنتيها حمدة وميرة، تجربة بديعة، حيث تمنحها هذه الواحة الثقافية اللافتة حيزا واسعا من الاستمتاع مع مساحة كبيرة من الحرية في الانتقاء والبحث عن الجديد والهام من أفضل دور النشر حول العالم، وحيث تجد من خلالها لابنتيها الصغيرتين بيئة تربوية وصحية سليمة للعلم والمعرفة.
وتقول: “في هذا المكان يجد المرء كل ما يمكن أن يتمناه ويرغبه من الكتب والمعارف، فهنا تتجمع سنويا آلاف العناوين والمؤلفات التي تطرح شتى القضايا والمجالات الإنسانية والدينية والمجتمعية، وبين هذه الجدران تبرز كل الإمكانيات والمواهب الابداعية والفنية، لذا تحول هذا الصرح الثقافي والمعلم المعرفي في السنوات الأخيرة إلى قبلة للزائرين من كافة شرائح المجتمع، فهو يقدم لكل أفراد الأسرة باقة متنوعة من الفائدة الممزوجة بالمتعة، كما أنه يعيد الاعتبار من جديد للكتاب التقليدي المقروء، والذي أخذ دوره بالتراجع مؤخرا في ظل ثورة التقنيات والمرئيات الحديثة، وخاصة عند الفئات العمرية الصغيرة من الأطفال والمراهقين اليافعين، والذين ومع الأسف معظمهم لا يشعر بقيمة المطالعة ومتعة القراءة بين دفتي الكتاب، مفضلين التسمر أمام النت وألعاب الكمبيوتر والأجهزة الرقمية على قيمة مطالعة الكتاب العادي.
عودة للكتاب
وتضيف: في رأيي يجب على كل أولياء الأمور الانتباه لخطورة هذه المسألة وتأثيرها السلبي على النشأ، ولا يجب أن تترك الحرية للصغار في تفضيل الإلكترونيات على الكلمة المقروءة، بل علينا جميعا تقع مسؤولية التربية السليمة وغرس القيم المعرفية في نفوس الأبناء، وأتصور بأن وجود معارض الكتاب المختلفة في أكثر من إمارة ومدينة أمرا ضروري وملح لصلاح هذا الجيل، كما أن الاهتمام بإنتاج كتب الأطفال من القصص والحكايات العربية والعالمية وإصدار الموسوعات العلمية بأساليب فنية متطورة له دورا كبيرا في اجتذاب الأطفال وشد انتباههم نحو العودة للمطالعة الكلاسيكية في الكتاب المقروء.
وتشير ابنتها حمدة 11 عاماً إلى فرحتها العارمة بزيارة معرض الكتاب مع العائلة: جئت اليوم مع أمي وأختي الصغيرة، ورأيت جناح الأطفال أكثر من رائع، كما تمتعت كثيرا برؤية مسرح الدمى بملابسهم البراقة الملونة، وأعجبت بفقرة الحكواتي والقصة الشيقة التي حكيت لنا، واشتريت العديد من الكتب والحكايات ذات الرسومات الجميلة، والتي سأحتفظ بها في مكتبتي الخاصة لأقرأها كل يوم قبل أن أذهب للنوم.
حكايات الجدة
وتنوه عذبة جاسم إلى أهمية زيارة معرض الكتاب مع الأسرة،وأنها كأم تجد أن من الضروري اصطحاب الأطفال إلى مثل هذه الأماكن بين الفينة والفينة، كي نعود الطفل على حب القراءة ونبث فيه شغف التعلم وروح الاستكشاف، لأن المطالعة على وجه الخصوص موضوع يحتاج للتعويد منذ الصغر، ولا شك أن قيمة الكتاب المقروء لا يضاهيها ثمن، وقصة ما قبل النوم بالنسبة للبنت والولد أمرا بالغ الأهمية، وتشكل في مرحلة من المراحل العمرية جزءا جميلا من ذاكرتهم الإنسانية، فكلنا نتذكر قصص الأمهات وحكايا الجدات عن عوالم ساحرة وبعيدة المنال، ألهبت خيالنا وشغلت عقولنا وأحلامنا لسنوات وسنوات.
وتكمل: في المعرض تستطيع الأمهات أن تجد كما هائلا من الكتب والعناوين الجديدة والمختصة بعالم الطفل، والتي لن يجدنها في أي مكان آخر كونها تتجمع كلها تحت سقف واحد، فتتمكن من الانتقاء والاختيار من آلاف القصص والمعارف والعلوم، حيث يلتقي معظم الكتاب والناشرين بشتى نتاجهم الفكري والأدبي ومن كل أنحاء الوطن العربي، مقدمين مستجدات أعمالهم وآخر إبداعاتهم في كافة الميادين، وهذا الأمر يوفر بالطبع على أولياء الأمور الكثير من الوقت والجهد اللذان يبذلان في البحث في المكتبات المتفرقة خارج أرضية المعرض، لذا أجد على الدوام ضالتي من خلال زيارتي السنوية لهذا المهرجان القرائي الكبير، فأختار لولدي الصغير كل الكتب والقصص الجديدة والتي نتسلى بقراءتها طوال العام، كما أن الأسعار هنا تعتبر تنافسية ومدروسة بالرغم من ارتفاعها الملحوظ من معرض لآخر.
