كاتبة لبنانية
كم بدت حنان الحروب صادقة وكم شعرنا بأنفسنا نشاركها الفرح. أعني المعلمة الفلسطينية التي طافت صورتها تقف على المسرح رافعة قبضتيها وضاحكة بسعادة حقيقية مستحقة، بعد فوزها بجائزة أفضل معلمة في العالم.
هذه السيدة التي نشأت في مخيم الدهيشة للاجئين، قررت أن لا تسلم أبناءها وطلابها لمسار الإحباط والكآبة الذي من الصعب على الفلسطينيين أن ينجوا منه في ظل أوضاعهم البائسة. عاندت حنان الحروب القدر، واختارت المواجهة بعد حادثة تعرض زوجها لإطلاق نار إسرائيلي وصدمة أبنائها برؤية والدهم يسقط أمامهم جريحًا. أبت حنان أن تنساق خلف الإحباط والعنف، فقررت أن تمنح أبناءها وطلابًا آخرين الأمل والفرح من خلال التعليم عبر اللعب. فعلت ذلك لسنوات، ونجحت في تخفيف جنوح أولادها وأطفال آخرين نحو العنف، وكرست نفسها أمًا ومعلمة تفيض حيوية وطاقة إيجابية.
حكاية هذه المعلمة الفلسطينية باتت مصدر إلهام فلسطيني وعربي وعالمي وأفردت لها الصحافة العالمية الكثير من المساحات في التغطية. وهي بهذا المعنى قصة نموذجية لجهة تقديمها مثالاً عن بعد إيجابي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل شحن مفهوم المقاومة بهذا الكمّ من المضامين السلبية خصوصًا ظاهرة الطعن التي سادت في الأشهر الأخيرة.
نعم، ننتصر على الاحتلال بأن نبتسم ونحن نتلقى ضرباته، وننتصر عليه بمزيد من المعرفة وبوسائل تلقي هذه المعرفة وبنشرها ورفض الانسياق نحو العنف. هذا ليس رصفًا لكلام ولا لغوًا يتجاهل عمق المعاناة، فها هي حنان تلقننا درسًا، وأتى الاهتمام العالمي بحكاية أهم معلمة لهذا العام ليضخّ جرعة منعشة من الحياة في المأساة الفلسطينية شبه المنسية في ظل ما تعيشه منطقتنا.
هل تذكرون المأساة الفلسطينية؟
أجل، هناك مأساة اسمها المأساة الفلسطينية، وهناك احتلال وهناك دولة احتلال بشعة هي الدولة الإسرائيلية. هذه من الأمور التي سعى نظام كنظام بشار الأسد أن ينسينا إياها عبر الذهاب بالبشاعة إلى أبعد ما ذهب إليه الاحتلال الإسرائيلي. بهدوء ومثابرة تمكنت حنان الحروب من الحد من نزوح طلاب كثيرين نحو العنف، وهذه حكاية نجاح مهمة أعادت للفلسطينيين بعضًا من الاهتمام العالمي، فقد تذكر العالم من جديد ما يعانيه الفلسطينيون الذين انحسرت الأنباء عنهم بحادثة طعن من هنا وقتل متظاهرين من هناك فسقط منهم في الأشهر الخمسة الأخيرة نحو 200 فلسطيني و28 إسرائيليا.
قبل حنان الحروب كان الخبر الفلسطيني يواصل غيابه وتراجعه من دون أن يعني ذلك تراجعا في المأساة الفلسطينية، لكن السنوات الأخيرة أفقدت الفلسطينيين موقعهم التقليدي في الاهتمام بصفة قضيتهم هي المركز. والنفاق بشأن فلسطين همش الفلسطينيين قبل غيرهم حتى إن هناك من صدق ترهات، أن طريق القدس يمر عبر سوريا واليمن والعراق وأفغانستان ودول أخرى.
بالنسبة إلى حنان الحروب فالطريق واضح. إنه رفض العنف والإصرار على الحياة والتعلم والأمل.
فما هي المقاومة إن لم يكن ما فعلته هذه المعلمة؟!
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط