كاتب إماراتي
هل تعرف حالة الهدوء الغريبة تلك؟! عندما تولج المفتاح في باب بيتك فتستشعر بأن حالة غريبة من الصمت تحيط بالمكان! هل حدث مكروه؟! تدخل إلى المنزل فترى أن أخواتك قد قمن بتنويم الصغار باكراً وإنهاء توضيب المنزل! كل شيء في مكانه وكل شيء جاهز! تماماً مثل ليلة العيد! تسألهن بمكر هل ستأتي من تخطبني؟ فينظرن لبعضهن نظرة (أحمق آخر لا يعرف الذي يجري) .. أمام التلفاز تكون (الفوالة) جاهزة وأقداح الشاي والقهوة مُهيأة.. الإجراءات الأمنية مشددة بقطع جرس الباب وكوابل التليفون، ووضع جميع الأجهزة على الوضع (هزاز) .. تعرف حينها أن الأمر لا يتعدى برنامجاً جماهيرياً آخر.. لاكتشاف مواهب أجيال الربيع العربي!
حاولت مجرد محاولة على سبيل (الاستظراف) أن أقوم بتغيير قناة التلفاز مع بداية البرنامج الشهير.. ولولا رحمة الباري والزر السحري المسمى (recall) لكنت تقرأ عموداً آخر مكان هذا العمود، يثني فيه رئيس التحرير على مناقب الكاتب الراحل، وكيف أنه دفع حياته ثمناً لحرية الكلمة، وأن المسيرة تتواصل مهما حدث..
الهدوء لم يشمل منزلنا فقط بل تعداه للفريج والمدينة والجيل.. اضطررت مكسور الجناح (بالمعنى الحرفي لا المجازي) أن أشاهد قيء المواهب الحديثة.. ولن أعلق عليها فللجمهور حق التصويت طبعاً بما يشاء.. ولكن ما (يبعط) العين و(يحرق) القلب، هو تسخير تلك الإمكانات والدعايات الضخمة للبرنامج على كل قنوات تلك المجموعة الشهيرة، وكل قلوب واهتمام الأمة..
تخيلتُ – وهذا حقي – لو كان هذا البرنامج وهذه المقدرات التصويرية، والجماهيرية، والفنية، والأدبية، والدعائية، قد استخدمت لبناء مدرسة للأونروا في غزة، التي تعمل 90% من مدارسها على فترتين أو ثلاث يومياً لاستيعاب الطلبة.. لو سخرت مشاركات المتصلين لبناء مستشفى في سورية يعمل به أطباء مكفنون مسبقاً، ولا يعلمون متى تصل فرق إعدام الجيش، التي أصبحت مغرمة بإعدام (الفرق الطبية) أخيراً.. لو سخرت الإعلانات للدعوة لبناء ملجأ أيتام في العراق، الذين أصبح عددهم مليونين ونصف المليون.. لو أن التشويق الموجود تم توجيهه لمشروع إنساني سيرينا في نهاية الحلقة بناء قرية، أو إيصال كهرباء إلى مدينة، أو مشروع صرف صحي لشارع، أو ابتسامة على شفتي أمّ لم ترَ السعادة منذ أسر ابنها الذي حاول إعادة ماء وجهنا بعملية غرب الجدار العازل.. لن نتكلم عن النيجر ولا تشاد ولا مالي لأن البرنامج يشترط أن تكون فرقة الـ(هيب هوب) المرشحة بتتكلم عربي!!
تخيلت كثيراً وصحوت على خسارة الزمالك بأربعة أهداف! فعلاً المصائب لا تأتي فرادى!
المصدر: الإمارات اليوم