كاتب إماراتي
إن قيام تنظيم «داعش» الإرهابي بالاعتداء على موقع جريدة «الاتحاد» المتسم بالتوجهات الرصينة والفكر المعتدل، يعطينا فكرة مفادها. أن هذا النوع من التنظيمات الإرهابية لا يترك أية فرصة تلوح أمامها لممارسة كل ما هو قبيح ومسيء للبشرية، فهذا هو دينها وديدنها.
وما يهمني التركيز عليه بهذا الصدد هو أن لتقدم خدمات الإنترنت والتكنولوجيا المرتبطة بها علاقة كبيرة وخطيرة بانتشار ظاهرة الإرهاب الحديث، فهذه الأيام تحت يد الإرهابيين ترسانة ضخمة من الوسائل المادية والمعنوية التي يتناقلونها عبر الإنترنت.
فعبر هذا الوسيط السريع يكتسبون ويحوزون. ويتناقلون مهارات تساعدهم على تنفيذ عملياتهم الإرهابية في جميع ربوع المعمورة.
ومن بين وسائل استغلالهم لهذه الوسيلة النافذة تأتي مسألة استقطاب الكوادر والمناصرين والمؤيدين، الذين يتم تجنيدهم بسرعة مذهلة، خاصة عبر بث الصور المغرية ورسائل البريد الإلكتروني والمعلومات المغلوطة التي تصب في خانة الإنجازات الوهمية للإرهاب والإرهابيين.
إن الإرهاب ليس أمراً جديداً، لكنه في الماضي كان يتواجد في الظل فقط، فأولئك الذين كانوا يلجؤون إلى العنف كانوا يركزون على السياسيين والعسكريين، وفي بعض الأماكن استمر الإرهابيون طويلاً في استخدام ذلك التكتيك التقليدي، لكنهم الآن يوجهون نيرانهم باتجاه المدنيين الأبرياء دونما تمييز وبطرق إرهابية عشوائية، كما هو حاصل عن طريق استخدام العمليات الانتحارية وسط جموع من المدنيين الذين لا علاقة لهم بأي شأن سياسي ولا حول لهم ولا قوة، كما يحدث في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والصومال ونيجيريا.
وأينما تحدث مثل تلك العمليات الإرهابية يكون منفذوها من الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر شبكات الانترنت، سواء كانت الوسيلة مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، أو حتى شبكات «اليوتيوب» التي تبث رسائل وصوراً تركز على إغواء الشباب وضمهم إلى صفوف الإرهابيين.
إن الإنترنت يلعب أدواراً مؤثرة في قدرة تنظيم «داعش» على استقطاب كوادره ومقاتليه، ففي العديد من حالات التجنيد التي تمت في أوساط الشباب في دول الغرب بالتحديد، ظهر الإرهابيون من الظلام فجأة لمجرد جلوسهم خلف شاشات كمبيوتراتهم في منازلهم ووسط ذويهم بمجرد أن تتمكن أجهزة الاستقطاب الإرهابية من التواصل معهم عبر الإنترنت، ثم يظهرون فجأة في الدول التي ابتليت بالإرهاب.
وتجدر الإشارة إلى أن التنظيمات الإرهابية تمكنت من استغلال الفراغ الاجتماعي الغربي وعدم الاستقرار الأسري والنفسي والذهني الذي تعانيه الناشئة في الغرب، وتوصل إليهم رسائل تستهدفهم بما يمكن أن يجدوه في مناطق الإرهاب من عمل يدر عليهم دخلاً مادياً مجزياً ومن إشباع لرغبات غريزية يفتقدون إليها عبر مقولات الحور العين وجهاد النكاح، وغيرها من طروحات ما أنزل الله بها من سلطان.
والطامة الكبرى هي أنه في الغرب تنعدم السيطرة على شبكات الإنترنت، ويستطيع كل من مسه جنون الإرهاب أن يوصل ما يريد إيصاله إلى الناشئة لاستقطابها، لذلك يلاحظ بأن أعداد الشباب الغربيين الذين يتم استقطابهم عبر شبكات الإنترنت تفوق أعداد أولئك الذين أمكن استقطابهم من داخل مناطق الإرهاب ذاتها.
وهنا يبدو بأن التنظيمات الإرهابية درست جيداً الأوضاع الغربية من حيث الحريات اللامحدودة والقوانين التي تحد من حجب المعلومات عن العامة، هذا بالإضافة إلى فهم السيكيولوجية الخاصة بالإنسان الغربي الذي لديه قدرة هائلة على إحراج السياسيين إن هم تجرأوا بالمناداة بوضع القيود على الإعلام وهنا تقع الطامة الكبرى التي لم تدرك دول الغرب خطورتها حين يعدو إليهم شبابهم وهم مُتخمون بأفكار الإرهاب، ولا يجدون ما يفعلونه في أوطانهم، فهل مجتمعات الغرب مستعدة للتعامل مع تلك اللحظة، أم أن الإنترنت المفتوح على مصراعيه وبال عليهم؟!
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=83645