طرحتُ قبل أسابيع موضوعا للنقاش في مواقع التواصل الاجتماعي (واتس أب، وفيسبوك، وتويتر، وإنستغرام)، من خلال أسئلة تدور في حقيقتها حول علاقة المقدس بالفن. ومن بين تلك الأسئلة: هل هناك حركة تشكيلية في مكة؟ أين موقع مكة من الفن التشكيلي السعودي خاصة، والوطن العربي عامة؟ هل استطاع الفنان المكّي أن يقدم شيئا من رؤيته الفنية عبّر فيها عن قداسة المكان؟ لماذا لم تتكون هناك مدرسة مكية في الفن الإسلامي تختص بالمعمار والرسم والزخرفة والخط والنحت؟ ما مدى تأثير فناني مكة على غيرهم من الفنانين في الوطن العربي؟
وجاءت بعض الإجابات مختلفة في الفهم، متسمة بالضعف، غير خالية من مفاهيم البعض الخاطئة، وبعضها الآخر كان بعيدا كل البعد عن مركزية الموضوع وهدفه الرئيس.
من بين المفاهيم الخاطئة ما يظنه كل فنان مولود في مكة بأنه فنان مكيّ. وهناك فرق شاسع بين فنان ولد في مكة وفنان لا يعيش فيها، لكنها تمثل له هوية دينية ومعرفية.
ومن الفنانين الذين شاركوا في النقاش والإجابة عن بعض الأسئلة: صديق واصل، وعبد الله البراك، وأمينة الناصر، ونورة المطلق، وجلال الطالب، وهديل محضر، وعبد الرحمن السليمي، ومحمد الخبتي، وحسين شريف من الإمارات.
أحد الفنانين التشكيلين ممن شاركوا في الإجابة قال: «ممكن، لأن مكة لم تكن تاريخيا عاصمة لأي دولة أو خلافة إسلامية، لا سياسيا ولا اقتصاديا». بينما قال أحد فناني المدينة المنورة: «بما أعتقده يا صديقي أن تجارب صديقنا الفنان مهدي الجريبي هي من أعمق التجارب التي لامست حواف سؤالك هذا، وابتعدت عن النظرة السطحية للمعالجة البصرية للأجواء المكيّة التي اعتمدها كثير من الملونين، دمت بوعي».
ويرى الفنان التشكيلي مدير صحيفة «فنون الخليج» الإلكترونية أن صعوبة هذا السؤال تبدو «ربما من أن الإجابة منفية كنفي حقيقة الفن بالمفهوم السطحي للإسلام».
كما أورد رئيس جمعية جسفت للفنون التشكيلية فرع مكة، سردا مطولا أشبه بعرض تاريخي، قال فيه: «لقد اطلعت على الموضوع الذي طرحه الأخ سامي، أين موقع مكة في الفن التشكيلي (…)؟ من رأيي الخاص، السؤال يتكون من شقين؛ الشق الأول: يوجد علامة استفهام وذكاء من الأخ سامي من حيث أين موقع مكة من الفن التشكيلي السعودي. وهناك إجابات كثيرة جدا تاريخيا، مثل ظهور الفنان عبد الحليم رضوي، وهو من مواليد مكة، والفنان أحمد فلمبان. وأغلب الفنانين التشكيلين السعوديين من مكة المكرمة، أمثال: يوسف جاها، وحسن عبد المجيد، وسليمان باجبع، وفائز أبو هريس، ومهدي الجريبي، ومحمد زكي، وزهير مليباري، وضيف الله القرني وغيرهم. وهناك فنانون آخرون قدموا أعمالا فنية عن مكة المكرمة، أمثال أيمن يسري، ومهدي، وعبد الناصر غارم، وأحمد ماطر، وناصر السالم، وصديق واصل، وسامي جريدي. وهناك مصورون فوتوغرافيون من فناني مكة صوروا مكة المكرمة.
أما الشق الثاني من السؤال: هل استطاع الفنان المكّي أن يقدّم شيئا من رؤيته الفنية يعبّر فيها عن قداسة المكان؟ فأقول، نعم يوجد فنانون قدموا أعمالا كثيرة ولم يذكروا. كذلك يوجد في مكة جداريات عدة أنجزها فنانو مكة في حدائق عدة، وتحت الكباري. أيضا يوجد للجنة الاستشارية لأمانة العاصمة المقدسة مشروعها الذي طرحته قبل 5 سنوات، وكنت حينذاك المنسق للجنة، حين جرى اختيار فنانين من مكة للدراسة. بعد ذلك، جرى تنفيذ مسابقة دولية، وأنجزت في مكة جداريات تعد الكبرى، وهي من أعمال أمل فلمبان، وسعود خان وغيرهما».
وردت إحدى الفنانات المنتمية إلى مكة، على تعليق أحد الفنانين بأنه قد تناسى ذكر بعض الفنانين في سرده التاريخي، من أمثال عبد الله الشلتي، وسعيد قمحاوي، وعبد الله حماس، وأمينة آل ناصر.
وقال فنان من الطائف يقيم حاليا في جدة: « شك أن هذا التساؤل منطقي ومهم، كون مهبط الوحي، مكة المكرمة، يستحق منا كفنانين مسلمين، لما لمكة في قلوبنا من مكانة وارتباط روحي وجسدي كبيرين. وتقع على أبناء مكة مسؤولية كبرى في هذا المجال بالتأكيد (…) ولو نظرنا حولنا، وتحديدا إلى المحترفين المصري والعراقي كمثال، لوجدنا أنهما ساهما بإسهاب في تقديم الحضارات المتعاقبة على بلديهما كالفرعونية والآشورية وغيرهما، يصل إلى حد المبالغة في الطرح (…) والقضية ليست ملونا أو غير ملون، فاللون أو أي خامة أخرى، ما هو إلا وسيلة توصيل، ولكن كيف يكون هذا التوصيل ومدى نجاحه وعمقه؟ لو أخذنا تجربة سعودية كمثال، وواحدا من أبناء مكة المكرمة، لوجدنا الدكتور عبد الحليم رضوي (رحمه الله) وفلسفته ومنهجيته، وهي الطواف حول الكعبة المشرفة، أو بمعنى آخر: الدوران عكس عقارب الساعة. أيضا تجربة عبد الرحمن خضر، التي حاول أن يقدمها بأسلوب أعمق وحلول جيدة قياسا بغيره. وكلاهما ملون، بينما مهدي الجريبي – مع احترامي لتجربته ذات المدلوت الفلسفية وذات النسق الحداثي – لم تكن مكة المكرمة ومكانتها قضيته، وإنما نجده استغل شعر الحجاج والمعتمرين وماء زمزم) كدلالة على بقاء الأثر، فقط لخدمة قضيته التي يتبناها منذ سنوات».
المصدر: الطائف (السعودية) : سامي جريدي – الشرق الأوسط