محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"
ما الذي يجري في أخلاق شباب الوطن العربي؟ سؤال لابد ان يكون قد طُرح من قبل الكثرين منا، بعد إلقاء نظرة خاطفة على الأخبار ومشاهدة بعض الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الإجتماعي.
من منكم بوسعه ان يقدم لنا تفسيراً منطقياً لحالات التحرش الجماعية في الوطن العربي.
سيقول قائل انها حوادث نادرة، ولا ترتقي بأن تكون ظاهرة، وسيضيف بعد ذلك متعمداً الإبتعاد عن النقطة التى ننقاشها ذاكراً ان هذه الحالات تحدث في الغرب ايضاً، ثم سيلجأ الى التحصن بالدين، حينئذ سيذكر لك ان ديننا الإسلامي كفيل بردع وانهاء مثل هذه الأحداث، ليوصد باب النقاش في وجهك بعد ذلك.
وبعيداً عن التعمق والغوص في التاريخ، ومقارنة ما يحدث الآن وما قد يكون حدث في الماضي، دعونا نلقي نظرة سريعة على هذه الحالات لنستخلص منها وجهة نظر قد تصيب وقد تخيب.
في حالتنا الأولى يكشف شبابنا عن وجههم القبيح، على كورنيش بلد خليجي محافظ تشكل مادة الدين في مدارسها التى تخرج او مازال أولئك الشبان المتحرشون يدرسون فيها، عصب الدراسة، وفضلاً على ذلك كن الفتيات في ثياب محتشمة، وفي مكان عام، كما ان رجال الحسبة هناك يعلبون دوراً حيوياً، حيث انهم لا يتهاونون بعقاب المذنبين لاسيما في القضايا الأخلاقية.
أما في المثال الثاني فإنه يتخذ مكاناً عاماً مسرحاً له ايضاً، حيث نشاهد مجموعة من الشبان في قمة الوقاحة والإبتذال يتحرشون لحد الملامسة الجسدية بفتاة محجبة، ولئن كان ذلك البلد منفتحاً قياساً بالبلدان الخليجية، فإنه مما لا شك فيه ان شبابهم قد ترعرعوا على الثقافة الإسلامية المحافظة وعلى الأخلاق العربية الكريمة التى تشجع على الفضيلة.
واخيراً في الحالة الثالثة، نرى إمرأة متبرجة تحمل طفلاً على أغلب الظن انه طفلها، وقد بح صوتها وهي تصرخ بمرارة، تتوسل زمرة من الشباب المتحرش بها ليتركوها تمضي في حال سبيلها، وكما في القضية الأولى والثانية، فإن الكارثة تقع ايضاً في بلد عربي مسلم، تربى شبابها على احترام الأخرين، وعلى شيم الشهامة، ومساعدة الغير.
في الحالات الثلاثة المذكورة أعلاه، نلمس بوضوح ان ثمة خطب ما، وخلل في شبابنا، وان الصورة التى نحتفظ بها في مخيلتنا عن مثالية مجتمعاتنا، ما هي الا صورة كاذبة وهشة سرعان ما تتهاوى أمام أول إختبار.
فلنكف عن الأوهام التى تتلبسنا، ولنبتعد عن لوم الأخر في كل سلبية تظهر على السطح، لنواجه أنفسنا بشجاعة ولنعترف في جلسة علاجية جماعية بأننا مجرد بشر، لنا هفواتنا ونرتكب الأخطاء.
يجدر بنا ان نعترف ان علاج هذه الهشاشة، وهذا الخلل – والتحرش هنا مثالاً- لا يكون بمنع وحجب كل شيء، بحجة المحافظة على أخلاق شبابنا، ولا بالإنفتاح على كل الأمور، بحجة مواكبة العصر، وانما يكون بزيادة الوعي لدى أبناؤنا وبإقناعهم بقيمة الأخلاق، لا بملئهم بها، علينا ان نتعلم كيف لنا ان نحاججهم ثم نقنعهم بأهمية الفضيلة، ودورها في المجتمع، وكيف ان الأخلاق والفضيلة تعودان بالخير علينا قبل الأخرين، وتبعث على الشعور بالأمان، ان نتخلص من مقولة “ترضاها في اختك” لنستبدلها بأخرى “افعل الصواب بصرف النظر عن أي شيء أخر” الفعل الأخلاقي هو الفعل الذي يكمن في جوهره الخير والمنفعة للجميع والباعث على إتزان الروح، وإرضاء الله.
وعلينا قبل كل ذلك ان نجلس معهم ونستمع الى نظرتهم للحياة، كيف يستوعبونها، ورأيهم بحيالها، لنحاول رؤية العالم من وجهة نظرهم، كي نتمكن من توسل طرق جديدة لتوصيل خبراتنا وعلمنا لهم.
دعونا لا نستنفذ وقتنا في تلقينهم وتعبأتهم بالشعارات التى تعبر عن الأخلاق، ولنبدء بممارستها بأنفسنا أولاً، وأخيراً لنتخلص فوراً وبسرعة من عادة إصطناع التعجب والدهشة كلما ساءت تصرفات شبابنا، والأهم من كل ذلك لنعترف بأن الكثرين منا يمارسون دون وعي خطأ على نحو ما في تربيتهم لأبنائهم.