كاتب سعودي
نشر الإعلام ولا يزال ينشر العديد من قضايا الفساد والأخطاء الطبية في بعض القطاعات الصحية، كان آخرها قضية “اللقاحات الفاسدة” التي تم استخدامها في أحد المراكز الصحية بمدينة الرياض، الأمر الذي قد يؤدي إلى اهتزاز الثقة في الخدمات الصحية المقدمة إلى الناس بسبب وجود هذه الانحرافات وغموض الإجراءات المتخذة لمعالجتها.
وبعد ظهور فيروس (كورونا) مؤخراً، تساءل الجميع عن أسباب ازدياد حالات هذا المرض في المملكة بالذات، وبالرغم من تصريحات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بعدم معرفة الكيفية لانتقال هذا الفيروس بين الأفراد، والجهل بنطاق انتشاره ومسبباته، سواء في المملكة أو في سائر البلدان الأخرى، إلا أنه يكاد يكون لدى الناس قناعة بأن السبب الرئيسي يكمن في وجود قصور في إجراءات التعامل مع هذا المرض، وخاصة فيما يتعلق بإجراءات مكافحة العدوى في المستشفيات.
إن مكافحة العدوى تعد من الأمور الأساسية والجوهرية للعناية بالمرضى، وهذا الأمر في الحقيقة لم ينل بعد الأهمية والعناية المطلوبة، سواء من المسؤولين أو العاملين في القطاع الصحي.
وقد يعترض أحدهم على الرأي السابق ويقول بأن وزارة الصحة “قامت بإنشاء إدارات لمكافحة العدوى في المستشفيات تقوم بشكل يومي وأسبوعي وشهري برصد نسب ومعدلات العدوى في جميع الأقسام الطبية، كما وضعت أيضاً سياسات وإجراءات لمكافحة العدوى يتم التأكد من تطبيقها من خلال لجان الجودة وغيرها، بالإضافة إلى تطبيق معايير المجلس المركزي لاعتماد جودة المنشآت الصحية في العديد من المستشفيات بمختلف مناطق المملكة”.
الاعتراض السابق في مجمله صحيح ولا أحد ينكر جهود وزارة الصحة في هذا المجال، ولكن تبقى سياسات وإجراءات مكافحة العدوى في العديد من المستشفيات مجرد حبر على ورق حتى في ظل وجود لجان الجودة وشهادات الاعتماد (سباهي)، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات تؤكد على مصداقية تقارير إدارات مكافحة العدوى حتى يتم الوثوق بها، وإن وجدت تظل ملاحظات وتوصيات هذه الإدارات معلقة دون حل أو معالجة لكثير من الانحرافات الموجودة في هذا المجال.
وفيما يلي أستعرض بعض الصعوبات والمعوقات التي تواجه بعض المستشفيات في مجال مكافحة العدوى والتي تؤكد على عدم وجود الاهتمام الكافي بهذا المجال وعدم إدراك خطورة تأثيراتها السلبية على المرضى، والتي قد تؤدي إلى الموت في بعض الأحيان بسبب انتشار العدوى:
• عدم تقيد العاملين من أطباء وتمريض بتطهير الأيدي والنظافة الشخصية، وعدم التقيد بزي الوقاية الشخصية، وخاصةً في أقسام العناية المركزة وغرف العمليات في ظل عدم وجود عقوبات رادعة لمثل هذه المخالفات رغم خطورتها، وإنما يكتفى بالتنبيه فقط على العاملين لتلافيها في المستقبل.
• عدم وجود غرف للعزل للمرضى المصابين بأمراض معدية في بعض المستشفيات، الأمر الذي يؤدي إلى تنويم هؤلاء المرضى في الغرف العادية للتنويم بالمستشفى، وإن وجدت غرف للعزل نجد أنها غير مطابقة للمواصفات المطلوبة مثل عدم وجود الضغط السلبي في الغرفة، في حين أن معايير مكافحة العدوى تتطلب وجود آلية للفصل بين المرضى المصابين بأمراض معدية ناجمة عن عوامل مرضية ذات أهمية وبائية عن المرضى الآخرين وعن العاملين والزوار، كما تتطلب المعايير أيضاً وجود غرف عزل ذات مواصفات معينة خاصة بالأمراض المعدية.
• تدني مستوى النظافة في الأقسام الطبية ومرافق بعض المستشفيات بسبب سوء أداء الشركات والمقاولين، حيث لا يتم التقيد بنسب المطهرات والتعقيم المطلوبة، حتى إن بعض أدوات النظافة التي تستخدم في تنظيف دورات المياه هي نفسها التي تستخدم في تنظيف الغرف والأجنحة بالمستشفى، ناهيك عن استخدام مطهرات مغشوشة أو ذات فاعلية محدودة.
• عدم وجود قسم للتعقيم المركزي في بعض المستشفيات، وإن وجد فإنه يعاني من عدم كفاءة أجهزة التعقيم بسبب سوء الصيانة لها، مما تضطر بعض المستشفيات إلى اللجوء إلى التعقيم داخل عيادات المستشفى أو استخدام أدوات طبية قد تكون ملوثة.
• عدم وجود شفط هوائي في غرف العمليات، بالإضافة إلى تعطل المغاسل والتكييف المركزي، حيث تتطلب المعايير الحفاظ على أكثر من خمس عشرة دورة لتغيير الهواء بالساعة في غرفة العمليات، ويجب تصفية الهواء الخاضع لإعادة التدوير.
• وجود ممارسات لا تتفق مع معايير التعامل مع النفايات الطبية ومن ذلك على سبيل المثال نجد أن (السلال) الخاصة بالنفايات الطبية مصنوعة من مادة البلاستيك، وذلك لتخفيض تكاليف توريد هذه المواد، بالإضافة إلى عدم التقيد بوضع الإبر الحادة في الحاويات المخصصة لذلك، أو خلط النفايات العادية مع النفايات الطبية من قبل العاملين بالمستشفيات.
مما سبق، يتضح وجود إشكالية وخلل في عملية الرقابة على إجراءات مكافحة العدوى في بعض المستشفيات بالرغم من وجود السياسات والإجراءات المكتوبة واللجان المسؤولة عن متابعة تطبيقها، علماً بأن المراكز الصحية وكذلك مستشفيات ومستوصفات القطاع الخاص قد لا تتوافر فيها هذه المعايير وهذه اللجان، كما أن هناك إشكالات تتعلق بمنظومة مكافحة الأمراض المعدية ككل، سواء من ناحية الإبلاغ والرصد لها أو من ناحية الإحصائيات وقواعد البيانات الخاصة بها، ليبقى السؤال: أين يكمن الحل؟
في رأيي أعتقد أن الأمر يتطلب وجود قوانين وأنظمة ملزمة تتعلق بمكافحة العدوى في القطاع الصحي، مع ضرورة وجود عقوبات وجزاءات واضحة للمخالفين في هذا المجال، حيث إن هناك غيابا واضحا للعقوبات في المجال الحكومي بالذات، حيث يكتفى إما بالتنبيه فقط في معظم الأحيان أو إجراء التحقيق إن لزم الأمر دون وجود مساءلة حقيقية، كما يتطلب الأمر رفع مستويات الوعي بين جميع السكان، ولاسيما في صفوف الموظفين العاملين في المجال الصحي، فمكافحة العدوى مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل فرد منا في المجتمع وفيها مصلحة مشتركة، سواء للعاملين أو المرضى.
المصدر: الوطن أون لاين