طغى الهمّ الاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي بعد أحداث «الربيع»، على أجواء المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي الذي انطلق في دبي أمس، بعنوان «المواطن والحكومات: رؤية مستقبلية»، فيحضور نائب رئيس دولة الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأمير مكة المكرمة رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل.
وشرّع الأمير خالد الفيصل باب الأسئلة على مصراعيه في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذي حضره وزراء عرب وأكثر من ألف مسؤول وناشط اقتصادي وثقافي واجتماعي من أنحاء العالم العربي، وأهم هذه الأسئلة: هل تبقى الحكومات، أم تحكم المنظمات، أم تسيطر الميليشيات، أم تهيمن الشركات؟ وأوضح أن المنتدى يركز هذا العام على «المواطن والحكومات: رؤية مستقبلية»، وهي «المشكلة الآنية – المستقبلية التي أفرزتها التداعيات العالمية». وتساءل الأمين العام لـ«مؤسسة الفكر العربي» د. سليمان عبدالمنعم: «هل لدينا اقتصاد عربي للمعرفة؟ وهل لدينا اقتصاد عربي للإبداع في حين لا نجد دولة عربية واحدة في قائمة الدول العشرين الأولى المصدرة للسلع الإبداعية، في حين نجد دولاً مثل تايلاند وسنغافورة؟ هل أصبحت المعرفة والثقافة والإبداع داخلة بحق ضمن المنظومة الاقتصادية للدول العربية؟».
وركزت الجلسات الافتتاحية لمنتدى «فكر 11»، على أهمية وجود بنية تحتية حديثة في المنطقة العربية لتلبية حاجات العدد المتزايد للسكان وزيادة الهجرة القروية إلى المدن، فضلاً عن بناء ما دمرته الثورات في المنطقة. ورأى مشاركون في ورشة العمل أن المنطقة تحتاج إلى استثمارات ضخمة قدّرها البنك الدولي بـ106 بلايين دولار. ودعا المشاركون الحكومات التي تقود مرحلة الانتقال إلى المستقبل، لأن تفكر ملياً في دورها ودور القطاع الخاص في عمليات التمويل والتصميم والتشييد والصيانة والإدارة لهذه المتطلبات الضخمة.
«لننهض بلغتنا»
وكانت مؤسّسة الفكر العربي أقامت، في حضور الأمير خالد الفيصل ووزراء ثقافة عرب ورؤساء مجامع لغوية عربية، وحشد من المفكرين والباحثين واللغويين والإعلاميين العرب، في فندق «غراند حياة» – دبي، احتفالاً بإعلان مشروع «لننهض بلغتنا» الذي اضطلعت به المؤسّسة، ويهدف إلى تعزيز اللغة العربية ووقف تدهور استخدامها. واستهل عبدالمنعم الاحتفال بكلمة أشار فيها إلى أن «هذا المشروع هو نتيجة جهد ميداني وبحثي ورؤيوي قام به لغويون ونخبة من رموز الفكر والإبداع، وعليه فهو مشروع يهمّ جميع العرب».
وألقى الأمير خالد الفيصل كلمة اعتبر فيها أن «اللغة هي الهوية، وقيل في الماضي إنَّ مَن لغته العربية هو العربي… راجين من الله ألا تكون من اللغات أو الهويات المحكوم عليها بالانقراض». وأضاف: «إذا كنّا في الماضي نُحمّل الاستعمار ومشروعاته وزر إهمال هذه اللغة ومحاربتها، فإننا اليوم بصدد الخطر الأكبر، فنحن نتعرّض لهيمنة سياسية وثقافية غربية شاملة. ولعلّنا نلحظ مظاهر هذا الخطر، في صفوف شبابنا وتداولاتهم على شبكات الإنترنت وسائر المواقع والهواتف الجوالة، يستخدمون لغة لاتينية تستبدل الأرقام فيها الكلمات، وبعض التعابير العربية تُستبدل بتعابير أجنبية خالصة».
وألقت وزيرة الثقافة البحرينية مي آل خليفة كلمة اعتبرت فيها أن الأمير خالد الفيصل لخّص بكلمته كلّ ما تود قوله بخصوص أزمة اللغة العربية ومستقبلها.
وألقى ممثّل مجمع اللغة العربية في القاهرة، الناقد صلاح فضل، كلمة قال فيها: «مع أن العالم العربي شهد جهوداً علمية منظّمة ورؤية مستمرة طوال 80 سنة، تمثّلت في إنجاز المجامع العربية العريقة، لكن لغتنا اليوم تواجه أخطاراً كبيرة تتجاوز بكثير إمكانات هذه المجالات». وأكد أن اللغة وإن لم تتّسم بالمرونة والتحديث لمواجهة تحديات العصر، فهي تتراجع وتتأخّر بالنسبة إلى أبنائها أنفسهم. وشدّد على أهمية رقمنة اللغة وتيسير تداولها، خصوصاً لدى الشباب.
واعتبر نائب رئيس المجلس التنفيذي لمنظمة «يونيسكو» د. زياد الدريس أن الكثير من مراكز الاستقصاء يشير إلى أن اللغة العربية، مع اللغة الصينية، تشهد الإقبال الأجنبي الأكبر على تعلّمها». وأكد الشاعر عبدالمعطي حجازي أن العربية هي «حصننا الباقي، باللغة لا نتواصل مع أنفسنا بل مع غيرنا أيضاً، وينبغي أن يكون هذا التواصل كاملاً. نحن نعيش بلغتين وربما بأكثر، وقد آن لنا أن نحول هذا الانقسام إلى ثروة وغنى، كما علينا أن ونرتقي بالفصحى لترتفع العامية والعكس صحيح، وهذه ليست معادلات نظرية وإنما هي نتاج خبرة وواقع وتجربة».
واختتم العميد السابق في الجامعة اللبنانية أنطوان طعمة الاحتفال بتلاوة إعلان وثيقة «لننهض بلغتنا».