كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
النقاشات عند العرب تصنّف عادة في (باب: المعارك)، فهي قلّما تنتهي نهاية سليمة وسلميّة، يخرج منها الطرفان مثلما دخلا!
تتفاوت أهداف المتحاورين / المتحاربين، فبعضهم يدخل المعركة النقاشية وهو يريد إحراج خصمه، آخر يريد إفحامه، ثالثٌ طموحه أن «يمسح بخصمه البلاط»! والفئة الأخيرة هي التي تناولها د. سليمان الهتلان في مقالة تشخيصية جميلة الأسبوع الماضي.
فكرة (المسح بالبلاط) أثارت شجوني، وبتُّ أتأمل، وبتحفيز من الصديق محمد المختار الفال، في علاقتنا العجيبة مع البلاط، فالناس إذا أرادوا أن يمتدحوا مكانة إنسانِ ما وعلّوا مقامه ونفوذه قالوا إنه: قريب من (البلاط)، لكنهم إذا أرادوا إهانة شخص وإذلاله توعّدوه بأنهم: سيمسحون به البلاط.
فالناس في علاقتها مع البلاط على نوعين: فئة يُمسح بها البلاط… وفئة تتمسّح بالبلاط!
ما الفرق بين البلاطين؟!
هل يكمن الفرق في نوعية البلاط أم في نوع المبلّط؟!
الفارق الظاهر بين الفئتين أن أحدهما فاعل والآخر مفعول به، لكن في العمق سنجد أن الفاعل يتحول مع الزمن إلى مفعول به، وأن المفعول به الثاني يتحول أحياناَ إلى فاعل. لا تطلبوا مني إيضاحاَ أكثر لأن البلاط المبلل يكون اكثر مدعاة للانزلاق!
بالمناسبة، فالناس تنجذب إلى المشي في البلاط المبلل، البلاط الناشف لا يجذبها، وهذا يعني أن احتمالات سقوطها تتزايد مع تزايد البلل!
في الكتابات العربية يتردد اسم البلاط، أكثر ما يتردد، في ثلاثة مواضع: بلاط السلطان، بلاط الصحافة، بلاط الشهداء.
ما العلاقة بين البلاطات الثلاثة؟!
قد يسهل علينا التعرف على العلاقة بين بلاط السلطان وبلاط الصحافة، لكن الأصعب هو أن نوجد علاقة فذلكية مع بلاط الشهداء «المعركة الشهيرة بكثرة الدماء والقتلى» إلاّ إذا تخيلنا بلاط الصحافة وقد تحوّل فيه الشاهد إلى شهيد!
إذا استثنينا بلاط الشهداء فسيتبين لنا أن علاقة الناس مع (البلاط) علاقة مشوبة بالقلق والتوجس مهما بدت في بعض مواضعها، المكانية والزمانية، ذريعة نحو العلوّ والوجاهة، إذ هو علوّ لا يدوم، والهبوط الذي يتلوه لا يكون هبوطاَ إلى الموضع السابق، بل هبوط إلى ما تحت الصفر… إنه الهبوط إلى البلاط «الآخر»!
عزيزي الانسان: كلما استطعت الابتعاد عن البلاط والمشي على التراب، كان هذا أحرى لتقليل احتمالات سقوطك!
المصدر: الحياة