إعجاب بتنوع العناوين في أجنحة المعرض
عّبرت نوف سالم 20 عام طالبة جامعية في كلية عجمان، عن سعادتها الشخصية في القدوم مع زميلاتها لحضور معرض الكتاب، مبدية إعجابها الشديد بتنظيمه المتسق في هذا العام، وتنوع واختلاف الكتب والعناوين التي زينت معظم الرفوف والأجنحة.
وتقول: يفتح معرض الكتاب أمامنا نحن طلبة الجامعات أبواب جديدة للبحث والاستكشاف، لنجد فيه ضالتنا من المصادر والبحوث، ونحصل من دور الطباعة والنشر القادمة من دول أخرى على العديد من الكتب والمؤلفات التي تفيدنا في تحصيلنا العلمي، حيث تتواجد هنا الكثير من الكتب المتخصصة في حقول التصميم والفنون والجرافيك، بالإضافة للروايات والهوايات والمهارات الأخرى، وأكثر ما لفت انتباهي في هذه السنة هو كثرة الزوار وزحمة الحضور من مختلف الأعمار، مما يدلل على حب شعب الإمارات بكافة أطيافه المجتمعية للمطالعة واهتمامه المطرد بمجالات الأدب والثقافة والفنون، حيث أصبحنا نلمس اهتماما كبيرا من قبل جيل الشباب بهذه النوعية من المعارض والمهرجانات القرائية والثقافية وعلى نحو كبير، مما يبشر بمستقبل واعد للجميع.
مواجهة بين الكتاب المطبوع والإصدارات الإلكترونية
حملت أجنحة المعرض دعوة صريحة إلى الاهتمام بالكتاب المقروء، في ظل المواجهة الشرسة مع الإصدارات الإلكترونية، التي تحظى باهتمام فئة كبيرة، خاصة من الشباب، حيث أوضح محمد عبد الراضي، بصفته أحد الشباب الذي يزورون المعرض برفقة أصحابه، أنه توقف كثيراً أمام الأجنحة، وتذكر كلام أبيه، عن أهمية الكتاب المطبوع، وأنه يظل يحمل بريقاً خاصة ويشجع على القراءة والنهل من معارفه المختلفة، مشيراً إلى أن والده برغم عمله في قطاع التكنولوجيا، إلا أنه كان يفضل القراءة عبر الكتب والإصدارات المطبوعة، كما زنه يفضل شراء الصحف، بعيد عن القراءة عبر جهازي الكمبيوتر اللوحي والهاتف الذكي.
وقال والدي كان يصطحبنا أنا وأخوتي إلى زيارة المكتبات، وبحكم ثقافته كان يحكي لنا الكثير عن الثقافة وفروع العلم المختلفة، البعيدة عن مجاله، وبالتالي نشأنا أنا وأخوتي جميعاً على حب الكتب المطبوعة، ومتابعة المعارض، التي تقام لها، كم أنها نمت فينا حب اللغة العربية، وكانت السبب في تعلمي للغة الإنجليزية حباً في قراءة الأدب الإنجليزي.
أما ريم إبراهيم فترى أن الكتاب المطبوع في مواجهة شرسة مع الإصدارات الإلكترونية، أدت إلى تأخر مكانته بين القراء، الذي يجد الكثيرون منهم سهولة البحث والاطلاع عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، في مختلف الأوقات، دون عناء التنقل بين المكتبات والمعارض، ولا تنكر أنها تميل إلى الكتاب المطبوع، لكنها لا تجد الوقت الكافي، للبحث عن الأنواع التي تهمها خاصة في مجال عملها، بمجال تصميم الأزياء، في الوقت الذي تزخر المواقع الإلكترونية بالمعلومات الوفيرة عن مجالها، فيكون أماها فرصة الانتقاء والتصفح بمجرد كبسة زر على الكمبيوتر اللوحي.
ومن بين العارضين، قال أحمد صابر، إن الأرقام التي أعلنت عنها اللجنة المنظمة عن وصول عدد زوار المعرض في يومه الأول إلى 25 ألف زائر خير دليل، على قدرة معارض الكتب على استعادة الثقة في الكتاب المطبوع، وفي الوقت نفسه تمنح زوارها فرصة الخيارات المتعددة بين فروع العلوم ومنها التكنولوجية، ولذي فلا أرى أن هناك صراع أو منافسة بين الإصدارات المطبوعة والتكنولوجية، حيث إن الأمر يعود إلى خيارات القراء، ورغبتهم، وحتي خلال المعرض، فهناك من يشترط وجود القرص المدمج من الإصدار قبل الشراء، قبل أن يقبل على الشراء، وهناك من يكتفي بطلب الأقراص المدمجة.
المصدر: جريدة الاتحاد